صدمة تهز المجتمع.. جريمة المدرسة الدولية تفتح ملف الانحرافات في المدارس    «الدلتا التكنولوجية» تحصد المراكز الأولى في مسابقة مركز إبداع مصر الرقمية    الاثنين المقبل.. بدء صرف مرتبات العاملين بالدولة نوفمبر 2025    أهالى القفايطة بنصر النوبة يشكرون الرئيس السيسى بعد تحقيق حلم تركيب الكهرباء والمياه    أمريكا.. وإسرائيل وقرار مجلس الأمن    كاتب وباحث لبناني: تحذيرات من استمرار غياب الدولة عن ممارسة سيادتها    انطلاق مباراة برشلونة أمام بلباو في الدوري الإسباني    انطلاق مباراة الأهلي وشبيبة القبائل بدوري أبطال إفريقيا    الشباب والرياضة تُطلق أضخم مشروع لاكتشاف ورعاية المواهب الكروية بدمياط    د. محمد حسن البنا يكتب : حماية أطفال المدارس    شلل مرورى بالطريق السياحى اتجاه المنيب والمعادى وتوقف تام لحركة السيارات.. صور    منذ 10 ايام .. كشف لغز جثة متحللة داخل سياره سقطت ببركة مياه بطريق مطروح السلوم    جهود صندوق مكافحة الإدمان في أسبوع.. 450 فعالية لرفع الوعي بخطورة المخدرات    30 ديسمبر.. الحكم على 9 متهمين فى خلية شبكة العملة    «صوت هند رجب».. فيلم يكشف جروحنا الخفية ويعيد للسينما رسالتها الأخلاقية    نجوى كرم تحتفل بعيد استقلال لبنان    نسرين العسال تكتب: أصوات من السماء تصنع ترند من "دولة التلاوة"    "الريس" .. عمرو سعد يقدم شخصية "عباس" في عمل شعبي لرمضان 2026    73 ألف زيارة منزلية لعلاج كبار السن وذوي الهمم بالشرقية    الزراعة: زيادة إنتاج مصر من اللحوم الحمراء ل600 ألف طن بنهاية 2025    الدوري الإنجليزي.. تشيلسي يعبر بيرنلي بثنائية نظيفة    مصر تبحث مع نيجيريا تعزيز التعاون فى مجالات الزراعة والدواء والطاقة والإنشاءات    ارتفاع عدد ضحايا الفيضانات في فيتنام إلى 55 قتيلًا    محافظ القليوبية يتابع إزالة 12 حالة تعدٍ "مغمورة بالمياه" بفرع رشيد بالقناطر الخيرية    مفتي الجمهورية: خدمة الحاج عبادة وتنافسا في الخير    القاهرة الإخبارية: الجالية المصرية في لبنان حريصة على التصويت بانتخابات النواب    الرعاية الصحية: أعظم الطرق لحماية الصحة ليس الدواء لكن طريقة استخدامه    رئيس الإمارات يصل إلى البحرين في زيارة عمل    صلاح يقود هجوم ليفربول أمام نوتنجهام فورست في البريميرليج    الهلال بالقوة الضاربة أمام الفتح بالدوري السعودي    قبل عرضه.. تعرف على شخصية مي القاضي في مسلسل "2 قهوة"    غنيم: خطة الصناعة لتحديد 28 فرصة استثمارية خطوة استراتيجية لتعزيز التصنيع المحلي    الولايات المتحدة تسجل أول وفاة لمصاب بسلالة جديدة من إنفلونزا الطيور    معهد بحوث الإلكترونيات يستضيف ورشة دولية حول الهوائيات والميكروويف نحو مستقبل مستدام    علاج نزلات البرد، بطرق طبيعية لكل الأعمار    27 ديسمبر.. الحكم في اتهام مها الصغير في قضية اللوحات الفنية    وزيرة التخطيط تشهد الحفل الختامي لجوائز مصر لريادة الأعمال    "رويترز" عن مسؤول أوكراني: أوكرانيا ستبدأ مشاورات مع الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين بشأن إنهاء الحرب    حبس المتهمين بالاعتداء على أطفال المدرسة الدولية بالسلام 4 أيام على ذمة التحقيقات    «من تركيا للسويد نفس الشبكة ونفس النهب».. فضيحة مالية تضرب شبكة مدارس تابعة لجماعة الإخوان    بث مباشر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل في دوري أبطال إفريقيا 2025.. مشاهدة دقيقة-بدقيقة والقنوات الناقلة وموعد اللقاء    لحجاج الجمعيات الأهلية .. أسعار برامج الحج لموسم 1447ه – 2026 لكل المستويات    سعر اليوان الصيني أمام الجنيه في البنك المركزي المصري (تحديث لحظي)    سفير مصر بنيوزيلندا: ثاني أيام التصويت شهد حضور أسر كاملة للإدلاء بأصواتها ما جعله أكثر كثافة وحيوية    الزراعة تطلق حملات توعوية مكثفة لتعزيز الأمن الحيوي في قطاع الدواجن المصري    موعد مباراة بايرن ميونخ ضد فرايبورج في الدوري الألماني والقنوات الناقلة    ستارمر يعلن عن لقاء دولى خلال قمة العشرين لدفع جهود وقف إطلاق النار بأوكرانيا    دولة التلاوة.. أصوات من الجنة    انتخابات النواب بالخارج.. إقبال كبير للمشاركة بانتخابات النواب باليوم الأخير في السعودية وسلطنة عمان |صور    طقس الإسكندرية اليوم: ارتفاع في الحرارة العظمى إلى 29 درجة مئوية    الرئاسة في أسبوع| السيسي يشارك بمراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بالضبعة.. ويصدر تكليفات حاسمة للحكومة والوطنية للانتخابات    غرفة عمليات الهيئة الوطنية تتابع فتح لجان انتخابات النواب فى الخارج    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    وزارة الصحة توجه رسالة هامة عن تلقى التطعيمات.. تفاصيل    «يوميات ونيس».. العمل الذي صنع ذاكرة جيل ورسّخ قيم الأسرة في الدراما المصرية    خلاف حاد على الهواء بين ضيوف "خط أحمر" بسبب مشاركة المرأة في مصروف البيت    المرأة العاملة| اختيارها يحمي الأسرة أم يرهقها؟.. استشاري أسري يوضح    عضو "الشؤون الإسلامية" يوضح حكم التعامل مع الدجالين والمشعوذين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يكذبون ونكذب
نشر في الشروق الجديد يوم 04 - 05 - 2011

ندعو أطفالنا إلى تجنب الكذب ثم نكذب عليهم. من البادئ ؟ قرأت ثم تأكدت أن الطفل الرضيع يكذب على أمه حين يتصرف كمن لم يرضع كفايته ليبقى فى أحضانها برهة إضافية. كان سباقا على أهله فى الكذب. ولكن سرعان ما يأتى دور الأهل حين تبدأ أسئلة الصغار تنهمر. أذكر أننا كنا نتناول الطعام على مائدة غداء تتوسطها بطة محمرة حين نظر طفل من بيننا إلى أمه يسألها إن كانت البطة سئلت عن رأيها فى أن تذبح وتسلق وتحمر. لجأت الأم إلى الأب ولم يكن أمامهما إلا أن يكذبا.
أذكر أيضا ذلك اليوم الذى فى عصره عادت طفلتنا من المدرسة تبكى لأن معلمة الدين خصصت حصة اليوم للكذب. قضت ساعتين تشرح بكلمات حجرية وصوت غليظ وعيون تطلق شرا كيف أن كل طفل يكذب ستنقض عليه الملائكة يوم القيامة وتربطه إلى أسياخ من حديد تلقى بها فوق نار لا تهمد وتتبادل تقليبه مرات ومرات. يومها اعترفت أمام الطفلة وأطفال آخرين يبكون بأن الكبار أيضا يكذبون وأن معلمة الدين كذبت على أطفال حصة الدين ووعدت أن أسعى لتحصل على عقاب تستحقه. وبالفعل عوقبت المعلمة ورئيسها. سمعت مديرة المدرسة تقول لمعلمى الدين كافة فى تبرير العقاب الذى أنزلته، تعلمون كما أعلم أن الله لا يكذب ووظيفتنا أن يعرف الطفل منذ الصغر أن الله لا يكذب، وأنه غير مقبول أن يكون فى المدرسة دعاة ومبشرون ومعلمو دين يكذبون فى أمور الدين حتى وإن كذبوا كبشر كثيرين فى أمور الدنيا.
••••
الأهل أيضا يكذبون على أطفالهم. يكذبون فى أمور كثيرة وبخاصة فى أمرين، الدين والجنس. مبررهم أن الواجب يحتم حماية أطفالهم. نقول ويقولون إن الأطفال أبرياء وبالتالى هم حساسون وناعمون ولا يجوز خدش براءتهم بإجابات بعضها قد يكون صاعقا أو على أقل تقدير مربكا.. يكذب الأهل أيضا فى الإجابة عن أسئلة تتعلق بالشجارات العائلية، وفى التصريح عن صعوبات مالية تمر بها العائلة. نبرر الكذب بضعف الاستعداد الذهنى لدى الأطفال، أو بضرورة أن نصطنع «فزاعات» تخيف الأطفال وتردعهم عن ارتكاب أخطاء جسيمة تضر صحتهم واستقرارهم النفسى. أحيانا يلجأ الأهل إلى تعظيم صورتهم أو تجميلها فى نظر أطفالهم بالمبالغة فى حجم إنجازات الأهل وثرواتهم ومعارفهم واتصالاتهم خاصة وأن الأطفال معروف عنهم أنهم يرددون بين أقرانهم ما يعرفون عن أهاليهم. كذلك يكذب الأهل حين يشجعون أطفالهم على النطق بكلمات حروفها ناقصة أو ترديد أغان هابطة بحجة أنها تجعلهم يبدون خفيفى الظل.
••••
يكذب الحكام كما يكذب أغلب البشر ولكن أكثر الظن السائد عندنا هو أن الحكام المستبدين يكذبون أكثر من الحكام المنتخبين ديمقراطيا، وهو ظن له ما يبرره على الأقل فى مجتمعاتنا العربية التى لم تعرف فى تاريخها المعاصر حكاما ديمقراطيين. كل من عرفناهم كانوا ينتمون إلى مذاهب الاستبداد أو ما يشبهه، وكلهم كانوا يكذبون، ابتداء من عبدالناصر والسادات وانتهاء بزين العابدين والقذافى وعلى عبدالله صالح وسلالة الأسد وحسنى مبارك ومرورا ببورقيبة وصدام حسين وملوك العرب وأمرائهم وأشهر من كل هؤلاء فى الكذب كان أبو عمار، رحمه الله.
حجتهم واحدة، نحن كحكام مسئولون عن حماية الشعوب وحفظ السلام فى المجتمع، وتدفعنا هذه المسئولية الجسيمة إلى الكذب. أكثرهم اصطنع فزاعات لترهيب الشعوب. مرة كان المندسون من الخارج، ومرات هم الإرهابيون والمتطرفون وأعداء الثورة والرجعيون والعلمانيون والعملاء وعناصر النظام البائد.
بعض الحكام أعاد صياغة أصله وفصله وابتدع أساطير حول سيرة حياته. فى حالات كثيرة اختفت شهادات ميلاد أو تغيرت، حتى إنهم فى أمريكا تحدوا على امتداد سنوات أن يطلع باراك أوباما الشعب على شهادة ميلاده وأخيرا ظهرت فى حالات أخرى تعدلت شهادات مدرسية وجامعية لتظهر بعلامات ودرجات جديدة تؤكد ذكاء خارقا للزعيم منذ طفولته، وفى هذا النوع من الكذب يتفوق نظام كوريا الشمالية على كل ما عداه. يكذبون أيضا حين يسمحون لأصحاب قلم برعوا فى الكذب لتدبيج روايات عن بطولات حربية وسياسية أو شبابية لم تحدث أو حدثت وجرى تصنيفها فى وقتها أعمالا عادية يفرضها الواجب. كما يكذب الحكام وبإصرار متعمد إذا أرادوا تعبئة الأمة للحرب، ولديهم الحجة فالعدو يجب أن تكون صورته أشرس ونياته أسوأ وتهديده أعظم ليتهيأ الشعب للحرب.
جون ميرشهايمر أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو، وهو المؤلف المشارك لكتاب ذائع الصيت عن تأثير اللوبى الصهيونى فى السياسة الأمريكية، كتب مؤخرا يقول إن الزعماء المنتخبين ديمقراطيا يكذبون كما يكذب الحكام المستبدون وربما أكثر. ويذكر أمثلة من نوع كذبة الرئيس ليندون جونسون عن تعرض سفن البحرية الأمريكية لعدوان فى خليج تونكين وكان هدف الكذبة تصعيد العمليات العسكرية الأمريكية فى فيتنام، وكذبة الرئيس فرانكلن روزفلت عن حادثة تحرش غواصة ألمانية بمدمرة أمريكية وكان هدف الكذب تبرير الاشتراك فى الحرب العالمية الثانية. ومن الكذبات الشهيرة أيضا كذبة الرئيس جورج بوش ورئيس الوزراء طونى بلير عن امتلاك العراق أسلحة دمار شامل ليبررا شن حرب ضد العراق واحتلاله. ونعيش هذه الأيام مسلسل الكذبة الكبرى التى أطلقها زين العابدين وتبناها كل من مبارك والقذافى والأسد وعلى صالح وملك البحرين عن أن الثورات فى بلادهم من صنع مندسين أجانب.
••••
الكذب فى الحالتين، حالة الأهل وحالة الحكام، يعكس الاقتناع السائد بأن الشعوب، كالأطفال، عاجزة عن ممارسة الاختيار بين الحق والباطل وبين ما ينفعها وما يضرها. الفرق الوحيد هو أن الشعوب فى نظر حكامها خاصة وطبقتها السياسية عامة ليست بريئة براءة الأطفال، بل إن بعض الحكام وفلاسفة العصور الوسطى وكثيرا من علماء الدين وفقهائه فى العصر الراهن يعتقدون أن الشعوب شريرة وأن الكذب عليها جائز إن لم يكن فريضة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.