خلال الشهر الماضى، وبفارق أيام معدودة، تطرق كل من إيهود باراك ومئير داجان إلى قضية السلاح النووى الإيرانى والموقف الإسرائيلى من هذا الخطر. وقد أدلى المسئولان (الحالى والسابق) بكلام مهم جدا موجه بصورة خاصة إلى الجمهور الإسرائيلى. فلدى سؤال باراك عما إذا كان يظن أن الإيرانيين سيلقون قنبلتهم النووية على إسرائيل، أجاب بصورة قاطعة «لن يلقوها علينا ولا على أى دولة من الدول المجاورة الأخرى». كذلك أجاب داجان عن سؤال عما إذا كان يتعيّن على سلاح الجو الإسرائيلى مهاجمة المنشآت النووية فى إيران، بأن «هذا سيكون عملا غبيا». يبدو أن المقصود بكلام الرجلين ليس التخفيف من خطورة السلاح النووى الإيرانى، ولا القول إنه يجب عدم بذل كل الجهود لإيقاف إيران ومنعها من إنتاج القنبلة، وإنما التعامل مع هذا الخطر بطريقة مختلفة. لقد توجه الرجلان بكلامهما إلى الجمهور الإسرائيلى، فأراد باراك إزالة الذعر من إمكان حدوث هجوم نووى إيرانى مباشر، كما أراد داجان أن يوضح أن ليس هناك خيار عسكرى يمكن أن يقدم حلا حقيقيا للمشكلة. لم يقل باراك إن إيران النووية ليست خطرة. وفى رأيى، هو أراد أن يشدد على أن الخطر لا يكمن فى الهجوم المباشر على إسرائيل، فمن غير المعقول أن تخاطر إيران بشن هجوم نووى مباشر يعرضها لهجوم مضاد مشابه، لكن فى إمكان إيران أن تتصرف بصورة خطرة جدا فى المنطقة مستندة إلى صورتها النووية التى من شأنها أن تحصنها فى وجه خطوات هجومية قد تنفذها ضدها دول أخرى ردا على أعمالها، كما سيحول هذا دون تصدى دول أخرى للمحاولات الإيرانية الرامية إلى توسيع نفوذها الإقليمى. لا يمكننا أيضا أن نفهم من كلام داجان ألا مجال لوقف تقدم إيران فى اتجاه الحصول على السلاح النووى. لقد استبعد داجان خيار الهجوم العسكرى الإسرائيلى، لكنه أشار إلى خطوات أخرى يمكن القيام بها لوقف مشروع إيران النووى. خلال الأعوام الماضية، ولا سيما خلال ولاية إيهود أولمرت، بذلت إسرائيل جهودا كبيرة من أجل تحويل قضية السلاح النووى الإيرانى إلى مشكلة إسرائيلية، لكن نتنياهو تبنى وجهة نظر مختلفة بشأن الموضوع، فهو وسّع من نطاق الخطاب الذى كان مركزا على إسرائيل إلى حد مقارنة الخطر النووى الإيرانى بالمحرقة النازية. وضمن هذا الإطار يمكن فهم محاولات باراك وداجان التقليل من حدة هذا الخطر والوقوف ضد كلام نتنياهو، وربما أيضا لاعتقادهما أن نتنياهو بات على وشك اتخاذ قرار بمهاجمة إيران. إلاّ إنه علينا ألاّ ننسى أن الكلام الذى يقال داخل إسرائيل يصل إلى أماكن بعيدة ويخرج عن سياقه ويصبح أكثر إشكالية.