كان المسئولون فى العواصمالغربية يتجادلون حول الدور الذى ستلعبه جماعة الإخوان المسلمين فى مصر جديدة وشرق أوسط متغير، حتى قبل أن يستسلم حسنى مبارك للجماهير فى ميدان التحرير، ويتخلى عن منصب الرئيس المصرى فى 11 فبراير. بيد أن الكثير مما نعرفه أو نعتقد أننا نعرفه عن طموحات الجماعة، ومعتقداتها وتاريخها يخيم عليه مفاهيم خاطئة. 1 الإخوان المسلمون منظمة عالمية شهدت جماعة الإخوان المسلمين التى تأسست فى مصر عام 1928، انتشار أفكارها بسرعة فى أنحاء العالم العربى وتجاوزاته. واليوم تنسب جماعات فى أكثر من 80 دولة معتقداتها الفكرية إلى الإخوان المسلمين، غير أن هذه الكيانات لا تشكل وحدة متماسكة. وعلى الصعيد العالمى، تعتبر الإخوان المسلمين مدرسة فى التفكير أكثر منها منظمة رسمية يحمل أعضاؤها بطاقات. وقد فشلت محاولات خلق هيكل عالمى أكثر رسمية، وبدلا من ذلك اتخذت الحركة عدة أشكال. فهى تعمل كحزب سياسى عندما يكون ذلك مسموحا، مثلما فى الأردن، وعندما يتم حظرها، كما فى سوريا تبقى سرية؛ وفى الأراضى الفلسطينية، اتخذت شكلا مميزا وصارت حماس. وتعمل كيانات الإخوان بصورة استقلالية على الرغم من أنها تتفاعل عبر شبكة من العلاقات الشخصية والمالية والأيديولوجية، ويسعى كل منها لتحقيق أهدافه على النحو الذى يراه مناسبا. ويربط بينها إيمان عميق بالإسلام كوسيلة للحياة، حتى إنها تأمل أن تتحول فى الأجل الطويل إلى نظام سياسى، يستخدم أساليب مختلفة فى أماكن مختلفة. 2 الإخوان سوف يسيطرون على مصر الجديدة مع ضعف مصداقية معظم القوى السياسية فى مصر اليوم وسوء تنظيمها، يفترض كثيرون أن الإخوان تنظيم سياسى مجهز بصورة جيدة، سوف يلعب دورا كبيرا فى مستقبل البلاد. وهذا ليس أمرا مستبعدا، غير أن هناك أسبابا للاعتقاد بأن الجماعة لن تهيمن على مصر ما بعد مبارك. فعندما حاورت أعضاء فى مجلس شورى الجماعة عام 2009، قدروا أن مؤيدى الجماعة 60 فى المائة من المصريين حيث يعتبرونها المعارضة الوحيدة لمبارك الصالحة للبقاء غير أن نحو 20 فى المائة فحسب سوف يدعمونها فى أى انتخابات حرة افتراضية. وربما يكون حتى ذلك التقدير متفائلا. فقد أوضح استطلاع لرأى المصريين أجراه معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، بعد سقوط مبارك أن ما لا يزيد على 15 فى المائة ممن أبدوا آراءهم وافقوا على الإخوان، بينما لم يتلق قادة الجماعة سوى واحد فى المائة بالكاد فى تصويت أجراه معهد سترو على رئاسة الجمهورية. وخلال العقد الماضى، تصارع المتشددون من كبار السن، والجيل الثانى من الذين تتراوح أعمارهم حول خمسين عاما على قيادة الإخوان. وهناك الكوادر الأصغر سنا التى شاركت فى حركة الاحتجاج ضد مبارك وأدانت تأخر مشاركة قياداتها الأكبر سنا فيها. وسوف يتحدد دور الإخوان فى السياسة المصرية على أساس كيفية تطور هذه الانقسامات. 3 جماعة الإخوان تسعى لفرض صيغة متشددة من الشريعة سوف تضغط جميع فصائل الإخوان الآن من أجل زيادة نفوذ الشريعة فى مصر. ومع ذلك، سوف تحدد المعركة بين الأجيال، شكل الشريعة التى يتبعونها. ومازال شعار الحرس القديم «القرآن دستورنا». بينما يتحدث الجيل الثانى عن حقوق الإنسان، ويقارن نفسه بالمسيحيين الديمقراطيين فى أوروبا فهم يعتنقون الديمقراطية ويحافظون على الهوية الدينية. أما الجيل الثالث، خصوصا فى المناطق الحضرية، فيبدو أنه يقر هذا النهج، على الرغم من أن المتشككين يرون أن العناصر الشابة من الإخوان تحاول أن تطرح نفسها كواجهة معتدلة فحسب أمام الغرب. وحتى الآن، يتمتع الحرس القديم بالهيمنة. وفى عام 2007، أصدر الإخوان أول برنامج سياسى مهم لهم، وتغنوا بالديمقراطية، وأوضحوا أن المرأة وغير المسلمين لا يمكنهم تولى مناصب عليا فى الدولة، وطالبوا بمنح هيئة من خبراء الشريعة غير المنتخبين حق الاعتراض على القوانين الجديدة. وسوف يتحدد شكل مواقف الجماعة من أكثر جوانب الشريعة إثارة للجدل من حقوق المرأة إلى الحريات الدينية بناء على مدى بقاء الحرس القديم فى قيادة الجماعة. 4 جماعة الإخوان المسلمين تربطها علاقات مع القاعدة تاريخيا، نعم. ولكن هذه العلاقات توترت حاليا. ففى الخمسينيات والستينيات تعرضت الجماعة لقمع وحشى على يدى نظام جمال عبدالناصر. وبعد أن أدرك معظم الجماعة أن العنف ضد عبدالناصر كان خيارا فاشلا، انحازوا إلى المعارضة غير العنيفة، سعيا لأسلمة المجتمع عبر التربية بداية من مستوى القاعدة، والسياسة السائدة. غير أن جناحا أصغر، يقوده فكر سيد قطب الدينى، اختار العنف. ويرى هذا الفصيل أن الأسلمة من أسفل كانت بطيئة للغاية، وسوف تعوقها قوى محلية وأجنبية. وقد ظلت فكرة قطب عن العنف المبرر دينيا، تلهم أجيالا من الجهاديين فى أنحاء العالم. وتأثر عدد من قيادات القاعدة فى بداية حياتهم بالإخوان، ومن بين هؤلاء بن لادن، وخالد شيخ محمد؛ بيد أن أملهم خاب فى المنظمة لاحقا. وبينما لم ينبذ الإخوان العنف تماما حيث أيدوا اللجوء إليه فى العراق، والأراضى الفلسطينية، وأفغانستان وغيرها من الأماكن التى تعتقد الجماعة أن المسلمين يتعرضون فيها لهجوم واختلفت الجماعتان مؤخرا حول التكتيكات والفكر الدينى. حتى أن المصرى أيمن الظواهرى، الرجل الثانى فى القاعدة، كتب كتابا يهاجم فيه الجماعة لاستبدالها بطاقات الاقتراع بطلقات الرصاص. 5 واشنطن لا يمكنها العمل مع الإخوان اتخذ مسئولو الولاياتالمتحدة والإخوان المسلمون مواقف علنية حادة تجاه بعضهم البعض فى الآونة الأخيرة. وقد أطلق روس ليتينين، رئيس لجنة الشئون الخارجية فى مجلس النواب على الإخوان «العنصر الشائن» فى السياسة المصرية، بينما قال محمد بديع المرشد الأعلى للإخوان أن أمريكا «تتجه إلى حتفها». وبصرف النظر عن ذلك، ربما يكون هناك فرصة للتعامل مع العناصر الأكثر اعتدالا من الإخوان. وهو ما حدث من قبل: فمنذ أوائل عهد أيزنهاور، تواصلت عناصر من حكومة الولاياتالمتحدة مع الجماعة، ورأت فى رسالتها الدينية حصنا محتملا ضد الشيوعية. ولم تكن تلك شراكة حقيقية، ولكن خلال الحرب الباردة، نحت واشنطن والجماعة انعدام الثقة جانبا لإرساء تعاون محدود فى بعض الأحيان. وفى الشهر الماضى، واجه البيت الأبيض انتقادات عندما قال إنه سوف يتقبل وجود دور للإخوان المسلمين فى السياسة المصرية، إذا نبذت الجماعة العنف وتقبلت أهداف الديمقراطية. ولكن حتى فى أعقاب 11 سبتمبر 2001، راودت بعض العناصر من داخل وكالة الاستخبارات الأمريكية سى آى إيه ووزارة الخارجية فكرة العمل مع الإخوان ضد القاعدة، على أساس أنه لا يفل الحديد إلا الحديد. وحتى إذا وجدت واشنطن والإخوان سبلا للتعايش معا، فمن المستبعد حدوث نجاحات كبيرة فى السياسة الخارجية. فربما يؤدى حصول الجماعة على بعض النفوذ فى مصر إلى أن تصبح أكثر براجماتية، ولكن معارضة سياسة الولاياتالمتحدة فى المنطقة تمثل حجر الزاوية فى أجندتها، وقد لا يتغير ذلك.