تبدو فكرة هجوم السلفيين على الأضرحة عند المساجد التابعة لمنطقة الخليفة مثيرة للسخرية عند الناس هناك، فلا يبدو أن حوادث هدم الأضرحة بالقليوبية والمنوفية والتهديدات التى تلتها والتى قيل إنها قد تطال الأضرحة الكبرى بالقاهرة تؤثر فيهم. يجلس محمود السيد خادم مسجد السيدة عائشة عند مدخله ويقول إنه وبقية خدام المسجد الثلاثة لا يفعلون أى شىء مختلف لحمايته بعدما استمعوا إلى التهديدات، هم فقط يتبادلون المراقبة طوال اليوم ثم يغلقون المسجد بعد العشاء ويقضون الليل بداخله. اطمئنان محمود يعود إلى ثقته فى أن أهل المنطقة لن يسمحوا لأى أحد بأن يهاجم مسجدهم، أثناء حديثه يشير إلى شخص يقف أمام المسجد ويقول: «حازم.. حامى المنطقة، يستطيع أن يجمع الناس ويدافع عن المسجد». يقف حازم بجلبابه الأبيض أمام المسجد وكأنه من عصر غابر، عصر ما قبل القانون، يناديه الناس من هنا وهناك أثناء حديثى معه، يقول: «إنهم يهاجمون المقامات الصغيرة، ولكن دع أحدا منهم يقترب من المسجد هنا، لن يستطيع. أسلحة شرطة المنطقة كلها معنا، لا تسمع كلام أحد يقول إنهم لموا منا الأسلحة»! ويشير حازم إلى أن الكثير من أهل المنطقة يتعيشون على خير هذه المساجد، يتضح هذا من كمية الباعة المحيطين بالمسجد وربما كمية المتسولين أيضا. ويدلل حازم بالأزمة التى كانت بين المسيحيين والمسلمين فى المقطم مؤخرا عندما تم تهديد مسجد السيدة عائشة، حسبما يقول، فتعلم المهددون الأدب. داخل المسجد تبدو الأجواء هادئة كما يليق بيوم عادى، حيث يتناثر الزوار بداخله. سعد على عبدالله، الذى قدم من المنصورة ليزور أولياء الله بالقاهرة، يقول إنه لا يأتى بغرض التبرك بل بغرض التعرف على الأولياء والتشفع بهم أمام الله، ويرى أن هذا طبيعى فى الإسلام فى حين أن من يرفضون الأضرحة هم خارجون عن الدين تماما. ويضيف: «هم جميعا مأجورون، ويتبعون الطريقة الوهابية النابعة من السعودية». سعد عبداللاه الذى يعمل مأمورا للضرائب يقول إن قريته شبراويش أجا بها نحو عشرة مقامات وأنهم مستعدون للموت فى سبيلها، ولكنه يؤكد على أن الأوضاع هادئة فى قريته حتى الآن. مستوى آخر من الاطمئنان كان بداخل مسجد السيدة نفيسة بالمنطقة نفسها، عندما سألت خالد محمد على الذى ينتسب لطريقة السادة الأحمدية المرازقة إن كان مستعدا لحماية الأضرحة إن زاد السلفيون من تهديداتهم، ضحك خالد: «أحمى ماذا؟ الأولياء هم الذين يحموننا»، ويضيف: «المقامات التى هدموها فى القليوبية ليست مقامات لأولياء حقيقيين، وهم لن يستطيعوا الاقتراب من هنا، لن يقدروا. هذا المكان مثله مثل الجنة»، ولكنه أيضا تساءل: «كم عدد هؤلاء السلفيين مقابل عدد مريدى الأولياء من القاهرة ومحافظات مصر بل من العالم كله؟». الفكر السلفى يرفض فكرة الأضرحة بما فيها بناء مسجد حولها والصلاة فيه، بالإضافة إلى التبرك بالضريح، اعتقادا منهم أنه قد يؤدى للشرك بالله، إذ كانت زيارة القبور أصلا ممنوعة فى أول الإسلام كما يذكر الشيخ السعودى الراحل عبدالعزيز بن باز. ولكن فى مقابل هذا الفكر يقول الشيخ حمدى سلامة إمام مسجد السيدة نفيسة: «لا يجوز الاعتداء على الأضرحة، فالقبور لها حرمة، والهجوم عليها ليس من الدين ولا من الشرع، بل ذلك يستدعى الفتنة بين الناس ولا يقول بذلك عاقل». ويرفض الشيخ حمدى أصلا تسمية هؤلاء بالسلف: «فالسلف هم المسلمون الأوائل، هم يعتقدون أنهم من يسيرون على نهج الأوائل، ولكن فى النهاية فنحن جميعا مسلمون». وهو يؤكد أن أصحاب هذه التهديدات ومن ينفذونها إنما يتحركون عن جهل، ويضيف أيضا أنه لا خوف على الأضرحة الكبرى فهم ارتدعوا عندما وجدوا أن الناس رفضت ما يفعلون، وبعدما أعلن الأزهر رفضه للهدم، بل كذلك بعدما أعلن كبار السلفيين تبرؤهم من هذه التصرفات.