مثلت ثورتا مصر وتونس منعطفا مهما نحو مرحلة عربية جديدة.. فما جرى فى تونس ثم امتد إلى مصر كان سريعا ومفاجئا واستراتيجيا إلى حد أنه أضحى محطة تاريخية فاصلة، وهو ما دفع «الشروق» إلى استطلاع آراء عدد من الخبراء العرب حول احتمال الإطاحة بأنظمة عربية حاكمة أخرى بعد نظامى حسنى مبارك (82 عاما)، الذى حكم ثلاثين عاما، وزين العابدين بن على (74 عاما)، الذى قضى 23 عاما فى الحكم. هؤلاء الخبراء أجمعوا على أن الثورة العربية الثالثة قادمة لا محالة، مرشحين ليبيا واليمن والجزائر على الترتيب كأنظمة جمهورية مرشحة لهذه الثورة، ومشددين على أنه لا ثورة بدون الشباب. وقال الباحث فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عمرو الشوبكى إن «النظم الجمهورية جميعها، والتى تشترك فى قبض رؤسائها على السلطة لفترات طويلة، باتت مهددة بثورات قريبة، وعلى رأسها اليمن والجزائر». مقارنا بين النظم الجمهورية والملكية، أوضح الشوبكى أن «شعوب النظم الجمهورية تطالب بتغييرات جذرية فى النظام أما فى نظيرتها الملكية فتطالب الشعوب بإصلاحات داخل النظام، وهو ما يجعل الجمهورية مهددة أكثر بالثورات». الشوبكى توقع «سقوط نظام (الزعيم الليبى معمر) القذافى القائم منذ 42 عاما.. ليبيا مقبلة على تغييرات كبيرة، لاسيما أن مؤسسات الدولة ضعيفة جدا». وعن موقف الجيش الليبى، قال الشوبكى: «حتى هذه اللحظة هناك تعتيم شديد، لكن الجيش الليبى كغيره من الجيوش العربية لن يستخدم العنف ضد شعبه، وسينحاز فى نهاية المطاف إلى المتظاهرين»، متوقعا أن «تتصاعد الاحتجاجات فى دول أخرى، مثل الجزائر واليمن». «لقد ولت إلى غير رجعة المرحلة التى كانت فيها الولاياتالمتحدة تهيمن على القرار العربى، فالاحتكار السياسى والظلم الاجتماعى والتطبيع مع العدو الصهيونى وسياسات كامب ديفيد تمثل إنذارا بالثورة لكل نظام عربى يسير على هذا النهج»، وفقا للكاتب والمحلل السياسى اللبنانى كمال شاتيلا. شاتيلا مضى قائلا: «لقد أثرت ثورة مصر على العالم العربى، إننا نعيش عصر الشعوب المصممة على المشاركة فى صنع القرار وتطبيق الديمقراطية، ولن تستطيع أى قوى خارجية وقف المد القومى العربى الذى سينطلق مجددا من مصر». هو الآخر يرى المحلل السياسى الجزائرى عبدالعال الرزاقى أن «الكلمة فى الأيام المقبلة ستكون للشعوب.. احتجاجات الجزائر مجرد شرارة لثورة على غرار الثورة المصرية، فالفساد فى الجزائر مخيف جدا، رغم إمكاناتها المالية الجيدة التى يهدرها نظام الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة (74 عاما ويحكم منذ أكثر من 12 عاما) الذى لا يحل مشاكل الفقر والبطالة». وشدد الرزاقى على أن «الشعب الجزائرى يريد نقل السلطة إلى جيل جديد». بدوره، شدد المحلل السياسى العراقى فاضل الربيعى على أن «ما صنعه شباب ميدان التحرير فى مصر ساعد فى إعادة تشكيل الأمة العربية، فقد أثبتت الثورتان المصرية والتونسية أن الشعوب العربية قادرة على إنجاز مهام تاريخية كبرى دون إراقة الدماء.. وعلى الأنظمة العربية إعادة صياغة علاقتها مع شعوبها تجنبا لاستحقاقات ثورية». وعن الحالة العراقية، يرى الربيعى أن «سلسلة الاحتجاجات التى بدأت فى العراق قابلة للتطور إلى احتجاجات حاشدة وانفجار شعبى يمكن اعتباره ثورة ضد الاحتلال الأمريكى والطبقة السياسية الفاسدة.. فالعراق من الدول المرشحة لتغييرات رغم ظروفه الاستثنائية من وجود احتلال وميليشيات وانقسام طائفى». أما أستاذ العلوم السياسية فى الجامعة المحمدية بالمغرب، محمد ضريف، فقال إن «التوقعات بعد ثورة الياسمين التونسية تذهب إلى تكرار هذا السيناريو فى دول الحزب الواحد المهيمن مثل الحزب الوطنى فى مصر». ومضى ضريف قائلا: «نظرا لمكانة مصر فى العالم العربى، فإن الثورة المصرية سيكون تأثيرها أقوى من نظيرتها التونسية.. والأمل معقود على الشباب، وهذا أحد الدروس المستخلصة من ثورتى مصر وتونس، وما يجب أن يراهن عليه الجزائريون». وشدد على أن «الجزائر لن تحذو حذو مصر إلا بخروج الشباب»، موضحا أن «القوى السياسية هى التى تدعو إلى مسيرات فى الجزائر، لكنها تلقى استجابة ضعيفة من الشباب، نظرا لما تحمله هذه القوى من ماض سيئ، إضافة إلى أنها تغازل السلطة فى الكواليس.. ففى الجزائر المؤسسة العسكرية هى التى تحكم البلاد، وليس بوتفليقة، وحتى إذا نزل الشباب إلى الشارع، وظلت المؤسسة العسكرية متماسكة، فلن يحدث شىء». وبينما رشح المحلل السياسى اليمنى جمال الجعى الجزائر ك«أول الدول لاندلاع ثورة بعد مصر، جراء انقطاع الحوار بين السلطة والمعارضة»، رأى أن «الأوضاع فى اليمن لم تصل إلى مرحلة القطيعة بين السلطة والمعارضة، كما أن ثورتى مصر وتونس دفعتا السلطات فى أكثر من بلد نحو الحوار مع المعارضة، فضلا عن إعلان الرئيس على عبدالله صالح (69 عاما)، الذى يحكم منذ 33 عاما، عدم تشرحه لانتخابات عام 2013 وعدم توريث الحكم لنجله أحمد». أما المحلل السياسى السورى عبدالحميد أتاسى فيرى أن «الأنظمة العربية مستهدفة بدرجات متفاوتة، وعلى رأسها الجزائر واليمن، فأسباب الثورة موجودة فى كل دولة عربية، وعلى رأسها سوريا التى تعانى فسادا وفقرا وقمعا للحريات على عكس توافر الحريات فى مصر وتونس.. الوضع فى سوريا بحاجة لبعض الوقت، وستشكل الثورة المصرية حافزا للسوريين». ويعتقد الكاتب والمحلل السياسى الأردنى سلطان الحطاب أن «الجزائر هى الدولة المرشحة للثورة التالية، بسبب الاحتقان التاريخى المتراكم منذ تسعينيات القرن الماضى»، مشددا على أن «الخطر يواجه أنظمة الحكم فى الدول التى يوجد بها حزب واحد مهيمن على شىء.. لذا استبعد اندلاع ثورة فى الأردن، نظرا لتعدد الأحزاب بها، فضلا عن استجابة ملك الأردن لمطالب الشعب بتغيير الحكومة». أما مدير مركز رام الله لدراسات حقوق الإنسان إياد البرغوثى فيرى أن «الانسجام السكانى فى مصر وتونس ساعد على نجاح الثورة.. وأنا أرشح اليمن لاندلاع ثورة تطيح بالرئيس عبدالله صالح». ومضى البرغوثى قائلا إن «حركة المعارضة فى اليمن أكثر تنظيما من الجزائر، كما أن أحزاب اليمن نشيطة ولها تاريخ، أما فى الجزائر فالجيش يعد جزءا من السلطة، ولن يكون على الحياد، بل ستكون ردة فعله عنيفة ضد المحتجين».