«أذكر أننى التقيت بطالب من كوستاريكا، درس الاقتصاد فى جامعة هارفارد، قال لى إنه فوجئ عندما شارك فى حملة انتخابات الرئاسة ببلاده، بأن هناك قضايا مطروحة عليه لم يدرسها فى الجامعة، مثل كيفية النهوض بالنظافة فى الشوارع وتأمين الأسواق وتحسين المدارس، تلك هى القضايا التى يكون إصلاحها أصعب بكثير من قضايا الاقتصاد الكلى»، هكذا استهل روى كيلى، الأستاذ بجامعة ديوك بالولايات المتحدةالأمريكية، حديثه فى حول كيفية تطوير الإدارة المحلية فى مصر بعد الثورة. وجاء ذلك خلال ورشة عمل عقدتها وزارة المالية المصرية عن إصلاح المحليات، وسط أجواء من الجدل الشعبى حول هذا الموضوع، وقبل يوم واحد من المؤتمر التأسيسى للجان الدفاع عن الثورة فى الاحياء والمحافظات المختلفة، الذى عقد بميدان التحرير أمس الأول، والذى يتبنى إصلاح المحليات كمطلب أساسى له. وأوضح روى، فى تصريحات خاصة ل«الشروق»، أنه بالرغم من أن إصلاح المحليات فى مختلف التجارب الدولية كان يستغرق نحو عشرين عاما، فإنه يجب أن يشعر الرأى العام فى مصر بوجود «مكاسب سريعة» من وراء هذا الإصلاح، كتحسين خدمات الصحة وتوفير أماكن لانتظار السيارات ونظافة الشوارع، حتى يلمس المواطن أن هناك إصلاحا على أرض الواقع. وشرح روى، الذى قدم استشارات للعديد من حكومات الدول النامية على مدار ثمانية عشر عاما، أن تطبيق السياسات اللامركزية يقوم على ثلاثة أذرع من الاستقلال المالى والإدارى والسياسى. فيما علق خالد زكريا، أستاذ الاقتصاد المساعد بجامعة القاهرة، بأن الوضع السياسى فى مصر قبل الثورة كان يمنع أحداث تغير عميق فى نظام الحكم المحلى. وينتظر المصريون أول انتخابات للمجالس المحلية لا تتدخل الدولة فى تحديد نتائجها، ويتطلع العديد من الناشطين الشبان للمشاركة فى هذه الانتخابات لتحسين جودة الحياة فى أحيائهم. ويشير روى إلى أن هناك نماذج مختلفة من نظم اختيار المسئولين بالمحليات، كانتخاب المحافظين أو العمد بشكل مباشر، كذلك من الممكن أن تتم إدارة الانتخابات المحلية من خلال طرح مرشحين مستقلين أو مرشحين من الاحزاب، وعلى مستوى الاحزاب يمكن أن تكون هناك أحزاب على المستوى الوطن أو على المستوى المحلى. وعلق روى بأن تحقيق اللامركزية يقلل من إهدار موارد الدولة، «فالمسئول الحكومى الفاسد يهرب أمواله الى نيويورك، أما المسئول المحلى الفاسد سيضع أمواله داخل البلد فى صورة أصول كالعقارات، هذا لا يعنى بأى حال أننى أشجع على الفساد فأهم مميزات الإصلاح المحلى أنه يرفع من مستوى المساءلة الشعبية للمسئولين». ومن جهة أخرى أكد روى أن «إصلاح المحليات لا يقتصر على الفوز بالمناصب، وإنما التحدى يكمن فى إدارتها، فهو أشبه بمن أخذ قرارا بالزواج، وعقد حفل زفاف ابتهج فيه الناس، ولكن الأصعب هو إدارة الحياة الأسرية». وأشار زكريا خلال الورشة إلى أن من أبرز تحديات إصلاح المحليات هى حقيقة أن المجالس المعينة تكون لها اليد العليا على المجالس الشعبية المنتخبة. وفى مجال الإصلاح المالى، أوضح روى، أنه فى ضوء التجارب الدولية فإن الضرائب العقارية تمثل موردا رئيسيا لتمويل النشاط المحلى على عكس تواضع نصيب المحليات فى مصر من هذه الضريبة، وانخفاض الإيرادات المتحققة منها بصفة عامة، حيث أشار إلى أن الضرائب العقارية تمثل ما يتراوح بين 40% و80% من إيرادات المحلية فى الدول المتقدمة، و20% إلى 60% فى الدول النامية، بينما تقتصر فى مصر على 25%. وتلزم الدولة فى مصر المحليات بتوريد أغلب ايراداتها للحكومة، ثم تعيد تخصيصها لها مرة أخرى، وهو ما يجعل الحكومة الممول لنحو 90% من انشطة المحليات، وبالتالى تكون هى المتحكمة فى أوجه إنفاق تلك الإيرادات، وهذه المركزية فى الإدارة تجعل توجيه موارد المحليات لا يتم على النحو الكفء. ويشير روى إلى أن تحقيق اللامركزية المالية يساعد على الاستجابة بشكل أكبر لسداد الضرائب، فبالرغم من أن الضرائب العقارية من أكثر انواع الضرائب التى تلقى رفضا شعبيا حتى فى الدول المتقدمة، «فأنت تدفع ضريبة مبيعات على المشروبات الغازية فى كل يوم ولكنك لا تشعر بها، عكس الضريبة العقارية»، إلا أن إنفاق تلك الضرائب بشكل كفء على الخدمات المحلية يشجع الناس على الالتزام الضريبى، لأن «المواطن سيشعر أن ما دفعه من ضرائب يلمسه فى خدمات بالمنطقة التى يسكن بها». ومصر لديها إمكانية لتنمية إيرادات الضرائب العقارية لتمويل المحليات، كما يشير روى، حيث تمثل تلك الضرائب فى الوقت الحالى 0.03% من الناتج الإجمالى، بينما تبلغ هذه النسبة 0.45% فى إندونيسيا و0.6% فى شيلى، «بل إن بلدا صغيرا بالمقارنة لمصر مثل نيكاراجوا تصل نسبة الضرائب العقارية فيه إلى 0.13% من الناتج الإجمالى». وردا على سؤال ل«الشروق» حول إمكانية أن تسهم اللامركزية المالية فى خلق فجوات كبيرة فى مستوى المعيشة بين المحافظات، فالساحل الشمالى على سبيل المثال سيحقق إيرادات ضخمة من الضرائب العقارية مقارنة بمحافظات الصعيد، قال روى إن التجارب الدولية تغلبت على تلك المشكلة من خلال تأسيس نظام مالى لتحويل الأموال من الحكومة المركزية الى المحليات بما يحقق العدالة بين المحافظات المختلفة، وأشار إلى أن بعض التجارب الدولية أظهرت الحاجة لاستمرار الحكومة المركزية فى تولى مسئولية بعض الخدمات، ففى أوغندا مثلا لم تهتم بعض الإدارات المحلية بالإنفاق على أحد الخدمات الصحية وفضلت توجيه الأموال إلى إصلاحات فى الطرق، وهو ما دعا الحكومة لتولى تقديم تلك الخدمة على مستوى البلد.