سؤال نتوجه به أولاً إلى قادة الجماعة المذكورة ثم إلى أصحاب السلطة فى مصر أى المجلس الأعلى للقوات المسلحة . ولندع واحداً من قادة الجماعة بل إنه يعد القائد الحقيقى الذى كلفه مرشد الجماعة بتطوير الجماعة .. أقول لندعه يحدثنا عن مفهومه للجماعة التى يقودها ويطورها . يقول المهندس خيرت الشاطر فى حديثه الذى تناقلته الصحف ووسائل الإعلام ، وأنا أنقل هنا عن جريدة المصرى اليوم وجريدة الشروق فى العدد الصادر عن كل منهما يوم السبت 23/4/2011 يقول الشاطر : "نحن مستمرون فى بناء الفرد والبيت والمجتمع المسلم ونستعد للحكومة الإسلامية كمرحلة تالية لتطبيق نهضة مجتمعية على أساس مرجعية إسلامية حتى الوصول إلى مرحلة "سيادة العالم" (؟!) وعودة الدولة الإسلامية " . وبالطبع فإن لفظ الضمير "نحن" يعود إلى جماعة الإخوان المسلمين التى يتحدث الشاطر بإسمها وفى مؤتمرها العلنى بالإسكندرية . وبتحليل عقلى سياسى بسيط يبدو واضحاً أن الشاطر يعتبر جماعته هى الدولة أى بديل الدولة الحالية لأن الذى يقوم ببناء الفرد والبيت والمجتمع هى الدولة بكامل بأنظمتها التشريعية والتنفيذية والقضائية . وهو تحليل نكون على يقين من صحته عندما ننظر فى الجملة التالية مباشرة التى عبر فيها عن استعداد أى تهيؤ وإعداد جماعته للحصول على الحكومة الإسلامية كمرحلة تالية من المرحلة الأولى التى يزعم أنهم مستمرون فيها . وعندما ننتقل إلى الجملة الثالثة من هذه الفقرة نكون قد زايلنا أى شك فى صحة تحليلينا ومفهومنا إذ يوضح الشاطر أن الهدف النهائى لجماعته هو سيادة العالم وعودة الدولة الإسلامية وهو تعبير مضطرب المقصود منه عودة الدولة الإسلامية لتكون وسيلة للسيادة على العالم أى على مجموعه الدول على وجه الكوكب الأرضى ؟!! ويتضح لكل ذى عقل أن الشاطر يوحد تماماً وبصورة مطلقة بين جماعته أى الإخوان المسلمين التى عبر عنها بضمير نحن وبين الإسلام الذى هو رسالة رب العالمين إلى مجموع البشرية . فجماعة الأخوان المسلمين فى زعمه أو وهمه هى الإسلام المطلوب نشره فى شتى بقاع الأرض وأعضاء الجماعة هم حملة الإسلام ودعاته إلى غيرهم (؟!!) وهو فهم نتأكد من صحته تماماً عندما ننظر فى قوله أو ادعائه بأن الجماعة أى جماعة الإخوان المسلمين هى الأداة التى بنيت على أصول الدين يقول : "أما الجماعة فهى مشروع كبير لكل جوانب الحياة فمنها يخرج الحزب والجمعيات والمدارس لكن تبقى الأداة التى بنيت على أصول الدين هى الجماعة" . والمعلوم لكل من يقرأ فى الأدبيات الإسلامية أن الإسلام هو الدين الذى يضبط أو ينظم كل جوانب الحياة (؟!!) . إذن لا يبقى أدنى شك فى أن الشاطر ينظر إلى جماعته باعتبارها حاملة الإسلام إلى غيرهم من الناس وأن المنتسبين إلى الجماعة هم المسلمون ، بالضبط كما كانت جماعة التكفير والهجرة تسمى نفسها "جماعة المسلمين" أو الجماعة الإسلامية وتلقب رئيسها بأمير المؤمنين(؟!!) ويصبح واضحاً أشد الوضوح أن الشاطر لا يرى فى جماعته مجرد تيار فكرى يضم مجموعة من البشر تريد إحياء الإسلام فى قلوب الناس وفى بنيان المجتمع كغيرها من الجماعات الإسلامية مثل الجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة أو جمعية أنصار السنة المحمدية أو جمعية الشبان المسلمين ، وغيرهما من الجمعيات الأهلية أو منظمات المجتمع المدنى التى تعمل على خدمة الإسلام بل هو يرى فى جماعته الإسلام نفسه . ويتضح لكل ذى عقل أن الوصول إلى السلطة هو الهدف الأسمى الذى سعى ويسعى الأخوان المسلمون إلى بلوغه وإلا فما معنى قول الشاطر "حتى الوصول إلى مرحلة سيادة العالم وعودة الدولة الإسلامية" . طبعاً لن نتكلم عن الهوس أو الحماقة التى تدفع رجلاً خرج تواً من غياهب السجن للحديث عن رغبته أو شهوته فى السيادة على العالم ولن نشير إلى الغباء السياسي الذى يقف وراء هذه القطعة المنتقاة من الحماقة . ولكننا سنتكلم فقط عن الخداع الذى مارسه ويمارسه الإخوان المسلمون عندما يقولون أنهم لا يسعون إلى السلطة ولا يريدون الحكم . وهو قول أو زعم يكذبه سلوكهم حيث كانوا يصرون على الدخول فى أى انتخابات مما يعنى السعى المحموم للحصول على السلطة . طبعاً كان الخوف من بطش الحكام هو الدافع إلى ذلك الخداع أو تلك التقية وهو أمر مفهوم ولكنه يدل دلالة حاسمة على أنهم طوال تاريخهم السياسى كانوا أهل مداهنة وتملق للحكام ابتداءً من الملك فاروق وانتهاء بالرئيس المخلوع حسنى مبارك . ولا نريد أن نطيل فى هذه لقضية التى يطول شرحها ولكننا نريد أن نقول بأبلغ بيان أن الرغبة فى الوصول إلى السلطة ليست عيباً ولا حراماً بل هى واجب شرعى (دينى) على كل من يجد نفسه جديراً بتحمل أعبائها ، ولكن العيب والحرام هو الكذب والخداع ، العيب والحرام يكمن فى الطريقة التى نريد بها الوصول إلى سدة الحكم . فإن اكتسبنا رضى الناس وحصلنا على الشرعية منهم فلا مانع بل هو واجب دينى . أما أن نداهن الحكام ونتوهم أننا نستطيع أن نغافلهم وننقض على السلطة فهذا هو العيب والحرام . إن حسن البنا هاجم الأحزاب بشده واعتبرها السبب الأهم فى الفساد السياسى ولكن الإخوان اليوم يكونون حزب الحرية والعدالة ويبدو واضحاً لكل متأمل أن هذا العمل منهم كان اضطرارياً تمليه ظروف المجتمع المعاصر الذى جعل الأحزاب هى الكيان السياسى لكل من يريد أن يحصل على السلطة . والأخوان المسلمون كما يتضح من كلام الشاطر لا يؤمنون بالأحزاب ولا بالتعددية فهو يقول "إن الحزب السياسى ليس ابن النموذج الإسلامى ولكنه نتاج النهضة الغربية" ويعتبر أن "حزب الحرية والعدالة ليس إلا أحد المسارات السياسية أو الأدوات لتحقيق أهداف الجماعة خلال المرحلة المقبلة" . إذن اللجوء إلى تكوين حزب مجرد حركة اضطرارية تستجيب لضرورات المرحلة المقبلة التى أوضح أنها مرحلة الحكومة الإسلامية ولكن بعد ذلك .. ربما سيكون الإخوان المسلمون فى غير حاجة إلى الأحزاب التى أوضح أنها ليست من أبناء النموذج الإسلامى ، بمعنى أنها لا تتفق فى زعمه أو وهمه مع الشريعة الإسلامية . ولن نتكلم عن الجهل أو الإدعاء الفاضح بوجود نموذج إسلامى فى ذهن سيادته . أين هو ذلك النموذج المدعى فى الكتب أو فى التاريخ الإسلامى ؟!! لقد تكونت الأحزاب السياسية واحتدم الصراع على السلطة منذ عهد الخلفاء الراشدين ، وألا فما معنى الشيعة والخوارج وأهل السنة والعلويين ... بل اختلف الصحابة بعد موت النبى فيمن يكون الخليفة أى الحاكم وانقسموا إلى فريقين أو حزبين . بل منذ عهد النبى (") وإلا فما معنى حركة المتنبئين (أدعياء النبوة) مسيلمة الكذاب والأسود العنس اللذين أرادا اقتسام السلطة والثروة مع النبى (") باعتباره فى زعمهما زعيماً لقريش؟!! لقد امتلأ التاريخ الإسلامى منذ بدايته وحتى الآن بظهور الأحزاب السياسية والتيارات التى تسعى للحصول على السلطة وإن لم تأخذ اسم "الحزب السياسى" فالعبرة بالمعنى وليس بالألفاظ . ما يعنينا حقاً هو إدعاء الأستاذ الشاطر أن لديه "النموذج الإسلامى" الذى يقاس به كل كيان أو عمل سياسى بشرى . وفى هذا الإدعاء العريض تكمن مأساة المسلمين فكل ناعق بشعار أجوف يزعم أنه يملك الحقيقة المطلقة التى لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من حلفها . إن الإخوان المسلمين كما يتضح من خطاب الشاطر لا يعتبرون أنفسهم إحدى الجمعيات الخيرية التى تعمل فى مجال خدمة المجتمع المسلم ومن أجل إحياء القيم الإسلامية ولا يعتبرون أنفسهم تياراً سياسياً بشكل حزباً ويسعى للحصول على السلطة بل يعتبرون أنفسهم وبدرجات متفاوتة بين القيادة فى القمة والأفراد المنتسبين إلى الجماعة فى القاعدة هم جماعة المسلمين التى تتحمل تفضلاً منها عبء حمل رسالة الإسلام إلى الغير . ولذلك يجذب انتباهى بشدة أن الجماعة لم تسارع بالسعى إلى تقنين وضعها الاجتماعى فى الدولة بعد أن خرجت من طور الحظر الذى فرضه عليها اسماً النظام السابق بينما أسرعت إلى بناء الحزب . فهل يرجع ذلك إلى أنها ترى نفسها فوق الدولة ولا يمكن أن تكون جزء من مكوناتها ؟!! إن جماعة الإخوان المسلمين تعانى فى فكر قادتها من وهم أو أسطورة "شعب الله المختار" وينعكس ذلك بدرجات متفاوتة على سلوك أعضائها عند تعاملهم مع "الأغيار" غير المنتسبين إلى الجماعة . ولا شفاء من هذا المرض اللعين إلا بتوفيق وضعها القانونى فى دولة المؤسسات الديمقراطية التى ننشدها فى مصر بعد ثورة 25 يناير . العلاج هو أن يتم تسجيل جماعة الإخوان المسلمين كجمعية أهلية تعمل فى مجال نشر الثقافة الإسلامية وخدمة المجتمع أو كشركة مدنية لا تهدف إلى الربح كغيرها من الجمعيات والشركات والمنظمات المدنية كما يتم إنشاء الحزب السياسى المعبر عنها . وبذلك يتم معالجة قادتها من داء الكبرياء ويتم نجاة مصر من حماقة وجنون الأدعياء .