مؤخرا حاز الكاتب التشيكى الشهير ميلان كونديرا اعترافا عالميا بصمود أعماله وتكريسه كأحد كبار الكتاب العالميين، حيث اختيرت الأعمال الكاملة لصاحب «الخلود» لتطبع ضمن سلسة «لابلياد» التى تصدرها دار «جاليمار» الفرنسية الشهيرة، وتتجاور بذلك مع أعمال عمالقة الإبداع الأدبى العالمى من أمثال: موليير وبلزاك وبروست وجوته ودوستويفسكى وأوسكار وايلد، وغيرهم، وإن كان كونديرا ضمن قليلين مثل أندريه جيد وسان جان بيرس وأوجين ايونيسكو ورينيه شار وليفى شتراوس، كان أكثر حظا بنيله هذا التكريم وهو على قيد الحياة. ومن المعروف أن «لابلياد» ليست جائزة أدبية إذ لا تحمل فى ذاتها قيمة مادية، لكن لشهرتها قيمة معنوية تحاذى، فى رأى البعض، الفوز ب«نوبل»، ليس فقط لقيمة الأسماء الكبيرة التى تضمها السلسلة، وعلى رأسها الأسماء المذكورة، وإنما أيضا لرسوخ وصرامة المعايير التى يتم على أساسها اختيار هذه الأعمال، وهى مدى حضور وصمود الأعمال التى يتم إعادة طبعها. ويعد كونديرا الذى أتم قبل أسبوع عامه ال82، أحد أهم الكتاب المحتفى بهم فى عالمنا العربى، حيث ترجمت مجمل أعماله إلى العربية، ولقيت صدى واسعا فى الأوساط الثقافية. ولكونديرا كأحد أهم الكتاب المعاصرين تاريخ حافل، وقد طرق الأدب ببواكير شعرية، كتبها أثناء المرحلة الثانوية، وبعد الحرب العالمية الثانية عمل كتاجر وكعازف على آلة الجاز قبل أن يتابع دراسته فى جامعة تشارلز فى براغ، حيث درس علم الموسيقى، وكان والده، لودفيك كونديرا (1891 1971) عالم موسيقا ورئيسا لجامعة برنو، كما درس السينما والأدب وعلم الأخلاق. وتخرج فى عام 1952، ليعمل بعدها أستاذا مساعدا ثم محاضرا لمادة الأدب العالمى فى كلية السينما فى أكاديمية براغ للفنون التمثيلية. أثناء تلك الفترة نشر صاحب «فالس الوداع» شعرا ومقالات ومسرحيات، والتحق بقسم التحرير فى عدد من المجلات الأدبية. وانضم عام 1948 إلى الحزب الشيوعى العام بدافع الحماسة التى سيطرت عليه كغيره من المثقفين التشيكيين آنذاك. وفى العام 1950 تم فصله من الحزب بسبب نزعاته الفردية لكنه عاد للالتحاق بصفوفه ابتداء من العام 1956 حتى العام 1970. عمل كونديرا خلال خمسينيات القرن الماضى ككاتب ومؤلف مسرحى ومترجم مقالات، ونشر فى العام 1953 أول دواوينه الشعرية، إلا أن الاهتمام به تأجل حتى صدور مجموعته القصصية الأولى (غراميات ضاحكة) 1963. بعد الغزو السوفييتى لتشيكوسلوفاكيا فى أغسطس 1968 فقد كونديرا وظيفته كمدرس لكونه وقتها أحد طليعيى الحركة الراديكالية فيما عرف باسم (ربيع براغ)، كما منعت كتبه من التداول فى المكتبات وفى كل أنحاء البلاد بشكل كامل عام 1970، وفى عام 1978 أسقطت عنه الجنسية الفرنسية كرد فعل على روايته «كتاب الضحك والنسيان» لكنه حصل على الجنسية الفرنسية بعدها بثلاث سنوات. منذ عام 1985 أصر كونديرا على إجراء حوارات مكتوبة فقط، بسبب شعوره أنه تم نقله بشكل مغلوط أحيانا إلى اللغات التى ترجمت إليها أعماله، وقد علق على هذه المسألة فى أحد حواراته قائلا: «للأسف، فإن من يقومون بترجمة أعمالنا، إنما يخوننا، إنهم لا يجرؤون على ترجمة غير العادى وغير العام فى نصوصنا، وهو ما يشكل جوهر تلك النصوص. إنهم يخشون أن يتهمهم النقاد بسوء الترجمة وليحموا أنفسهم يقومون بتسخيفنا). وأول الأعمال التى كتبها الرجل باللغة الفرنسية كانت (فن الرواية) 1986، ومن ورائها رواية (الخلود) 1988، لكن أعماله الأدبية تواترت منذ النصف الأول من ستينيات القرن الحادى والعشرين على النحو التالى: غراميات مضحكة 1963، المزحة 1965، كتاب الضحك والنسيان 1978، الخلود 1988، ثم روايات: البطء، كائن لا تحتمل خفته، الحياة هى فى مكان آخر، والجهل. ويعد كونديرا أحد أبرز الأسماء المطروحة فى الأعوام الأخيرة ضمن ترشيحات جائزة نوبل، وقد تمكن عام 1978من توقيع عقد مع دار «جاليمار» العالمية.