مركزية الجبهة الوطنية تختتم متابعة التصويت استعدادًا لبدء أعمال الفرز في جولة إعادة النواب    جامعة حلوان التكنولوجية الدولية تنظم زيارة للمعرض الدولي السابع للأقمشة    مجمع الفنون والثقافة يحتضن فعاليات مسرح المنوعات بجامعة العاصمة    محافظ الجيزة: حزمة إجراءات تنفيذية لدعم كفاءة المرافق في حدائق الأهرام    «المشاط»: 65.7 مليار جنيه استثمارات حكومية موجهة لأقاليم الصعيد بخطة 2025-2026    ضياء رشوان: لا يوجد أي نوع من الترتيبات أو الاتصالات بشأن عقد لقاء بين الرئيس السيسي ونتنياهو    أمريكا تفرض عقوبات على 29 سفينة تابعة ل«أسطول الظل» الإيراني    منتخب المغرب يتوج ببطولة كأس العرب بعد الفوز على الأردن    موعد كأس العرب 2029 في قطر: تفاصيل البطولة القادمة    في يومها العالمي.. الأوقاف: اللغة العربية حروفها عبقرية المباني وأصواتها جليلة المعاني    الداخلية تكشف حقيقة نقل ناخبين بسيارة في المحلة    بيلاروسيا تعلن نشر صاروخ أوريشنيك الروسى الفرط صوتى على أراضيها    محاربة الشائعات    أراضى المانع القطرية بالسخنة «حق انتفاع»    عضو "شركات السياحة": لا سياحة حقيقية دون منظومة نقل متكاملة    تقرير: برشلونة لم يتوصل لاتفاق لضم حمزة عبد الكريم    وفد الأهلي يسافر ألمانيا لبحث التعاون مع نادي لايبزيج    الأهلي يرفض بيع عمر الساعي ويقرر تقييمه بعد الإعارة    بنك الإسكندرية يحصل على حزمة تمويل بقيمة 20 مليون دولار أمريكي    الداخلية تضبط سيارة توزع أموالا بمحيط لجان فارسكور    الجيزة: غلق جزئي بمحور أحمد عرابي أعلى محور الفريق كمال عامر غدا الجمعة    نازك أبو زيد: استهداف الكوادر الصحية والمستشفيات مستمر منذ اندلاع الحرب في السودان    المخرج أحمد رشوان يناشد وزارة الثقافة المغربية التحقيق في أزمة تنظيمية بمهرجان وجدة السينمائي    نازك أبو زيد: الفاشر وكادوقلي والدلنج على شفا المجاعة بسبب الحصار    بالصور.. انهيار شقيقة الفنانة نيفين مندور خلال تشييع جثمانها    نازك أبو زيد: الدعم السريع اعتقلت أطباء وطلبت فدية مقابل الإفراج عن بعضهم    إطلاق مبادرة «مصر معاكم» لرعاية أبناء شهداء ومصابي العمليات الحربية والإرهابية    أسرة الراحلة نيفين مندور تقصر تلقى واجب العزاء على المقابر    الداخلية تضبط مطبعة غير مرخصة بالقاهرة    قطر تستضيف مباراة إسبانيا والأرجنتين فى بطولة فيناليسيما 2026    جولة الإعادة بالسويس.. منافسة بين مستقلين وأحزاب وسط تنوع سلوك الناخبين وانتظام اللجان    الأرصاد: تغيرات مفاجئة فى حالة الطقس غدا والصغرى تصل 10 درجات ببعض المناطق    الصحة اللبنانية: 4 جرحى فى الغارة على الطيبة قضاء مرجعيون    محافظ الدقهلية يكرم أبناء المحافظة الفائزين في المسابقة العالمية للقرآن الكريم    وزير الأوقاف يكرم عامل مسجد بمكافأة مالية لحصوله على درجة الماجستير    فوز مصر بجائزتي الطبيب العربي والعمل المميز في التمريض والقبالة من مجلس وزراء الصحة العرب    عبد اللطيف صبح: 55% من مرشحى الإعادة مستقلون والناخبون أسقطوا المال السياسى    ضبط عامل بالدقهلية لتوزيعه أموالًا على الناخبين    محافظ أسوان ونقيب مهندسي مصر يضعان حجر الأساس للنادى الاجتماعى    هل تتازل مصر عن أرص السخنة لصالح قطر؟.. بيان توضيحي هام    الترويج لممارسة الدعارة.. التحقيق مع سيدة في الشروق    بنك مصر يطلق تمويل إكسبريس للأطباء حتى 8 مليون جنيه لدعم القطاع الطبي بسعر عائد تنافسي 5%    الخارجية: عام استثنائي من النجاحات الانتخابية الدولية للدبلوماسية المصرية    الرعاية الصحية: مستشفى الكبد والجهاز الهضمي قدّم 27 ألف خدمة منذ بدء تشغيل التأمين الصحي الشامل    نبيل دونجا يخوض المرحلة الأخيرة من برنامجه التأهيلي في الزمالك    جلوب سوكر - خروج صلاح من القائمة النهائية لجائزتي أفضل مهاجم ولاعب    تكربم 120 طالبا من حفظة القرآن بمدرسة الحاج حداد الثانوية المشتركة بسوهاج    المستشفيات التعليمية تناقش مستجدات طب وجراحة العيون في مؤتمر المعهد التذكاري للرمد    الداخلية تضبط قضايا تهريب ومخالفات جمركية متنوعة خلال 24 ساعة    تخصيص قطع أراضي لإقامة مدارس ومباني تعليمية في 6 محافظات    صحة المنيا: تقديم أكثر من 136 ألف خدمة صحية وإجراء 996 عملية جراحية خلال نوفمبر الماضي    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الخميس 18 ديسمبر 2025    وزير الصحة: الذكاء الاصطناعى داعم لأطباء الأشعة وليس بديلًا عنهم    د. حمدي السطوحي: «المتحف» يؤكد احترام الدولة لتراثها الديني والثقافي    الاحتلال الإسرائيلي يعتقل شابين خلال اقتحامه بلدتي عنبتا وكفر اللبد شرق طولكرم    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 18ديسمبر 2025 فى المنيا.....اعرف صلاتك    بطولة العالم للإسكواش PSA بمشاركة 128 لاعبًا من نخبة نجوم العالم    غياب الزعيم.. نجوم الفن في عزاء شقيقة عادل إمام| صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى خطورة تديين السياسة
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 03 - 2011

لو أن أحدا أراد أن يدلل على خطورة الزج بالدين فى السياسة لما وجد أفضل من الاستفتاء على التعديلات الدستورية نموذجا للتدليل على مخاطر تسييس الدين. فمع أنه كان من المفترض أن أساس الخلاف بين المصوتين بنعم والمصوتين بلا يتعلق بمضمون التعديلات ومدى دستوريتها إلا أننا فجأة وجدنا من يصنف المصريين إلى فسطاطين: مؤمنين وغير مؤمنين تبعا لاتجاهاتهم التصويتية.
بدأ هذا الاتجاه على استحياء عندما رُفعت لافتات تعتبر أن التصويت بنعم واجب شرعى ، ومع أن بعض تلك اللافتات كان يحمل بوضوح توقيع الإخوان المسلمين إلا أنهم نفوا مسئوليتهم فتصدى لحملها السلفيون الذين كانوا قبل شهرين يرفضون تماما أى خروج على الحاكم. وفى مرحلة لاحقة بدا أن الجبهة المعارضة للتعديلات آخذة فى الاتساع وبالتالى انتشرت فجأة فى كل الطبقات والمحافظات مقولة أن التصويت بلا يفتح باب تعديل المادة الثانية من الدستور. وبالطبع فإن هذه الشائعة السخيفة لم تنطلِ على كل من يعلم ما هى المواد الدستورية المطروحة للتعديل ، والواثق من أن تعديل المادة الثانية بالحذف لن يكون وكل الممكن هو التأكيد على الالتزام بمبادئ الشرعية الدولية لحقوق الإنسان فى صلب هذه المادة.
أما المواطن البسيط البعيد كل البعد عن دهاليز السياسة والذى تتملكه حساسية مفرطة من المس بدينه على أى نحو ، فإنه أخذ يُكون اتجاها مضادا للتصويت «بلا» حتى لا يتهمه أحد بالتفريط فى إسلامه. وهكذا حدثتنى معاونتى فى المنزل عن قلقها الشديد على المادة الثانية، وأكد لى حارس العمارة رفضه المطلق تعديل المادة الثانية، ورفع عامل السوبر ماركت سبابته محذرا من المساس بالمادة الثانية . خبث سياسى ما بعده خبث، وخلط للأوراق لا يرتدع صاحبه عنه لحرصِ على مصلحة الوطن أو لدرء الفتنة الطائفية التى اكتوينا بنارها قبل أسبوعين.
ثم مع اقتراب موعد الاستفتاء جرى تطوير اللافتات المرفوعة فى أحياء مصر وعلى شبكة الإنترنت بشكل غريب، وكان أشهر تلك اللافتات واحدة ميزت بين المصوتين بنعم الذين يقفون مع كل من السلفيين والإخوان المسلمين ود. محمد سليم العوا وأ.فهمى هويدى ود.عبد الله الأشعل والشيخ محمد حسان ود.صفوت حجازى والشيخ محمد عبدالمقصود. والمصوتين بلا الذين يصطفون مع كل من: العلمانيين ود.محمد البرادعى ونجيب ساويرس وشريف عرفة وعمرو مصطفى وعمرو موسى وبسمة والكنيسة. فى هذه اللافتة اختلط الحابل بالنابل، وتدنى مستوى الدعاية السياسية إلى أسفل درك، وكشف ليس فقط عن حجب متعمد للعديد من الأسماء الوطنية المعارضة ولكنه أوضح أيضا أن هناك نفوسا مريضة تسعى للإيقاع فيما بين المسلمين وبعضهم وفيما بينهم وبين المسيحيين، هذا إلى ما تعبر عنه اللافتة من نظرة دونية للفن لا يفهم أصحابها أن الرسالة السياسية للفن لا تقل أهمية عن قيمته الإبداعية، وكيف بهم يفهمون؟
حتى إذا جاءت جمعة ما قبل الاستفتاء اعتلى الشيوخ المنابر وركزوا فى خطبهم على دعوة المصلين إلى التصويت بنعم. حول هذا المعنى سمعنا قصصا كثيرة من داخل القاهرة وخارجها، فهل كُتب على مساجدنا أن يُجير خطابها الدينى لخدمة توجهات الحزب الوطنى حينا ومصالح الإخوان المسلمين والسلفيين حينا آخر؟ فى الإطار السابق كان من المنطقى أن تعبئ كنائس مصر أتباعها من أجل التصويت «بلا» على التعديلات الدستورية، إذ ماذا عسانا ننتظر حين تشير الدعاية السياسية إلى أن التصويت بنعم يضع صاحبه فى جانب واحد مع الإخوان والسلفيين؟ أظننا لا ننتظر أن يقف مسيحيو مصر فى هذا الطابور. وماذا نتوقع حين يعلق مجهولون «يفترون على الإخوان» لافتات تعتبر التصويت بنعم واجبا شرعيا ؟ أظننا لا نتوقع أن يبادر المسيحيون إلى أداء هذا الواجب الشرعى حتى يثبتوا انتماءهم لمصر.
وهكذا فإن الحجة الدينية تقابلها حجة دينية، وتوظيف الدين فى السياسة لا ينتج إلا فتنة طائفية، والاستقطاب الدينى لا يفعل إلا أن ينخر فى أساس المجتمع. ومع ذلك فإن ما يبعث على الأمل هو يقظة المواطن المصرى فى مواجهة التوظيف السياسى للدين. على الفيس بوك انتشرت حملات شبابية يرفع أصحابها شعار نحن أيضا نحب الإسلام لكننا سنصوت «بلا». وفى عدة مساجد أجبر المصلون المشايخ على التزام الصمت عندما دعوهم للتصويت بنعم، وفى حالات معينة تردد أنه وقع اعتداء على الشيوخ. وفى يوم الاستفتاء نفسه تم كشف واقعتين أتوقف أمامهما لأنهما شديدتا الدلالة. فى الأولى قامت سيدتان منتقبتان بتوزيع منشورات تدعو للتصويت بنعم أمام إحدى اللجان فتم الإبلاغ عنهما ليتبين بعد ذلك أنهما مدفوعتان من الحزب الوطنى. والواقعة الثانية قام فيها أحد السلفيين بتعليق اللافتة إياها التى تميز بين المصوتين بنعم والمصوتين بلا فهاجمه الناس وأجبروه على نزع اللافتة وقد بدت عليه فيما أظن علامات خزى وخجل. عندما تأملت فى هاتين الواقعتين اللتين تشيران إلى تلاقى مصالح قوى الفساد والتشدد تبينت أى عبقرية انطوى عليها المؤلف وحيد حامد عندما جسد هذا التلاقى بكل وضوح فى فيلم «طيور الظلام». ففى أحد مشاهد هذا الفيلم يقول المحامى الفاسد لصديقه الإسلامى الانتهازى «أنت فى نعيم بسببى» فيرد عليه صاحبه بالجملة نفسها «وأنت فى نعيم بسببى».
إن اللعب على أوتار الفتنة الطائفية لتحقيق مآرب سياسية هو ميراث تركه لنا نظام جثم على أنفاسنا طيلة واحد وأربعين عاما، وليس لدى وهم فى أننا سوف نتخلص من تبعات هذا الميراث بين عشية وضحاها، فكما استخدم النظام السابق فزاعة الإسلاميين لتأجيل الديمقراطية ها هم الإسلاميون يستخدمون فزاعة المادة الثانية للقفز على الديمقراطية. لكن الشىء الذى يطمئن أنه فى الوقت الذى ينفث فيه الحاقدون نيران فتنتهم فإن المواطنين الشرفاء سرعان ما يهيلون عليها التراب لإطفائها، وبهذا وحده يمكن أن نضع الأساس السليم لمصر جديدة هى التى فى خاطرى وخاطرك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.