قيل لنا أخيرا إن الجيش الباكستانى أصبح يتعامل بجدية مع التهديد الذى يمثله المسلحون فى بلاده، حيث يقاتل بشكل حقيقى، ويرسل قواته لطرد الجهاديين المنتشرين فى وادى سوات. ونسمع ذلك بالطبع من القادة العسكريين الباكستانيين، كما نسمعه أيضا من الزعماء المدنيين والمسئولين الأمريكيين، بمن فيهم وزير الدفاع روبرت جيتس، الذى قال فى مقابلة أجريتها معه ل«السى.إن.إن»، «أعتقد أن اقتراب حركة طالبان بشدة من إسلام أباد كان بمثابة تحذير لهم». ربما كان ذلك صحيحا. فمنذ أعوام قليلة فقط، ألف حسين حقانى، الدبلوماسى الباكستانى السابق الذى أصبح الآن سفير باكستان فى واشنطن، كتابا ذكيا أشار فيه إلى أن الحكومة الباكستانية استمرت بالرغم من المزاعم العلنية والسرية التى تناقض ذلك «فى التمييز بين الإرهابيين، والمقاتلين من أجل الحرية (التعبير الذى يفضل المسئولون إطلاقه على مقاتلى كشمير). وأضاف: «ظلت حكومة مشرف تُظهر تسامحا تجاه بقايا نظام طالبان الذى كان يحكم أفغانستان، على أمل أن تستخدم هؤلاء فى إحياء النفوذ الباكستانى فى أفغانستان». وتظل الرؤية الكلية للجيش الباكستانى محاط بالأخطار ويحتاج إلى أن ينشط لمواجهة القلاقل فى الدول المجاورة محورية فى الإستراتيجية الباكستانية الرئيسية. وبالرغم من أن الرئيس مشرف تخلى عن تقديم الدعم العلنى واسع النطاق الذى كان الجيش يقدمه إلى الجماعات المسلحة، وقام بعدد من التحركات ضد بعض الجهاديين، لم تشر الدلائل إلى تبنيه حملة من أجل تخليص باكستان من تلك الجماعات. ومازال قادة طالبان أفغانستان الذين يترأسهم الملا محمد عمر يعملون بنشاط حول مدينة كويتا. ولم يقم الجيش قط بحملات جدية ضد حلفاء طالبان الرئيسيين بقيادة قلب الدين حكمتيار أو جلال الدين حقانى، اللذين تعمل شبكاتهما بنشاط فى باكستان. ولم تواجه جماعة عسكر طيبة، المسئولة عن هجمات مومباى، أى عقاب، حيث غيرت اسمها وشكلها لكنها مازالت تعمل علنا فى لاهور. وحتى فى الوقت الراهن، بعد السماح لطالبان بالسيطرة على منطقة تبعد 60 ميلا عن إسلام أباد، نشر الجيش الباكستانى آلافا قليلة لمواجهتهم، تاركا معظم قواته، البالغ عددها مليون رجل فى الشرق، ربما على فرض أن الهند قد تقرر فجأة غزو باكستان. وعندما يهاجم الجيش طالبان كما حدث قبل عامين فى وادى سوات يقوم بالقصف ويعلن النصر ثم يرحل ثم يعود الجهاديون. ويكتب السفير حقانى أن «صعود المسلحين الإسلاميين فى باكستان لم يكن حدثا غير متعمد واجهته بعض الحكومات.. لكن جذوره ممتدة فى التاريخ، وهو يمثل سياسة ثابتة للدولة الباكستانية». ويصف الكتاب كيف يكون لدى الجيش الباكستانى، منذ بدء تشكيله، «التزام إستراتيجى تجاه أيديولوجية الجهاد». وقد استخدم الإسلام لتعبئة البلاد والقوات المسلحة فى كل صراع كان ينشب مع الهند. وكانت حرب 1965، إحدى الحالات الدالة، حيث قامت وسائل الإعلام الباكستانية التابعة للدولة بإثارة «جنون الجهاد»، وتعزيزه بقصص حول المهام الانتحارية البطولية والشهادة والعون الإلهى. لقد نشأت باكستان كدولة إسلامية، ذات سكان لا تجمعهم روابط جغرافية أو عرقية أو لغوية وثيقة. واستطاع حكام هذا البلد البقاء فى السلطة عبر استخدام الدين باعتباره أيديولوجيا. وبعد ذلك، ساعدت جيو بوليتيكا هذا البلد التوتر مع الهند والمعركة مع الاتحاد السوفييتى فى أفغانستان على نشأة صلات عميقة بين الجيش الباكستانى والجماعات الإسلامية المسلحة. وخسر هذا الجيش الحرب التى خاضها عبر الوسائل التقليدية. ولكنه ثبت أن إدارة عمليات حرب العصابات ضد السوفييت والهنود والأفغان للإبقاء على الجيران فى حالة من عدم توازن هى عملية مرتفعة التكلفة. هل تغير كل ذلك؟ يحشد كتاب حقانى Pakistan: Between Mosque and Military دلائل قوية على أنه حتى وقت قريب على الأقل كان الجيش الباكستانى يدعى من أجل الحصول على الأموال من واشنطن أنه يقوم باعتقال المسلحين. لكنه لم يغلق أبدا شبكاتهم. ويكتب حقانى، «وفقا لوجهة نظر الإسلاميين الباكستانيين ومؤيديهم، (فى الاستخبارات العسكرية الباكستانية) أصبح الجهاد معلقا، لكنه لم ينته. فمازال لدى باكستان أجندة لم تستكمل بعد فى أفغانستان وكشمير». وينتهى الكتاب ببيان كيفية استخدام الجيش الباكستانى التهديد الصادر من أولئك المسلحين للمحافظة على بقائه فى السلطة، والحد من شرعية الحكومة المدنية، والأهم من ذلك، للمحافظة على استمرار تدفق المساعدات من الولاياتالمتحدة. وقد أصبح مؤلف الكتاب الآن جزءا من تلك اللعبة الكبرى. فقد كتب حقانى الأسبوع الماضى مقالا يزعم فيه أن باكستان تحارب بنشاط هذه الجماعات المسلحة. لكن المشكلة الوحيدة فى رأيه هى رفض واشنطن إمدادها بما تحتاجه من سلاح وتدريب وأموال. ومن ثم أصبح ما يطرحه يختلف عما جاء فى صفحات كتابه. وفى حقيقة الأمر، يعد حقانى رجلا ذكيا وشريفا يتولى وظيفة مستحيلة؛ ذلك أن الجنرالات يطيحون بأى حكومة ديمقراطية فى شهورها الأولى، إذا ما سعت إلى تثبيت سلطاتها. وإذا كانت واشنطن تأمل فى تغيير الرؤية الكلية التى تتبناها باكستان، علينا أن نصبح أكثر صرامة مع الجيش الباكستانى وأن ندعم فى الوقت نفسه القادة المدنيين، الذين يمتلكون رؤية كلية حول المصالح الوطنية الباكستانية أوسع أفقا وأقل توجسا تجاه العالم، ويريدون تعزيز التعاون مع الجيران. وتعد ال15 مليار دولار التى أقرها تشريع بايدن لوجر لتطوير المجتمع المدنى الباكستانى خطوة كبيرة فى هذا الاتجاه. وربما يكون صحيحا ما يشير إليه مقال حقانى حول حدوث تغير مفاجئ فى الإستراتيجية الباكستانية التى جرى اتباعها خلال العقود الستة الماضية. لكن ذلك يذكرنى بما أطلق عليه وارين بافيت يوما ما الكلمات الأربع الأكثر خطورة فى مجال الاستثمار وهى «هذه المرة الأمر مختلف».