نقابة الصحفيين تُكرم الحاصلين على درجتي الماجستير والدكتوراه عن عامي 2024 و2025    سعر الذهب اليوم الخميس 30-10-2025 بعد الارتفاع العالمي.. عيار 21 الآن بالمصنعية    14 % تراجعا لمشتريات المصريين من الذهب خلال الربع الثالث من العام الجاري    ترامب: واشنطن وبكين ستعملان معا لإنهاء حرب أوكرانيا    السيسي: ملتزمون بتذليل أي عقبات وتوفير كل التسهيلات اللازمة لنجاح المستثمرين الكويتيين في مصر    محافظ شمال سيناء من معبر رفح: مصر تبذل أقصى جهودها لإدخال المساعدات إلى غزة    نتنياهو: التحالف بين إسرائيل والولايات المتحدة هو "استراتيجي" من الدرجة الأولى    دوري نايل.. تاريخ مواجهات الزمالك ضد البنك الأهلي قبل مواجهة الليلة    الشرطة الفرنسية تلقي القبض على 5 أشخاص آخرين في إطار التحقيق في سرقة متحف اللوفر    موعد ومكان جنازة المصور ماجد هلال المتوفى في حادث بورسعيد    محافظ الجيزة يتابع أعمال التجميل والإنارة بطريق مصر إسكندرية الصحراوي    منتصف الليل.. الموعد الرسمي لتطبيق التوقيت الشتوي 2025 في مصر    إسرائيل تقيم نحو ألف حاجز في الضفة الغربية منذ اندلاع الحرب في غزة    وزير التعليم يلتقي نظيره الياباني عقب توليه منصبه لبحث سبل التعاون    الزمالك في اختبار مهم أمام البنك الأهلي لاستعادة التوازن في الدوري المصري    منتخب مصر يواجه إسبانيا في نصف نهائي بطولة العالم لكرة اليد «ناشئين»    الاتحاد الإسباني يعلق على خلاف يامال وكارفاخال: مجرد لحظة انفعال    ضبط 7 أشخاص بالقاهرة لتنقيبهم غير المشروع عن الآثار    اتخاذ الإجراءات القانونية حيال 8 عناصر جنائية لغسلهم 250 مليون جنيه متحصلات الاتجار بالمخدرات    إصابة 5 من أسرة واحدة فى حادث انقلاب سيارة ملاكى بقنا    استبعاد مديرة مدرسة ببنها بعد مشادة كلامية بين معلم ومعلمة وفقدان وعى الأخيرة    ضبط صانعة محتوى بمواقع التواصل لنشر فيديو خادش للحياء بالدقهلية    كشف ملابسات واقعة ذبح «حمير» داخل أرض زراعية بالغربية وضبط المتهمين    «الداخلية»: ضبط 8 متهمين ب«غسل 250 مليون» من تجارة المخدرات    «الصحة»: خطة طبية متكاملة لتأمين احتفالية المتحف المصري الكبير    حزب «مستقبل وطن» يواصل عقد اللقاءات الجماهيرية لدعم مرشحى مجلس النواب    محمد سلام والمخرج حسام حامد والمؤلف أحمد عاطف من كواليس مسلسل كارثة طبيعية    الحرية امرأة اسمها «روزاليوسف»    ازاي تكسب قلب العقرب بهدية واحدة؟    محافظ الغربية يستقبل مفتي الجمهورية لبحث سبل التعاون المشترك    محمد ثروت لليوم السابع: تكريمى من وزيرة التضامن تتويج لمسيرتى فى العمل الاجتماعى    هل يحق للزوج منع زوجته من العمل بعد الزواج؟.. أمين الفتوى يجيب    طريقة عمل طاجن البطاطس بالدجاج| وصفة شهية تجمع الدفء والنكهة الشرقية    الرقابة المالية تلزم شركات التأمين بضوابط لسرعة حسم شكاوى العملاء    سعر كرتونه البيض الأبيض والأحمر اليوم الخميس 30اكتوبر فى بورصة الدواجن في المنيا    شوبير: جمهور الزمالك ومنتخب الشباب ظلموا محمد السيد    توروب يوافق على رحيل أشرف داري في يناير المقبل    الصحة تكشف الخطة الطبية لتأمين احتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير    السيسى يوافق على اتفاق تمويل دراسة جدوى امتداد الخط الأول لمترو القاهرة    الصحة النفسية والجسدية: علاقة لا يمكن فصلها    طابور الصباح فى الشرقية يحتفل بافتتاح المتحف المصرى الكبير.. فيديو    ارتفاع ضحايا إعصار ميليسا إلى 50 قتيلًا.. الكاريبى يغرق فى الدمار والعزلة.. فيديو    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في محافظة قنا    محمود أبو الدهب يفتح النار على خط دفاع الأهلي: الأسوأ في تاريخ النادي    قواعد صارمة للدعاية الانتخابية.. مساواة كاملة بين المرشحين ومنع الشعارات الدينية خارج الإطار القانوني    ترامب: سنعيد التفاوض سنويًا بشأن الاتفاق التجاري مع الصين    السجن المشدد وغرامة 10 ملايين جنيه عقوبة بيع الآثار خارج مصر    إلزام صاحب العمل بإنشاء حضانة أو تحمل تكاليفها.. أهم مكتسبات المرأة العاملة بالقانون الجديد    "تعاطي المخدرات والاضطرابات النفسية".. التفاصيل الكاملة لإشعال كهربائي شقته بالفيوم    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في الشرقية    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 30اكتوبر 2025فى محافظة المنيا...تعرف عليها بدقه.    طريقة استخراج جواز سفر مصري 2025.. التفاصيل كاملة    بالشراكة مع عدة جامعات.. صيدلة المنيا ضمن مشروع بحثى ممول من الاتحاد الأوروبي    «الهيئة العامة للرقابة الصحية» تختتم برنامج تأهيل المنيا للانضمام للتأمين الصحي الشامل    نبيل فهمي: سعيد بخطة وقف إطلاق النار في غزة.. وغير متفائل بتنفيذها    بايرن ميونخ يسحق كولن برباعية ويتأهل بثقة إلى ثمن نهائي كأس ألمانيا    وكيل صحة شمال سيناء يتفقد عيادات التأمين الصحي بالعريش    هل يجوز للزوجة التصدق من مال البيت دون علم زوجها؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وجه آخر للإلحاح
نشر في الشروق الجديد يوم 14 - 05 - 2011

كنت أتصور دائما أن الإلحاح صفة ثقيلة تبعث على الضجر وأنها أحيانا ما تستفز الآخر وتغضبه، بل ربما تأتى بنتائج عكسية، لكننى يوما بعد يوم أتثبت من خطأ هذا الاعتقاد، وأكتشف جدارة الإلحاح باحتلال قمة المؤثرات، القادرة على إحداث تغيير إيجابى، ليس على مستوى العواطف فقط بل فى مختلف جوانب الحياة.
إلحاح الطفل المتواصل يصيب من حوله بالضيق والتوتر، لكنه يأتى له فى أغلب الأحيان بما يريد حتى وإن لم يكن مناسبا، يلح الطفل فيحصل على غايته تجنبا للإزعاج والصخب المستمر.
إلحاح المحب يلفت نظر المحبوب ويجتذبه حتى وإن كانت مشاعره محايدة، بل إنه أحيانا ما يستميلها. لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، اختبرت بعض الأبحاث العوامل التى تؤثر فى إعجاب شخص بآخر، ثم خرجت بنتائج غير متوقعة: الإلحاح والإصرار قد يثيران الإعجاب بما يفوق تشابه الأفكار والميول، والجاذبية الجسدية وكذلك المهارات والمؤهلات المميزة. قد ينشأ الإعجاب بين الأشخاص المختلفين فقط بسبب الإحساس بالألفة، إحساس ينمو بمرور الوقت مع الإصرار على الاقتراب وإعلان الوجود.
•••
على مدى السنوات أثبت الإلحاح التفوق ذاته كلما تعلق الأمر بالمطالب العامة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. فى الهند خاض غاندى نضالا ضاريا ضد الاستعمار البريطانى بكل ما مارسه من انتهاكات وتفرقة فى المجتمع. تعرض مرارا للاعتقال الذى شمل أيضا أتباعه، لكنه بقى مثابرا إلى أن انتزع مطالبه واحد تلو الآخر. شرع فى الامتناع التام عن الطعام حتى تمكن من إلغاء نظام التمييز الانتخابى، وتمكن أيضا من إلغاء بعض الامتيازات البريطانية التى استنزفت الثروات المحلية. استقلت الهند وبقى غاندى نموذجا مُلهما للتحدى والإصرار.
فى جنوب أفريقيا تصدى مانديلا لقيادة حملات مستمرة قاوم من خلالها سياسات الفصل العنصرى. رغم اعتقاله المتكرر فى النصف الثانى من القرن العشرين، ورغم الحكم عليه بالسجن مدى الحياة، لم يتخل مانديلا عن قضيته طيلة ما يقرب من ربع القرن. ظل يكافح من داخل محبسه دون ملل ودون أن يفقد الإصرار، وقد نجح وأطلق سراحه وحكم وحصل على نوبل للسلام وترك الحكم بإرادته.
•••
يثبت الشارع المصرى منذ الخامس والعشرين من يناير أنه هو أيضا قادر على الضغط وعلى فرض إرادته ونيل مطالبه بالإلحاح عليها. منذ فترة وجيزة أُجبِرَت الحكومة على تجميد عمل أحد المحافظين رغما عنها، وهو إجراء ربما لم يتم اتخاذه من قبل. أذعن رئيس الوزراء لمطلب المعتصمين الرافضين للمحافظ، بعد أن أصروا على موقفهم رغم محاولات التفاوض والتهدئة.
على الجانب الآخر، حاز مطلب محاسبة الفاسدين نصيبا كبيرا من الإلحاح والتركيز، فى كل يوم جمعة من جمعاتنا المتعاقبة، لم يكن ميدان التحرير يخلو من شعارات ولافتات وحناجر، تُطَالِب بمحاكمة هؤلاء الذين تسللوا واحتالوا واستولوا على ثروات هائلة بطرق غير مشروعة، تضخموا وتركوا ما يقرب من ربع المصريين على خط الفقر. فى كل صحيفة كان هناك رسم أو مقال أو تحقيق عن الفساد الذى طال كثيرا من القيادات السابقة للدولة. على كل مقهى وفى كل شركة ومصنع ومؤسسة، أخذ الناس يسعون وراء المستندات والوثائق ويطالبون بالتحقيق فى الوقائع وتنفيذ العقاب.
لم يتضاءل الإصرار بمرور الوقت، بل تصاعد مع فتح ملف تلو آخر ومع ظهور مزيد من المشكلات. استخدم الناس المثل الشعبى البليغ (الزن على الودان أَمَرّ من السحر) بجدارة، ونجحوا أخيرا فى نقل كبار المسئولين السابقين إلى خانة كبار المتهمين، الذين يخضعون للمحاكمة والحساب. الإلحاح المتواصل جعل المستحيل ممكنا وقريبا.
ترى ما الذى يدفع الناس للالتفاف حول هدف أو مطلب ما والإلحاح عليه؟ ربما هى قابليته للتحقق وإحراز نتائج ملموسة وليست نظرية، أو إمكانية حصد ثماره فورا دون الحاجة إلى انتظار طويل، وقد يكون الدافع كذلك هو الإشباع النفسى والرضاء الذى يتولد عن الوصول إليه. إنه فى النهاية التماس المباشر بين الهدف والمزاج العام.
إحالة قضايا الفساد إلى التحقيق، وحبس المتهمين فيها، أمر أمكن مع الضغط الشعبى تنفيذه فى وقت قصير نسبيا، ودون مواجهة صعوبة كبيرة. الخطوات والإجراءات أتت متعاقبة لتشبع رغبة عامة معلنة تميل إلى الانتقام وتحقيق العدالة التى تلكأت طويلا.
هلا نظرنا إلى الجانب المقابل؟ بعض الأهداف التى رفعتها الثورة لم تحظ بنفس القدر من إصرار الناس؛ تشكيل مجلس رئاسى ورفع حالة الطوارئ وإقامة دولة مدنية كانت مطالب مطروحة لبعض الوقت ثم خَفُتَ وَهَجُها تدريجيا. لم يحدث عليها إجماع حماسى ربما لأنها لم تستوفِ الشروط السابقة، فهى مطالب لا تخاطب المزاج العام، لن تسفر عن نتائج فورية يمكن لمسها على أرض الواقع، ولن تشبع رغبة ملحة أو تداوى وجعا، أو تهدئ من مشاعر متقدة وثائرة.
•••
تكشف الدراسات أننا نميل إلى الإعجاب بمن يعجبون بنا ونعجب بمن هم أكثر إصرارا وإلحاحا على عواطفنا، وبمن نراهم أمامنا مرارا وتكرارا، ويقول الباحثون فى هذا المجال أنه إذا لم تكن تملك كثيرا من المؤهلات والمزايا وكان إعجابك بشخص آخر هو إعجابًا من طرف واحد وليس متبادلا، أصرر على إعجابك وتمسك به وألحح عليه وابق دائما فى الجوار فالقرب والألفة هما السلاحان الأمضى قوة للفوز برضائه ومشاعره.
على كل الأصعدة يُثبِتُ الواقع المِثلَ، إذا كان لديك هدف مُحدد فلا تيئس أبدا من إمكانية تحقيقه مهما بدا بعيدا وعسيرا. الإصرار على طرحه والتشبث به يكسبانه الشرعية ويجعلانه بمرور الوقت مقبولا ومتاحا. شخص واحد فقط قادر بالإلحاح والإصرار على جذب الناس نحو فكرته، والتفاف الناس حول الفكرة يعطيها بريقا ومصداقية أكبر، وإجماع الحشود المتزايدة على شىء واحد مشترك يُكسِبُها ثقة هائلة فى إمكانية تحقيقه.
فى السياسة كما فى الحب والإعجاب، البقاء للأطول نَفَسًا والأوضح هدفا، والأعتى إصرارا.. لمن لا يتراجع أو ييئس أو يَكِلُّ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.