هل تبقى الديمقراطية كذلك اذا اصبحت انتقائية، كما ارادها مثلا بنجامين فرانكلين -احد اباء الدستور الامريكي- ان يكون حق التصويت فقط لمن يملك اراضي؟ هل تصبح حرية الشعوب مسموحة لشعوب دون اخرى ، كحق تقرير المصير الذي اقترحه وودزو ويلسون - الرئيس الامريكي- بعد الحرب العالمية الاولى - و الذي استثنى الدول الواقعة تحت انتداب دول اوربا-؟ هل تقف حرية الراي على حدود لا تتخطاها، مثل قدسية السامية و مهاجمة من يعاديها؟ قد يوحي كلامي اني ارى ان تلك الازدواجية تقتصر على الغرب، لا، "حاشا و كلا"، بل ان سبب كتابتي للمقال هو اني اريد مقاومتها فينا، لكن الغرب "المتقدم" هو من صدر لنا تلك المسميات فوجب ان تكون الامثلة عنهم. اما عندنا فنجد نفس التناقض، فعندنا جميع الشيع و الفرق اختلفت في كل شيء من اقصى اليمين لاقصى اليسار و من اقصى صور العلمانية لاقصى صور التشدد الديني، و لكنهم اتفقوا على منهج واحد: - حرية الراي مكفولة للجميع - طالما نحن اقلية لكن عندما نصبح الاكثرية فمن يخالفنا اما جاهل متخلف - في حالة الليبرالين المتشددين- او كافر و ملحد و مهرطق - في راي المتشددين الدينيين- - لا يصح للاقلية الحاكمة ان تستبد بالاكثرية المحكومة - فقط حتى نصل للسلطة- - الحكم للشعب - ليس الجاهل المتخلف او الغائب عن مباديء دينه انما للشعب الواعي الفاهم الذي يوافقنا في الراي- - القيادة للاصلح - اي لنا دون غيرنا فنحن من قاومنا الاستبداد – - نحن نقاوم الظلم فلم يظلم احد كما ظلمنا - لكن نسمح بظلم فئات اخرى فهم غير جديرين بالعدل- طبق ما سبق على من شئت و ستجد تطابق في المواقف و ان اختلفت الاسماء، اشد ما اوده ان نعطي الحرية للراي ، فالاقصاء يبدو دوما خيارا سهلا ، ان استبعد من يخالفني في الراي امر في منتهى السهولة، و لكن هل فكر احد في النتائج؟ الحالمين - امثالي - يؤمنون بالراي و الراي الاخر ، يكفرون بالاقصائية و الانتقائية، يودون لو تمت مجابهة الافكار بالافكار، فاشد الافكار تخلفا لن يرقيها سجن و انما يزيدها ظلاما، ، اشد الافكار انحلالا لن يمنعها قيد في الرغبة من المزيد من التحرر، كم اود ان نكف عن وأد الافكار و قتل الاحلام و تسفيه الاخر و الحط من شان المختلفين عنا،الا تصبح المناقشات بيننا دوما تنتهي اما بجاهل او بكافر. لكن كما قلت لا مكان للحالمين بيننا ، ، من الواضح ان المؤمنين بالمباديء المجردة قد انقرضوا من زمن، لقد توصلت لنتيجة من زمن ليس ببعيد ، ان نظريات داروين دائما ما تثبت صحتها، فدائما البقاء للاصلح و الاقوى، فالمنتصر داذما يكتب التاريخ. و من التاريخ اريد ان اذكركم بموقف لشخص احترم ما يؤمن به فقضت عليه مبادئه، علي بن ابي طالب - رضي الله عنه و كرم وجهه- و هذه قصة اهديها لاصحاب فكرة غزوة الصناديق و اصحاب فكرة ان الاخرين جهلة و ظلاميين... عندما استغل معاوية الدين بان طلب التحكيم - و وضع المصاحف على اسنة الرماح- ، و وافق سيدنا علي حقنا لدماء المسلمين، و لم ينصع لراي فئة طالبت بقتال معاوية لانه في رايهم خرج من الملة - استغلال اخر للدين- ، حيث قالوا انه لايصح حكم الرجال فيما حكم فيه الله "لا حكم الا لله" فرد عليهم قائلا "كلمة حق يراد بها باطل. و حتى عندما انتهى التحكيم على خلع علي -مع انه كان منتصرا- رفض الانصياع لراي نفس الفئة -التي اصبحت فيما بعد الخوارج- في رغبتهم في قتال معاوية و رفض نتيجة التحكيم، و كان رده "ويحكم! أبعد الرضا والعهد والميثاق أرجع؟ أبعد أن كتبناه ننقضه؟ إن هذا لا يحل" هذا رجل عظيم ، لم يقل خصمي خرج من الملة، لم ياخذ بفتاوى التكفير، بل انه و هو مؤمن انه على حق، ارتضى بنتيجة التحكيم، هو رجل -كرم الله وجهه- امن بان دينه دين مباديء لا تتجزأ فكيف كانت نهايته ؟ لقد اعتبره الخوارج هو و معاوية و عمرو بن العاص رؤوس فتنة، و اتفقوا على قتلهم، نجا معاوية و عمرو و قتل علي على يد بن ملجم و هو ساجد، قتل من حافظ على مبادئه و نجا معاوية، و معه انتهت عصر الخلافة الرشيدة و بدات دولة حاكمها هو حاكم بامر من الله مخالفته خروج على الملة هذا ما يحدث دائما ، لا مكان للمثاليين بيننا، دائما ما يقتل علي و ينجو معاوية فمن منا علي ومن منا معاوية؟