ثمانية عشر يوماً مرت ولم استطع خلالها أن امسك بقلمى لأكتب كما اعتدت ان أفعل دوماً ، فقد كنت فى حالهأشبه بالقاروره التى إمتلأت بالمياه التى تجمدت فصارت كالثلج بين يدى شخص يكاد يموت من شدةالعطش الا انه لا يستطيع ان ينتفع بهذه المياه ، هذه أشبه ما تكون بحالتى التى عشتها فى هذه الايام ،عقلى ملىء بالافكار ، وقلبى ملىء بالاحاسيس ، وجسدى ملىء بالنشاط ، أدراجى مليئه بالاقلام والاوراقولكننى حقاً لا استطيع أن اكتب كلمه واحده لاننى شعرت أن أى كلمه سوف اكتبها مهما بلغت درجة قوتهاوبلاغتها لن تستطيع ان تصف ما اشعر به . فهل نحن حقاً هنا ، فى مصر ، هل نحن حقاً نحن ، هل حدث فعلا ما حدث . ثمانية عشر يوماً مرت علينا شعرنا فيهم بجميع أصناف وانواع المشاعر التى قد يمر بها المرء فى حياتهبدأت مشاعرنا تتشكل فى يوم 25 بكثير من الدهشه مما يحدث وكثير جداً من اليأس أن شىء لن يحدث ، ثمتحولت الاحاسيس فى يوم جمعة الغضب الى مشاعر متضاربه من الشعور بالدونيه ونحن نرى جميع أشكالوأنواع الاتصالات قد تم قطعها عنا ثم نرى المحطات الفضائيه وقد تم حجبها فشعرت ساعتها فى منتصفالنهار اننى لا اساوى شىء فى هذه البلد وان هؤلاء يتعاملون معنا كالحيوانات التى بمقدورهم منع الطعاموالشراب عنهم فى اى وقت . وعندما بدأت الامور تتكشف فى ليل هذا اليوم العصيب وبدأت قوات الشرطه تتبخر فى الهواء كالمارد الذىيخرج من المصباح فإذا لم يجد من يطلب منه سبع طلبات يتبخر ويحترق ، ثم بدأت سلسلة الحرائق وأعمالالسلب والنهب والسرقه وقبلها بقليل كان مشهد نزول الجيش الى شوارع القاهرة ، شعرت بقشعريره تهزبدنى فماهذا الذى ارى ، هل يحدث هذا فى مصر ، مشاهد لم تتعود عيناى على رؤيتها فى هذا البلد الطيب ،وسرعان ما تحول الشعور الى خوف شديد بل و ارتعاده فى القلب حتى جاءت لحظة الخطاب الاول الذى القاهالرئيس السابق فقلت ان الامور سوف تسير الى الافضل وستنتهى كأى أزمه مرت بها مصر من قبل ، وما اناستمعت الى الخطاب حتى إذددت خوف ورهبه ثم جاءتنى رساله على التليفون المحمول مفادها بان الجيشيهيب بالمواطنين حمايه انفسهم وممتلكاتهم ، وبعدها ارتفعت أصوات المنابر فى جميع المساجد المحيطهتطلب من الجميع فوراً التجمع ، فإرتديت ملابسى وأنا مرتعد الفرائص وأنا ارى الاهل والاطفال وكأنهميودعون شخص فى طريقه الى الحرب . أيام من الرعب والخوف واليأس مرت ثقيله ، بين طلقات الرصاص من الحين الى الاخر وبين الاشخاص الذينكنا نمسك بهم من الحين الى الاخر . وفى يوم الاربعاء الدامى تحول الاحساس الى الكثير من الاشمئزاز كونى انتمى الى مكان يحمه هؤلاء الذيننزع منهم كل تحضر وضمير ودين ووضع بدلاً من هذا كل همجيه و خبث وإجرام فقد كانت كل صخره تجد مكانهافوق راس احد هؤلاء الشباب المناضل وكأنها قد وجدت مكانها فوق راسى انا . اختلفت المشاعر والاحاسيس من يوم الى اخر ومن ساعه الى اخرى وأنا اشاهد صور الشهداء الذين ضحوا بزهرةشبابهم من أجل هذا الوطن ، وانا أشاهد الكثير من الناس يتلون كل يوم بلون مختلف ويحاول ان يتماشى مع مايجده هو الرهان الفائز ، وأنا أشاهد الاعلام المصرى الذى أجرم فى حق كل مصرى على ارض هذا الوطن . حتى جاءت لحظه لم اكن أحلم اننى سأراها طيلة حياتى ، لحظة النطق بالبراءه لشخص قد حكم عليه بالاعدام ،لحظة ان تحررت البلاد من عصر كامل من الظلم والفساد والاستعباد والفتنه التى صنعها هذا النظام الفاشىالذى حكم البلاد بقانون الفتنه لكى يجعل رؤسنا دائماً منشغله بها فتاره يصنع فتنه بين ابناء الشعبالمصرى من مسلمين ومسيحيين ولا يتورع فى فعل اى شىء من اجل هذا ، وتاره يصنع الفتنه بين أبناءالشعب الواحد بسبب الرياضه وكرة القدم ، وتاره يصنع الفتنه بين الشعوب العربيه وبين شعبنا عنطريق قضايا تافهه كمباراة كرة قدم يخرج بعدها الابن الاكبر لهذا الحاكم المخلوع لكى يسب ويشتم شعبشقيق بأكمله من أجل مباراة كرة قدم . وإذا لم يجد هذا النظام المخلوع فتنه يصطنعها ، فإنه يبحث عن أى أزمه تجعل المواطن فى حالة غيبوبهفكريه فلا تراه يهتم الا بقوت يومه فقط . وما أن نطق هذا الرجل الذى جاء به الرئيس المخلوع فى الوقت الضائع فصار كمن يأتى الى المحكوم عليهبالاعدام لحظة إعدامه لكى يقول له " نفسك فى ايه " فلا يملك المرء فى هذه اللحظه الا ان يكرهه حتى ولوكان صديقاً ، ما ان نطق بالتنحى حتى شعرت ان هذه المياه المتجمده قد ذابت وشعرت بان الحبر قد عاد الىقلمى ، وبكيت كثيراً كالطفل الذى وجد شىء يحبه كان قد ضاع منه منذ وقت طويل . هذا العصر الجديد الذى لم نكن نتوقع ان نراه فى يوم من الايام ، علينا ان نكون فى مستواه وان يذكرناالتاريخ بعد أن نفنى بأننا صانعى النهضه الحديثه لهذا البلد التى اثبتت الازمه أنها مليئه بالخيروالحب والتسامح والقوه والجمال والمال والاراده والدماء . تحيه الى كل من صنع التاريخ بدمه وبصوته وبفنه وبوقته وبرزقه . عاشت مصر