مستثمرون: حوافز الحكومة للقطاع الصناعى تخدم توطين الصناعة الوطنية وتقلل فاتورة الواردات    التزامات مصانع الهواتف المحمولة 9 ملايين وحدة خلال العام الجارى    الضفة.. إسرائيل تفرض تصاريح خاصة على فلسطينيي قريتين وحي    الاتحاد الأوروبي يبحث ضمان قرض لأوكرانيا ممول من الأصول الروسية المجمدة    سيسكو يقود هجوم مانشستر يونايتد لمواجهة تشيلسي في البريميرليج    زمالك 2009 يفوز على المقاولون العرب في بطولة الجمهورية    فليك قبل مواجهة خيتافي: لا أحد أهم من برشلونة.. والفريق هو الأولوية    تجديد حبس صانع المحتوى محمد عبدالعاطي 45 يوما في اتهامه ببث فيديوهات خادشة    أكرم فريد يقدم ورشة مجانية للمواهب الشابة في الإخراج ضمن فعاليات مهرجان بورسعيد السينمائي    عشنا 7 سنين صعبة.. كارول سماحة تحكي صراع زوجها وليد مصطفى مع المرض    جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا تستقبل العام الدراسي الجديد بمنظومة تعليمية متطورة ونخبة من الكفاءات الأكاديمية    جامعة أسيوط تستمر في استقبال الطلاب بالمدينة الجامعية مع انطلاق العام الدراسي الجديد    برايتون يفرض التعادل على توتنهام بمواجهة مثيرة في البريميرليج    بحضور وزير الرياضة.. ختام استثنائي لبطولة CIB المفتوحة للإسكواش الماسية بفوز مصطفى عسل وهانيا الحمامي    بمشاركة رامي ربيعة.. «هاتريك» لابا كودجو يقود العين لاكتساح خورفكان بالدوري الإماراتي    اليابان تقرر تأجيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية في مؤتمر "حل الدولتين" بنيويورك    مصرع ربة منزل سقطت من علو أثناء نشر الغسيل بالقليوبية    التشكيل الرسمي لقمة مان يونايتد ضد تشيلسي في الدوري الإنجليزي    وزير الري يتفقد الموقف التنفيذي ل"مشروع تنمية جنوب الوادي" في أسوان    نورا عبدالرحمن تكشف كواليس مشاركتها في مسلسل "ما تراه ليس كما يبدو"    محمد لطفي يطمئن جمهوره: "أنا زي الفل وما نشر عن حالتي الصحية كذب    رحيل الفنان التشكيلى مجدي قناوي عن عمر 82 عامًا .. وفاروق حسني ينعيه    وزير فلسطيني سابق: إسرائيل لم تعد تتمتع بدعم حقيقي سوى من ترامب    الإفتاء تعلن أول أيام شهر ربيع الآخر لعام 1447 هجريا غدا بعد صلاة المغرب    يحمي من تصلب الشرايين ويعزز صحة العظام، 6 فوائد أساسية للكرفس    طريقة عمل القراقيش سادة ومحشية بطعم أيام زمان    الأقصر تستعد لتنفيذ تجربة «صقر 162» لمجابهة الأزمات والكوارث    مواقيت الصلاة في المنيا اليوم السبت 20سبتمبر2025 في المنيا تعرف عليها..    رئيس الجالية المصرية بجدة: زيارة وزير الخارجية إلى المملكة تعكس متانة العلاقات التاريخية    فستان جريء.. كيف نسقت نيكول سابا إطلالتها في أحدث ظهور؟    سؤال برلماني لوزير التعليم بشأن تطبيق نظام البكالوريا.. ويؤكد: أولادنا ليسوا فئران تجارب    فيديو قديم يُثير الجدل بالشرقية.. الأمن يكشف كذب ادعاء مشاجرة بين سيدتين    تحذيرات من النظر.. كسوف جزئي للشمس غدا الأحد (تفاصيل)    محافظ الأقصر يكرم عمال النظافة: "أنتم أبطال زيارة ملك إسبانيا" (صور)    9 كليات بنسبة 100%.. تنسيق شهادة قطر مسار علمي 2025    تحت شعار «عهد علينا حب الوطن».. بدء العام الدراسي الجديد بالمعاهد الأزهرية    أكاديمية الشرطة تنظم دورة لإعداد المدربين في فحص الوثائق    لتحسين البنية التحتية.. محافظ القليوبية يتابع الانتهاء من أعمال رصف الطرق بمدن المحافظة    المجلس التنفيذي لمحافظة أسوان يوافق على تخصيص أراض لإقامة مشروعات خدمية وشبابية وتعليمية    فيديو هدف ليفربول الأول أمام إيفرتون صناعة صلاح وتسجيل جرافينبيرخ    بالصور.. السفير بسام راضي يفتتح الموسم الثقافي والفني الجديد للأكاديمية المصرية بروما    "بحضور لبيب والإدارة".. 24 صور ترصد افتتاح حديقة نادي الزمالك الجديدة    ترامب: نجري محادثات لاستعادة قاعدة بغرام بأفغانستان.. وإعادة تأسيس وجود عسكري أمريكي صغير هناك    موعد صلاة العصر.. ودعاء عند ختم الصلاة    بالصور.. تكريم 15 حافظًا للقرآن الكريم بالبعيرات في الأقصر    القسام تنشر صورة "وداعية" للأسرى الإسرائيليين    حملات موسعة لإزالة الإشغالات واستعادة المظهر الحضاري بشوارع الزقازيق    وزير الصحة: توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الطبية    المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل تستهدف 12 مليون مواطن    وزير الصحة يبحث مع مسئولي هواوي التعاون في التكنولوجيا الطبية    محيي الدين: مراجعة رأس المال المدفوع للبنك الدولي تحتاج توافقاً سياسياً    «الداخلية»: ضبط 3 متهمين بالنصب على صاحب محل بانتحال صفة بالقاهرة    القومي للمرأة ينظم لقاء حول "دور المرأة في حفظ السلام وتعزيز ثقافة التسامح"    الرئيس السوري: اتفاق مع إسرائيل بوساطة أمريكية قد يوقع خلال أيام    مدير مدرسة بكفر الشيخ يوزع أقلام رصاص وعصائر على تلاميذ الصف الأول الابتدائي    «التخطيط القومي وجهاز المشروعات» يوقعان اتفاقية مع الأمم المتحدة لدعم الاقتصاد الأخضر    نظر تجديد حبس البلوجر علياء قمرون| بعد قليل    دعاء كسوف الشمس اليوم مكتوب كامل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القارىء طاهر حماد يكتب : أنا ميدان تحرير نفسي
نشر في الشروق الجديد يوم 21 - 02 - 2011

أبى ميدان التحرير إلا أن يكون ميداناً للأحرار بعد ما كان "ميدان الخديوي إسماعيل" الذي انشأه ليكون قطعة أوروبية، ثم جاء انقلاب 52 أو ثورة يوليو لتطلق عليه "ميدان التحرير" ثم ميدان أنور السادات بعد حادث المنصة، ثم ها هو الآن يشهد ثواراً أحرار شباباً وشيباً ونساء واطفالاً يسطرون بجرأتهم ودمائهم آيات من نور واقفين بعزة وكرامة وشموخ واضعين تحت أقدامهم أصناماً وظلاماً وطواغيت وقوارين "جمع قارون" كأنهم الذر والصراصير الحقيرة والضعيفة بعد ما كانت تعبد من دون الله.
لقد فضح هؤلاء الثوار عشرات من الكبار الذين كانوا يحنون الرؤوس، ويتقدمون خاشعين، يحملون ضرائب الذل، وتحني هاماتهم، وتلوي أعناقهم، وتُنَكِّس رؤوسهم ليقبلوا الأيدي والأقدام .... ثم يُطْرَدُون كالكلاب.
لقد كان في وسعهم أن يكونوا أحراراً، ولكنهم اختاروا العبودية، وفي طاقتهم أن يكونوا أقوياء، ولكنهم اختاروا التخاذل شاهدناهم يرتكبون كل كبيرة ليرضوا صاحب الجاه والسلطان، ليستظلوا بجاهه أو سلطانه، وهم يملكون أن يَرْهَبَهم ذوو الجاه والسلطان .... ثم شاهدناهم وهم يهربون كالفئران
لا بل شاهدنا شعباً بأَسْرِه يُشْفِقُ من تكاليف الحرية، فظل يؤدي ضرائب الولاء والعبودية التي لا تُقَاس إليها تكاليف الحرية، ولا تبلغ عُشْرَ مِعْشَارِها، وقديماً قالت اليهود لنبيها "يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هنا قاعدون" فأَدَّتْ ثمن هذا النكوس عن تكاليف العزة .
إنه لابد من ضريبة يؤديها الأفراد، وتؤديها الجماعات، وتؤديها الشعوب، فإما أن تؤدى هذه الضريبة للعزة والكرامة والحرية، وإما أن تؤدى للذلة والمهانة والعبودية، وتجربة العقود السابقة أثبتت هذه الحقيقة بما لا يجعل مجالاً للشك.
أصبحت هذه الثورة بمثابة زهرة عباد الشمس التي تميز بين القلوي والحمضي فرأيناها ميزت بين الأذلاء الموالين لسادتهم وبين الأحرار الأقوياء الشرفاء، فشاهدنا الفنانين وتمايزهم ولاعبي الكرة وتفاضلهم والإعلامين وتفارقهم والصحفيين واختلافهم، المشهد كاشف وكأنه مثال ليوم يلقى فيه الناس رب العالمين فتبلى السرائر وتنكشف الخبايا ويظهر كل واحد على حقيقته لقد انكشف قارعي الطبول وحارقي البخور تحت أحذية كل حاكم مسئول لقد ظهر أصحاب النفوس الضعيفة الذين علموا أن للكرامة ضريبة باهظة، لا تطاق، فاختاروا الذل والمهانة هرباً من هذه التكاليف الثقال، ورضوا بعيشة تافهة، رخيصة، مفزعة، قلقة، هؤلاء الأذلاء يؤدون ضريبة أفدح من تكاليف الكرامة، إنهم يؤدون ضريبة الذل كاملة، يؤدونها من نفوسهم، ويؤدونها من سمعتهم، ويؤدونها من اطمئنانهم، وكثيراً ما يؤدونها من دمائهم وأموالهم وهم لا يشعرون.
ومن ثم فإننا نحتاج رجال يرسخ في ضميرهم "ميدان تحرير" متحرك ومرجل كرامة متوقد وصحوة رقابة ربانية لا تنتظر عين الرقيب ولا مكالمة المراجع ولا الخوف من بطش الأمن، فيصبح ما دون الله من رقيب رخيص رخيص، هَيِّنٌ هَيِّن، لأنه يستدعي تظاهرات الرقابة الداخلية قبل أن تنصبها له الجماهير.
نحتاج من ينصب تظاهره في ميدان تحرير نفسه فيصبح شريفاً، وكريماً، يصون أمانة الله بين يديه، ويحافظ على كرامة الحق، وكرامة الإنسانية، يحرس الحق، يعلم أنه لو خان الأمانة التي بين يديه، وضعف عن تكاليف الكرامة، وتجرد من عزة الحق، هان على الله وعلى الناس، ورخص عند من كانوا يحاولون شراءه، رخص حتى أعرضوا عن شرائه، ثم نُبِذَ كما تُنْبَذُ الجيفة، وركلته الأقدام، أقدام الذين كانوا يَعِدُونه ويمنونه يوم كان له من الحق جاه، ومن الكرامة هيبة، ومن الأمانة ملاذ.
كثير هم الذين يَهْوُونَ من القمة إلى السَّفْح، لا يرحمهم أحد، ولا يترحم عليهم أحد، ولا يسير في جنازتهم أحد، ومع تكاثر العظات والتجارب فإننا ما نزال نشهد في كل يوم ضحية، ضحية تؤدي ضريبة الذل كاملة، ضحية تخون الله والناس، وتضحي بالأمانة وبالكرامة، ضحية تلهث في إثر السادة، وتلهث في إثر المطمع والمطمح، وتلهث وراء الوعود والسراب ..... ثم تَهْوِي وتَنْزَوِي هنالك في السفح خَانِعَةً مَهِينَة، ينظر إليها الناس في شماتة، وينظر إليها السادة في احتقار.
فإلى الذين يرهبون من تكاليف الحرية، إلى الذين يخشون عاقبة الكرامة، إلى الذين يمرِّغُون خدودهم تحت مواطئ الأقدام، إلى الذين يخونون أماناتهم، ويخونون كراماتهم، ويخونون إنسانيتهم، ويخونون التضحيات العظيمة التي بذلتها أمتهم لتتحرر وتتخلص.
إلى هؤلاء جميعاً أوجه الدعوة أن ينظروا في عبر التاريخ، وفي عبر الواقع القريب، وأن يتدبروا الأمثلة المتكررة التي تشهد بأن ضريبة الذل أفدح من ضريبة الكرامة، وأن تكاليف الحرية أقل من تكاليف العبودية، وأن الذين يستعدون للموت توهب لهم الحياة، وأن الذين لا يخشون الفقر يرزقون الكفاية، وأن الذين لا يَرْهَبُون الجاه والسلطان يَرْهَبُهم الجاه والسلطان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.