عقد مركز تاريخ الأهرم ندوة نقاشية حول "الانتفاضة الثورية والمواطنة في مصر" بمركز تاريخ الأهرام، وتحدثت فيها هبة رؤوف، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، وسمير مرقص، الخبير في قضايا المواطنة، وأدارها نبيل عبد الفتاح مدير المركز. مواطنة منقوصة وتحدث نبيل عبد الفتاح قائلا: "إننا عشنا تحت وطأة الأنظمة المختلفة والديكتاتورية التي دفعتنا إلى ثورة 25 يناير. فقد كنا أمام وضع المواطنة المتهم بالتقصير الشديد أمام الوضع السياسي والاجتماعي، وأمام دستور (مرقع) وانتهاك شديد لحقوق الإنسان. فكنا أمام مواطنة منقوصة، والدليل أن الاستفتاءات التي تحدث والتعديل الرابع الفاشل، ذلك الاستفتاء الذي لا يعبر عن شيء سوى عن الإرادة الحاكمة، التي لم تلق أي اعتراض من قِبل الأحزاب السياسية الكارتونية، وزاد وانتشر الفساد والتزوير، حتى أصبحت الثقافة المهيمنة على الانتخابات هي ثقافة التزوير". تمييزات ظهرت مؤخرًا وأضاف عبد الفتاح: "لقد شهدت المواطنة تمييزات عديدة من كل النواحي، الاجتماعية والحريات السياسية. ففي الوقت التي تحاول الأنظمة فيه أن تحسن من صورة مصر أمام العالم، من إظهار مزور للحياة الاجتماعية والسياسية، كانت المرأة تواجه إعاقات لدورها في الحياة السياسية؛ مدعومة بالثقافة الذكورية المهيمنة على الوضع الاجتماعي والديني في مصر". مضيفا "أنه بالرغم من توقيع اتفاقية سيداو المناهضة للتمييز ضد المرأة في التسعينيات من القرن الماضي، لم يمنع وجود تمييز ذكوري للمرأة، ولم تقتصر أنواع التمييز عند ذلك الحد، فقد ظهر التمييز بين البدو والنوبيين، والتمييز بين الصعيد والدلتا، وبين القاهرةوسيناء والإسكندرية". وقد اختتم كلامه بأن الوضع المتردي للحريات والحياة السياسية والاجتماعية، من رشوة وخلل في سياسات توزيع الدخل على المواطنين، كان يدار بخطة محكمة للسير على النهج السوري، وتوريث السلطة كما حدث هناك، تحت مسمى الاختيار الحر. فالتغيير في مصر جاء من أسفل، وأنهى موضوع التوريث من أعلى". لحظات استثنائية وأهم نتائج الثورة وفي مداخلتها، التي اعتبرتها أقرب إلى "طرح همّ" من أن تكون سياسية، قالت دكتورة هبة: إن تلاحق الأحداث وضخم زخمها، لم يتح الكتابة، في موضوع الثورة. وأرادت أخذ موضوع الثورة، بشكل مختلف، فسألت: "ماذا لم يحدث؟ أو ما الذي منعه قيام الثورة؟". وأجابت على تساؤلها: "إن من أهم نتائج الثورة المصرية في 25 يناير هو إجهاض ثورة الجياع التي ظل المفكرون يشيرون إليها". وأضافت: "إن ما يحدث من سيناريو تفجير للأقليات، كالنوبيين وبدو سيناء، منع بقيام ثورة يناير". كما ذكرت، ما أسمته، باللحظات الاستثنائية خلال فترة الثورة، من تأمين الصلاة للمسلمين من قبل المسيحيين، وتأمين القداسات من قبل المسلمين. التدافع للحصول على جزء من الغنيمة وتعجبت من "كيفية التدافع والانتقالات البهلوانية من موقف لموقف" للحصول على جزء من المشهد السياسي في مصر، ودعت القيادات الإسلامية والسياسية بالتروي وأخذ النفس، مؤكدة أن رأس المال الاجتماعي مختلف تمامًا عن رأس المال السياسي. ف"عمرو خالد" مثلا لديه رصيد اجتماعي قوي، وليس معنى هذا زيادة رصيده في السياسة، وأن "عبود الزمر" له بعد سياسي مهم وقوي في أحداث مصر، ولكن هذا لا يمنع من ضرورة البحث في زيادة رصيده الاجتماعي، "فالمنهج السياسي يجب ترويضه للانخراط في المنهج الاجتماعي". وأضافت: "يجب الوعي أولا لما يحدث، وما هو واقع، من صعوبة تأسيس القواعد والأساس لكي نفهم بحق، ماذا تعني ثورة". ثورة يناير واختلافها عن ثورات مصر التاريخية وأضاف سمير مرقص أن "ثورة يناير مختلفة عما سبقها من ثورات وتغيير في تاريخ مصر الحديث، فثورة 1919 كانت ثورة الطبقة السياسية المثقفة، والتي انتشرت لجميع أطياف مصر فيما بعد. وثورة الضباط الأحرار، كانت انقلابا في الجيش ثم اكتسب دعم الشعب، وتحول إلى ثورة، صبت محتوياتها في كاريزما عبدالناصر، وحركة الجيش". وأضاف: "ولكن ثورة 25 يناير، منذ أول يوم لها اتخذت طابعا شعبيا، وتمثلت مطالبها في الاصلاح السياسي والاجتماعي، من خلال أول شعاراتها: (تغيير.. حرية.. عدالة اجتماعية)". معوقات المواطنة في مصر وعن معوقات المواطنة في مصر، تحدث مرقص قائلا: "وجود شبكة امتيازات مغلقة، وجهاز بيروقراطي لخدمة تلك الشبكة المغلقة. وغياب مفهوم الوطن الجامع واختصاراته إلى مفهومات المواطن الأولية كالدين والأعراف". وقال: "إن الأحداث الطائفية الأخيرة، هي شكل من أشكال المعوقات الأساسية، فهي الحلقة الضعيفة الناجحة في استخدامها، لوقف مد الثورة". وأضاف: "إن مصر كادت تكون قد حسمت أمرها بظهور (الإمام محمد عبده) في بداية القرن العشرين، ولكن الخصومات أعادت مصر إلى ما قبل عصر (محمد عبده)". كما أكد على حتمية التصالح بين الدين والمدنية، وتجاوز المؤسسات الدينية القائمة، قائلا: "نحن نجد مثلا أن موقف الكنيسة حول التعديلات الدستورية، بوجوب رفضها، قائلة: (إنها مسؤولية كنسية)، في حين يدعو الإخوان إلى قبولها باعتبارها (واجبًا شرعيًّا)". ضمان المرحلة القادمة واتفق المناقشون على عدة نقاط أساسية يجب أخذها في الاعتبار لضمان الاستقرار في المرحلة القادمة، منها: تأسيس علاقات جديدة بين الرئيس والجماهير، واهتمام المواطن بالمصلحة العامة أولا، والاهتمام بتكوين مؤسسات الدولة والتمسك بدور مصر الثقافي والتوعوي، كما أكدوا على حرية تكوين التشكيلات المدنية بأنواعها من جمعيات وأحزاب.