منذ المصادمات المؤسفة فى ميدان التحرير فجر الأحد الماضى وهناك «حالة شياط» فى البلد، تنذر بما لا يحمد عقباه، وكل ما نملكه هو الدعاء أن يحمى الله هذا الوطن من كل المتربصين به، خصوصا أولئك الذين يزعمون أحيانا أنهم يحبونه جدا. «حالة الشياط» يمكن شمها فى أماكن كثيرة خصوصا فى المنطقة الممتدة من كورنيش ماسبيرو حيث التليفزيون مرورا بميدان التحرير، حيث المعتصمين، نهاية بتقاطع شارعى قصر العينى ومجلس الشعب حيث مجلس الوزراء. إضافة إلى مناطق فى شرق القاهرة، وبالطبع لا ننسى شرم الشيخ. مؤشرات حالة الشياط متعددة، لكن معظمها لا يمكن ذكره مباشرة، ليس فقط لأنه تسريبات وأحيانا تخمينات، ولكن لأن ضرر نشره أكبر بكثير من فوائده. الذين دبروا الصدام بين الشعب والجيش فى ميدان التحرير عقب «جمعة التطهير» نجحوا إلى حد ما فى إحداث ولو شرخ بسيط فى علاقة الطرفين.. شرخ سمح لبعض الشباب بالتجرؤ والتصعيد إلى نقد ما كان يعتبره كثيرون «تابوهات» لا يمكن الاقتراب منها. جزء من الشعب صار محتقنا لانه يشعر أن أهداف الثورة لم تتحقق، وجزء آخر من الشعب يعتقد ان هناك ما يشبه الشلل فى معظم مناحى الحياة، قد يتطور إلى عجز كامل. وما بين هؤلاء وأولئك هناك المتربصون بالثورة والساعون إلى هدمها بكل السبل. الحكومة التى يتحمل رئيسها د.عصام شرف عبئا هائلا، تجد نفسها محبطة فى أحيان كثيرة لانها تعتقد انه ورغم كل ما تبذله من جهد لا يقدرها أحد. هذه الحالة هى التى تجعل د.شرف شبه غارق فى بحور من الهموم، خصوصا أن بعض من يفترض أن يكونوا مساعديه، يتحولون حتى دون ان يدروا إلى خناجر فى ظهره. «الشياط» الذى كان متجليا طوال يوم الاثنين الماضى حتى الساعة التاسعة ليلا جعل البعض يهدد ويلوح باشياء غريبة. خلاصة الأمر أن هناك مشكلة تجمعت نذرها منذ الصراع على من يسيطر على منصة ميدان التحرير عقب نهاية صلاة يوم الجمعة الماضى، مرورا بالمصادمات آخر الليلة... وجاء ظهور مبارك على شاشة «العربية» ليزيد الطين بلة. وليجعل بعض البسطاء يتصورون أنه يمكن أن يعود للحكم مرة أخرى. المتشائمون لم يروا الجانب المضىء فى أحداث الأيام الماضية وهى توالى اكتمال مجلس الوزراء فى سجن مزرعة طرة. إذا غضب فصيل من أنصار الثورة يمكننا أن نرضيه، وإذا خرج بعض المعتصمين عن النص، يمكننا ان نرجوهم التوقف، وإذا أصيب شرف بالإحباط يمكننا أن نناشده ان يتحمل اكثر، وإذا شعر بعض المواطنين بالخوف من المستقبل، نطمئنهم ان معظم الثورات فى كل أرجاء العالم عاشت لحظات صعبة، وملتبسة. كل ذلك ممكن، لكن ما هو غير ممكن أن يصاب الجيش فى أى لحظة من اللحظات باليأس أو الزهق أو الإحساس بأن دوره غير مقدر. هناك الكثيرون للأسف الذين يحاولون بلا كلل أو ملل من أجل كسر علاقة التوحد بين الشعب والجيش، يفعلون كل الحيل الممكنة ولا ييأسون.. علينا أن نكون يقظين، وعلى الجيش ألا يصاب بالإحباط تحت أى ظرف، وعلى كل وطنى ومخلص لهذا البلد أن يتصرف بهدوء وعقلانية حتى تنتهى حالة الشياط.. استمرار هذه الحالة قد يقود للأسف إلى بعض الحرائق.