فى الأسبوع الماضى، عقدت مجموعة الدول التى اطلق عليها اختصارا «بريكس» (البرازيل وروسيا، والهند والصين وجنوب أفريقيا) اجتماع القمة الثالث لها فى هاينان بالصين، لتطرح نفسها باعتبارها «الدول الناشئة» الرئيسية التى تتحدى هيمنة الغرب المستمرة منذ زمن طويل. وقبل بضع سنوات صاغت مؤسسة جولدمان ساكس تعبير «بريكس» للإشارة إلى الأسواق الناشئة الأربع على ساحة الاستثمار الدولية، ومنذ إضافة جنوب أفريقيا إلى هذه البلدان، اكتسبت المجموعة بعدا سياسيا. والأمر المؤكد أن الدول الأربع الأصلية حققت نجاحات هائلة خلال السنوات العشرين الماضية. ولكن يجدر أن نتذكر أن التعبير ليس من ابتكار جولدمان ساكس، وإنما الرئيس الإندونيسى سوكارنو عندما صاغ قبل نصف قرن تعبير «القوى الناشئة الجديدة». نظمت إندونيسيا فى 1963 دورة بطولات رياضية أطلقت عليها ألعاب القوى الناشئة، فى جاكارتا، ومولت الصين الجانب الأكبر منها. والملفت للنظر أن إندونيسيا لم تكن حاضرة حتى فى هاينان على الرغم من تقدمها منذ 1963. فهل تشكل هذه «الدول الناشئة» الحالية، مجموعة خمس حقيقية، أو مجرد قائمة من الدول ليس بينها أجندة مشتركة سوى الاستياء من الولاياتالمتحدة وإن تناقضت أسباب هذا الاستياء بينها أحيانا لدرجة أنها ترغب فى صنع مصد للنفوذ الغربى؟ وهل لهذه المجموعة أى مصداقية سوى كونها مصدرا لفرص إلقاء الخطب والتقاط الصور؟ ولعل السمة المشتركة الأوضح بين أربعة من بلدان المجموعة أنها موردة رئيسية للسلع إلى البلد الخامس الصين. كما أن عضوية المجموعة تحقق فائدة جيدة فهى منتدى مفيد للمطالبة بزيادة الاستثمارات من بكين وزيادة التصدير إليها، كما يوفر المنتدى فرصا لكل من البرازيل وجنوب أفريقيا بوجه خاص من أجل رفع مكانتهما الدولية. وقد ضمن دور الصين لها مكانة الزعيم بلا منازع لهذه «القوى الناشئة». غير أن الأعضاء الآخرين ربما يحسنون صنعا إذا توقفوا لبحث طبيعة علاقتهم بالصين. فبالنسبة لروسيا، هناك إدراك مؤلم بأن قوة عظمى سابقة تلعب اليوم دورا ثانويا إلى جانب الصين فى المجموعة. وبالنسبة لجميع الدول الأربع، فهذه تذكرة بأنهم يصدرون للصين مواد خاما بالأساس، بينما تصدر الصين لهم سلعا مصنعة. وعلى الرغم من ارتفاع أسعار السلع، تتمتع الصن بفوائض تجارية معهم جميعا باستثناء البرازيل. وتستشعر الهند، على وجه الخصوص، الحرج لأن صادراتها الأساسية للصين هى الحديد الخام، بينما تحقق السلع الصناعية الصينية رواجا هائلا فى أسواق الهند. ويصل العجز التجارى الهندى مع الصين إلى 25 مليار دولار سنويا. وتشترك دول بريكس الخمس فى الشكوى من تقلب أسواق السلع والعملات، ومخاطر أسواق رأس المال المفتوحة أكثر من اللازم. وتبدو هذه الشكوى عادلة، ويلاحظ أن البرازيل والهند وجنوب أفريقيا تعانى جميعها من انخفاض سعر العملة الصينية، بينما ترتفع أسعار عملاتها. ويحول الهدف السياسى المتمثل فى الظهور بمظهر الوحدة، دون تحدث هذه الدول بصراحة حول ما تريد فيما يتعلق بقضايا العملة. وأى اقتراح بتسوية التجارة الثنائية من خلال عملات هذه الدول بدلا من الدولار الأمريكى وهمى فى الأغلب. وعلى سبيل المثال، تتعارض الشكاوى بشأن نشاط المضاربة فى أسواق السلع مع حقيقة أن لدى الصين بعض الأنشطة وأكثر الأسواق تقلبا فى العالم. ومن المستبعد أن يزيد إدراج جنوب إفريقيا فى المجموعة من نفوذها. فقد اعتُبرت هذه الإضافة انقلابا دبلوماسيا لصالح الصين، التى أرادت عضوا أفريقيا تماما مثلما أراد سوكارنو مصر ضمن تجمعه الآسيوى الأفريقى الأمريكى الجنوبى. بيد أن جنوب أفريقيا لديها جزء من الثقل الاقتصادى لبقية الأعضاء، وقد لوحظ أن وجودها فى هذه الصحبة المنتقاة استبعد بلدانا مثل إندونيسيا وتركيا وكوريا الجنوبية والمكسيك. والحقيقة أن مصالح «القوى الناشئة» يمثلها على نحو أكثر شمولا أعضاؤها فى مجموعة العشرين أكثر من مجموعة بريكس. ولم يكن العالم الناشئ بحاجة لهذه القمة.