الملاحظة الأولى هى أننا نحتاج وبسرعة شديدة إلى خطاب رسمى يشرح للمصريين بوضوح وموضوعية تحديات المرحلة الانتقالية الراهنة، ويضع أمامهم خريطة طريق سياسية وإجرائية محددة تبين كيف سيتم التعامل مع التحديات المختلفة. هذه المهمة هى مهمة الحكومة برئاسة الدكتور عصام شرف، وليس مهمة المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى يفعل حسنا بعدم الإكثار من البيانات والتصريحات ويجيد المشير محمد حسين طنطاوى بابتعاده عن الحديث الإعلامى. نحتاج للخطاب الحكومى لضبط إيقاع النقاش العام ولإنهاء حالة الغموض الراهنة التى تترك المواطن فريسة للشائعات ولإعلام الإثارة غير المنضبط. والأفضل أن يأخذ، وفى ظل غياب البرلمان، شكل بيان سياسى دورى يوجه من رئيس الوزراء إلى الرأى العام وبيان أسبوعى يصدر عن متحدث رسمى يستعرض ما قامت به الحكومة فى الأسبوع المنصرم وما تعتزم القيام به فى الأسبوع التالى. ليس إنتاج الخطاب الحكومى ترفا لا تحتمله حكومة الدكتور شرف فى ظل التحديات والضغوط الكبرى، بل هو مهمة أصيلة أسفر العجز عن القيام بها خلال الأشهر الماضية عن ظواهر ثلاث سلبية. الأولى هى تضارب المنسوب للحكومة والجهات الرسمية من سياسات وقرارات (مسألة تصويت أفراد القوات المسلحة والشرطة نموذجا). الثانية هى توسع المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى إصدار البيانات والتصريحات، والذى إن استمر يهدد بتحول المجلس فى قراءة الرأى العام إلى «جهة إطفاء» لحرائق الوطن الطارئة وهو ما لا يتناسب مع مهامه الأساسية المرتبطة بإدارة شئون الدولة استراتيجيا وسياسيا إلى حين تشكيل هيئات تشريعية وتنفيذية منتخبة. الثالثة هى الإخفاق فى تفعيل وتوظيف طاقات أغلبية المواطنات والمواطنين الراغبة اليوم فى مساعدة الوطن والإسهام بإيجابية فى إدارة التحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية للمرحلة الانتقالية. حين تغيب المعلومة الدقيقة عن المواطنين، فكيف ننتظر منهم أن يتفاعلوا ويتصرفوا بوعى يطوق أخطار إعلام الإثارة والأدوار المشبوهة للعابثين بنسيجنا الوطنى ويرفع معدلات الإنتاجية للخروج من الأزمة الاقتصادية؟ الملاحظة الثانية لضبط إيقاع الأداء الحكومى هى الضرورة القصوى لتفعيل الحوار الوطنى على نحو يقدم أيضا لقطاعات المحتجين المختلفة آليات تفاوض محددة مع الحكومة ومؤسسات الدولة. باستثناء مجموعات العابثين بأمن الوطن وممارسى العنف الهادف لتوريط المؤسسة العسكرية والأمنية (التى نسعى جميعا لعودتها للقيام بدورها) فى واجهات مع المواطنين، لابد من عنوان واضح وآليات شفافة يستطيع المعتصم فى ماسبيرو والمحتج لأسباب اقتصادية واجتماعية التوجه إليها عوضا عن الخروج إلى الشارع. ينبغى ألا يكون هدف الحوار الوطنى الوحيد هو تناول القضايا الدستورية والسياسية المركزية لوضع خريطة طريق واضحة لمرحلة الانتقال الديمقراطى، على أهمية هذا الهدف. بل يتعين على نيابة رئيس الوزراء لشئون الحوار الوطنى كجهة وزارية ومؤسسية أن تتحول إلى ما يشبه مكتب شكاوى قطاعات وفئات ومنظمات ومواطنى المجتمع المصرى المختلفة وأن توفر آليات للتفاوض تحول بين المواطنين وبين التعويل الأحادى على الشارع للضغط على الحكومة. على نيابة رئيس الوزراء لشئون الحوار الوطنى أن تتلقى «شكاوى» الأحزاب والنقابات والمنظمات والقوى الوطنية والمواطنين المتضررين من أعمال عنف طائفى وأن تحتويها فى المرحلة الأولى بالتفاوض الجاد الذى يحول دون تفجرها، وأن تطور فى مرحلة ثانية ما يشبه نظام الإنذار المبكر للأزمات والاحتجاجات المجتمعية. دون الاضطلاع بهذه المهمة الرئيسية، سيظل رئيس الوزراء غارقا فى قضايا الانفلات الأمنى والطائفية والاحتجاجات المجتمعية وهو الذى ينبغى عليه اليوم وفى ظل الأزمة الاقتصادية التى تمر بها البلاد أن يوجه كامل طاقته للملفات الاقتصادية.