علا صوت مكبرات الصوت من المساجد القريبة بقرآن الجمعة، وتدفق الناس علي الميدان من حولها. نظرت في ساعة معصمها بقلق، ثم رفعت عينيها تدقق في الوجوه من حولها لعلها تلمحه. تأخر. لأول مرة يتأخر. إسترجعت ما إتفقا عليه ، يوم الجمعة ، منتصف الميدان ، منتصف النهار. عادت تنظر في ساعتها من جديد ، تسرب اليأس إلي نفسها ، تفقدت حقيبة يدها الصغيرة ، فتحتها ، ترددت قليلاً ثم أغلقتها . عادت تنظر في ساعة معصمها ، أتراه قد نسي ميعادهما؟ تطلعت في الوجوه من حولها. إلتقطت حقيبتها من جديد، بعصبية شديدة فتحتها ، ثم أغلقتها، وعادت ففتحتها . وقعت عينيها علي قصاصة ورق تحوي قصيدته الاخيرة التي كتبها في حبها. ضمت القصاصة الي صدرها و إحتضت كلمات القصيدة بعينيها التي سرعان ما اغرورقت بالدموع. فجأة أبصرته قادم من بعيد. أسرعت تجفف دموعها ، و أخرجت مرآة صغيرة إطمأنت منها علي زينتها وكحل عينيها. لحظات وضمت يده يدها بشوق. نظرت اليه بعتاب ودلال وقالت: - إتأخرت! أول مرة تتأخر علي! اطرق عينيه الي الارض وقال: - أنا آسف....السكة زحمة فنظرت اليه بحنان وقالت: - بجد؟ طب عيني في عينك تهرب من لقاء عينيها بأن تظاهر بالنظر حوله الي الميدان ثم قال: - الميدان إتملي ناس أغمضت عينيها وتنهدت تنهيدة قصيرة ثم قالت: - إنت بتضحك علي ، قول لي إيه أخرك عني نظر اليها اخيراً فإلتقت أعينهم أخيراً و قال: - تعبان ظهر الهلع علي وجهها وتفحصته سريعا بعينيها وقالت: - مالك؟ حاسس بإيه؟ تعال نروح لدكتور قالتها وهي تهم بالسير فأمسك بها وقال: - لأ مش كده، أنا بس تعبت من كل اللي بيجري ده ، تعبت من القلق والخوف عليكي ، تعبت من الحيرة و التفكير فيكي ، تعبت من الناس وكلامهم عنك ، تعبت من التفاؤل اللي بيجي بعده تشاؤم ، تعبت من الليل اللي مش راضي يطلع عليه نهار ، ولو طلع أفضل شايل هم الليل لما ييجي عليكي تاني ، ما خلق الله عايشين أهم ، إشمعني أنا وإشمعني إنت؟ أنا تعبت ، فاهمه تعبت! خلاص كفاية، أنا ....أنا.. نظر إليها فرأي عيناها السود قد إمتلأت بالدموع، و خصلات شعرها الأسود قد عبثت بها نسمات هواء الربيع فتهادت علي وجهها فأكسبت سمارها جمالاً وسحراً وشعر بقلبه يخفق بشدة وآلمه أن يري دموعها فأسرع يقول: - أنا آسف، أرجوكي سامحيني ، مش قصدي رسمت علي شفتيها إبتسامة حاولت أن تجعلها طبيعية وقالت بنبرة حزينة: - أنا اللي آسفه ، أنا فعلاً تقلت عليك جداً ، أنت فعلاً عملت لي كتير قوي ، وعلشاني عرضت نفسك لمخاطر كبيرة وشفت الموت برضك علشاني ، سامحني أنا اللي آسفه ، أوعدك ما أطلبش منك حاجة تاني ، وبلاش تجي لي الميدان تاني ، خليك في شغلك وشوف مستقبلك شعر بغصة في حلقة من كلامها واسرع يلتقط يديها بين يديه ويقول: - إنت تطلبي وتأمري ، أنا ملكك وملك ايديك ، انت اللي علشاني عملتي كتير وإستحملتي كتير، أطلبي عمري وبرضك مش كفاية ، إنت حبيبتي ، ومهجتي... ثم أغمض عينيه وطبع قبلة علي يديها وهو يقول: - إنت عمري وقلبي وروحي، إنت ضحكتي وفرحتي ، إنت إمبارح و النهاردة ومستقبلي، إنت ... قطع كلامه صوت لا يعرفه يقول: - الله يكرمك يا إبني إنت واللي زيك فتح عينيه فوجد نفسه يقبل يد عجوز قد أقعدها العمر الي كرسي ذي عجل - هي فين؟ - هي مين يابني؟ - هي ، أنا كنت لسه بكلمها تلفت حوله يبحث عنها ثم عاد يسأل العجوز وهو مازال يقبض علي يديها - ما شفتيش هي راحت فين ، دي كانت لسه معاي ، انا مش كنت بأكلمها أدامك يا أمي؟ إبتسمت العجوز وقالت: - أمي من بقك فكرتني بإبني الشهيد إنتبه علي ذكر الشهيد لكلام العجوز فطبع قبله علي يديها من جديد وعاد يقول : - كلنا ولادك يا أمي، كلنا ولادك غالبت العجوز دموعها وقالت -حبيبتك اللي كانت معاك؟ طب ويا بني حد يواعد حبيبته في الميدان؟ دا الخلق هنا ياما إنحني يقبل رأس العجوز ثم إبتسم وهو يقول: - حبيبتي بأقابلها في الميدان ، في أي ميدان ، أول ما تناديني أجري أقابلها في الميدان ، النهاردة إتأخرت عليها ، فكرت ما أجيش، قلت كفاية ، قلت مش فارقة ، وجه ميعادها ، لقيت رجلي جايباني جري علي الميدان إعتدلت العجوز علي كرسيها وقالت: - حبيبتك؟ - روحي وقلبي - من زمان؟ - من أول ما وعيت علي الدنيا - حلوة؟ - في عيني ست الحسن والجمال - بتحبها؟ - بعشقها - مهما تعمل؟ - مهما تعمل - إسمها إيه؟ طبع قبلة علي يدي العجوز وقال باسماً: - إسمها مصر يا أم الشهيد