تنسيق الجامعات| الحد الأدنى للمرحلة الأولى " نظام قديم" 350 درجة علوم 335 رياضة 270 أدبى    رئيس جامعة القناة: 3 برامج مميزة للطلاب الجُدد بكلية الحاسبات والمعلومات    حروب تدمير العقول !    «زراعة قناة السويس» تحصل على «الأيزو» في إدارة المؤسسات التعليمية    وزير السياحة: نستهدف شرائح جديدة من السياح عبر التسويق الإلكتروني    إنهاء حرب الإبادة.. هو ما يُنقذ إسرائيل!!    تحقيق| «35 دولارًا من أجل الخبز» و«أجنّة ميتة».. روايات من جريمة «القتل جوعًا» في غزة    ارتفاع عدد ضحايا الهجوم على كنيسة بالكونغو الديموقراطية إلى 30 قتيلا    منتخب السلة الأولمبي يهزم الكويت في ثاني مبارياته بالبطولة العربية    جدول مباريات غزل المحلة في الدوري الممتاز 2025    إخلاء سبيل شقيقة منة عرفة وطليقها بعد مشاجرة بأكتوبر    موجة شديدة الحرارة وسقوط أمطار على هذه المناطق.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس غدًا الإثنين    ضبط تشكيل عصابي شديد الخطورة بحوزته طن حشيش ب100 مليون جنيه    ألبرتو جياكومتى.. محمود مختار هاجس الفراغ شهوة الامتلاء    تجديد الثقة في محمد أبو السعد وكيلاً لوزارة الصحة بكفر الشيخ    تعرف على طرق الوقاية من الإجهاد الحراري في الصيف    ذكرى وفاة «طبيب الغلابة»    هاني سعيد: بيراميدز يختتم معسكره الأوروبي بمواجهة بطل الدوري الإيراني    المغرب.. إخماد حريق بواحة نخيل في إقليم زاكورة    لماذا تؤجل محكمة العدل الدولية إصدار حكمها في قضية الإبادة الجماعية بغزة؟    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم قرية جنوب نابلس.. وتطلق قنابل صوت تجاه الفلسطينيين    "تعليم أسوان" يعلن قائمة أوائل الدبلومات الفنية.. صور    العثور على جثة شخص بدار السلام    تاجيل محاكمه ام يحيى المصري و8 آخرين ب "الخليه العنقوديه بداعش" لسماع أقوال الشهود    رئيس اقتصادية قناة السويس يستقبل وفدا صينيا لبحث التعاون المشترك    نجوى كرم تتألق في حفلها بإسطنبول.. وتستعد لمهرجان قرطاج الدولي    «فتح»: غزة بلا ملاذ آمن.. الاحتلال يقصف كل مكان والضحية الشعب الفلسطيني    غدًا.. وزير الثقافة ومحافظ الإسكندرية يفتتحان الدورة العاشرة لمعرض الإسكندرية للكتاب    يسرا ل"يوسف شاهين" في ذكراه: كنت من أجمل الهدايا اللي ربنا هداني بيها    وزير الثقافة يزور الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم بعد نقله إلى معهد ناصر    رانيا فريد شوقي تحيي ذكرى والدها: الأب الحنين ما بيروحش بيفضل جوه الروح    محافظ دمياط يطلق حملة نظافة لجسور نهر النيل بمدن المحافظة.. صور    وزير الإسكان يواصل متابعة موقف مبيعات وتسويق المشروعات بالمدن الجديدة    بايرن يقترب من ضم لويس دياز    أفضل 8 فواكه لمرضى السكري    7 عادات صباحية تُسرّع فقدان الوزن    أمين الفتوى: النذر لا يسقط ويجب الوفاء به متى تيسر الحال أو تُخرَج كفارته    بعد عودتها.. تعرف على أسعار أكبر سيارة تقدمها "ساوايست" في مصر    قبل كوكا.. ماذا قدم لاعبو الأهلي في الدوري التركي؟    "البرومو خلص".. الزمالك يستعد للإعلان عن 3 صفقات جديدة    "دفاع النواب": حركة الداخلية ضخت دماء جديدة لمواكبة التحديات    الدكتور أسامة قابيل: دعاء النبي في الحر تربية إيمانية تذكّرنا بالآخرة    بمشاركة أحبار الكنيسة.. البابا تواضروس يصلي قداس الأحد مع شباب ملتقى لوجوس    لمروره بأزمة نفسيه.. انتحار سائق سرفيس شنقًا في الفيوم    مجلس جامعة بني سويف ينظم ممراً شرفياً لاستقبال الدكتور منصور حسن    وزير البترول يبحث خطط IPIC لصناعة المواسير لزيادة استثماراتها في مصر    الجيش السودانى معلقا على تشكيل حكومة موازية: سيبقى السودان موحدا    «مصر تستحق» «الوطنية للانتخابات» تحث الناخبين على التصويت فى انتخابات الشيوخ    وزير التموين يفتتح سوق "اليوم الواحد" بمنطقة الجمالية    جواو فيليكس يقترب من الانتقال إلى النصر السعودي    مصر تنتصر ل«نون النسوة».. نائبات مصر تحت قبة البرلمان وحضور رقابي وتشريعي.. تمثيل نسائي واسع في مواقع قيادية    ريم أحمد: شخصية «هدى» ما زالت تلاحقني.. وصورة الطفلة تعطل انطلاقتي الفنية| خاص    إصابة 11 شخصا في حادثة طعن بولاية ميشيجان الأمريكية    بعد فتوى الحشيش.. سعاد صالح: أتعرض لحرب قذرة.. والشجرة المثمرة تُقذف بالحجارة    «الحشيش مش حرام؟».. دار الإفتاء تكشف تضليل المروجين!    وزير الأوقاف: الحشيش حرام كحرمة الخمر.. والإدعاء بحِلِّه تضليل وفتح لأبواب الانحراف    "سنلتقي مجددًًا".. وسام أبوعلي يوجه رسالة مفاجئة لجمهور الأهلي    تأكيدا لما نشرته الشروق - النيابة العامة: سم مبيد حشري في أجساد أطفال دير مواس ووالدهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نريدها دولة أولاً
نشر في الشروق الجديد يوم 07 - 05 - 2011

فى ندوة عقدت منذ بضع سنوات حول التحول الديمقراطى فى أوروبا الشرقية، على خلفية كتاب أعددته حول هذا الموضوع، ذكرت أنه حين تدق ساعة التحول الديمقراطى الجاد فى المجتمع المصرى ستطفو على السطح مشكلة مزمنة لم تُحل هى موقع الدين من الدولة، وهى قضية لم تكن محل نقاش فى أوروبا الشرقية، وسبب صعودها فى السياق المصرى ليس لأن عليها طلبا شعبيا، أو رغبة جماهيرية فى حسمها، ولكن نتيجة عجز النخب السياسية، بمختلف أطيافها، عن النقاش الجاد لها، واعتبارها فقط موضوعا للسجال، ودغدغة غرائز الجماهير.
وبعد مرور نحو ثلاثة أشهر من أفول نظام مبارك نجد «الدولة المدنية» هى العنوان الرئيسى للسجال، التى لا يوجد مفهوم محدد لها فى العلوم السياسية، تنشغل بها نخبة سياسية وثقافية، تعيد إنتاج الخطابات المكررة والمعتادة بلغة لا يفهمها القطاع العريض، فى حالة أقرب إلى فيلم «فوزية البرجوازية»، رائعة الكاتب أحمد رجب، الذى تطاحن فيه سكان الحارة حول الأعلام البيضاء والحمراء، من يمين إلى يسار، تحركهم نخبة لها مصالح فى بقاء حالة الاحتراب.
هل يمكن أن نظل نبحث فى مدنية الدولة، ونثير النقاش حولها، فى الوقت الذى يتهدد كيان الدولة ذاته تحديات عاصفة؟ أم أن النقاش حول الدولة ينبغى أن يأخذ مسارا آخر؟
(1)
استيقظ المجتمع المصرى، بعد نشوة المساء الذى تخلى فيه الرئيس السابق عن السلطة (أى 12 فبراير) على مظاهرات سلفية تتوعد وتحذر من المساس بإسلامية الدولة. ظلت هذه الحالة مسيطرة، وبلغت ذروتها فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية، والذى أخذ على المستوى الشعبى شكل المبارزة على بقاء المادة الثانية من الدستور أم حذفها، فى حين أن مواد الدستور التى تضمنها الاستفتاء لم تكن من بينها المادة الثانية.
ومنذ ذلك الحين والحديث لم ينقطع عن إسلامية الدولة فى مواجهة العلمانية، واتفق الفرقاء السياسيون بشكل تلفيقى على مصطلح «الدولة المدنية».
الإخوان المسلمون، والسلفيون، والليبراليون، واليساريون وغيرهم يتحدثون عن الدولة المدنية، وبرغم اتفاقهم الظاهرى على مسمى الدولة، فالخلاف، والتلاسن مستمر بينهم، يرجع ذلك إلى أن كل فريق يفهم الدولة المدنية على هواه الشخصى، فهى بالنسبة للبعض دولة لا يحكمها العسكر، وبالنسبة للبعض الآخر دولة لا يهيمن عليها رجال الدين، وفريق ثالث يرى أنها تبعد الدين عن السياسة، وفصيل رابع يرى أنها الدولة العلمانية فى الغرب، ولكن يجرى تسويقها بمصطلح آخر يقبله الجمهور، بعد أن أصبح مصطلح العلمانية سيئ السمعة.
هذه القضية تجثم على الحياة السياسية المصرية منذ عقود، واشتعلت فى تسعينيات القرن العشرين، وما تلاها. لم يحمل السجال الجارى الآن جديدا سوى نقل الأفكار المتطاحنة إلى الشارع المضطرب بالهزات العنيفة التى ألمت به، والملصقات والشعارات والاحتجاجات. وأدت ممارسات خاطئة، وتصريحات فى غير محلها من جانب فصائل إسلامية إلى إشعال الحديث حول مدنية الدولة، ولا أستبعد أن هناك أطرافا محليا وأقليميا تريد أن تظل هذه القضية ساخنة.
(2)
السؤال الآن كيف يمكن أن نحافظ على كيان الدولة ذاته من التبعثر، وانفراط عقده، والانزلاق فى دوامة الفوضى، والفقر، والعنف؟
فى الوقت الذى نتحدث فيه عن الدولة دينية أم مدنية، تتداعى أسس الدولة المصرية التى تعانى من جروح الاستبداد، والفقر، وتراجع المكانة إقليميا ودوليا.
فى الشهور الثلاثة الأخيرة هناك مساحات متزايدة من القلق والتذمر عند قطاعات عريضة من المجتمع باتت تتحدث سلبا عن الثورة، التى لم يدرك المجتمع ثمارها بعد، وكل ما يرونها منها اقتصاد متعثر، وأمن غير موجود، وفوضى فى الشارع، وعجلة إنتاج متراجعة، احتجاجات واعتصامات... إلخ. وبالمناسبة لا توجد دلائل تشير إلى قرب تحسن الوضع الراهن فى الآمد المنظور.
يعرف أهل الاقتصاد أن المصادر الأساسية للنقد الأجنبى تأثرت بشدة، وباتت كثير من المؤسسات تدبر بالكاد رواتب العاملين فيها شهر بشهر، ولجأ آخرون إلى تخفيض عدد العاملين أو تجميد العمل. فقد انكمشت السياحة، وتحويلات المصريين فى الخارج، والصادرات المصرية، ولم يبق سوى رسوم المرور فى قناة السويس. يحدث ذلك فى ظل اقتصاد يُصنف بأنه ضمن الاقتصادات منخفضة التنافسية على مستوى العالم، ويعانى من أمراض مزمنة مثل ضعف الأداء البيروقراطى الحكومى، وارتفاع معدلات البطالة والتضخم، وعدم عدالة الانظمة الضريبية، وعدم وجود قوة عاملة مؤهلة قادرة على التنافس فى سوق العمل.
●●●
ومن ناحية أخرى فإن هناك تراجعا مزريا على مستوى السياسات الاجتماعية.
الملفات التى تتعلق بالفقر، وتطوير العشوائيات، وتمكين الأسرة، والنهوض بأوضاع المرأة، ووقف الممارسات التى تنتهك الأطفال، تعانى من تجاهل، وأكثر من ذلك هناك تيارات سلفية تعلن صراحة أن معركتها الأساسية هى قضايا الأسرة والطفل. الايجابيات التى تحققت فى هذا الميدان هى مكتسبات شعب، وليست انجازات نظام، لا يصح التضحية بها، لأن تغيير النظام، لا يعنى هدم الأساس الاجتماعى للدولة.
(3)
المصريون اليوم يريدون دولة قوية قانونية، تتغلغل فى المجتمع، تنظم أحواله، وتعيد الأمن له بشكل قانونى وعقلانى، هذه هى الأولوية المباشرة، قبل أن نبحث فى مدنية الدولة.
من هنا ينبغى أن نصيغ أولويات النقاش مجددا حول مفاهيم تجمع أشلاء المجتمع، وتعيد له الثقة والوعى، وتشكل له قوة دفع للأمام. فى رأيى أن الالتفاف حول «الدولة التنموية الديمقراطية»، يجمع الفرقاء السياسيين حول مواصفات محددة للدولة.
●●●
الدولة التنموية الديمقراطية تحقق المشاركة والعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة، وهى بالتالى تنقل الديمقراطية من حوارات النخبة، ومن تنافس القلة إلى المجموع الشعبى العريض.
فهى أولا: دولة قانون، المواطنون فيها سواء أمام القانون بصرف النظر عن الاختلاف فى اللون أو الدين أو الجنس أو العرق، والوصول فيها لمؤسسات العدالة يسيرا، والأحكام القضائية تنفذ بحيادية.
ثانيا: دولة تقوم على المساءلة، المسئولون فيها يدفعون حسابا عما يتخذون من قرارات أثناء توليهم وظائفهم العامة.
وثالثا: دولة تقوم على المشاركة والتمثيل العادل لكل المصالح، والفئات، وترعى المهمشين، والفقراء، وتحقق العدالة الاجتماعية والمساواة لكل مواطنيها.
أما مسألة مدنية الدولة، التى تشغل بال النخبة السياسية من كل التيارات، وتقض مضاجعهم، فيمكن أن نجد صيغة لها تحفظ للأغلبية العددية هويتها الدينية، وتحفظ للقلة العددية حقها فى المساواة فى أداء العبادة، وتولى الوظائف العامة من أعلاها إلى أدنها، وتجعل المجال العام مفتوحا أمام الكل دون وصاية من أحد، أو فرض نظرة أحادية على الآخرين.
برغم مما تبدو القضية ساخنة عصية على الحل، فقد جسدها النموذج المصرى فى مطلع القرن العشرين، ويمكن الاتفاق عليها، والركون إلى الميراث السياسى والثقافى للمجتمع، والفقه المصرى الرحب، بعيدا عن المزايدات والمساجلات الملتهبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.