تفيد تصريحات يدلى بها مسئولون أمريكيون فى واشنطن لمختلف وسائل الإعلام خلال الأيام الأخيرة بأن الولاياتالمتحدة تريد تحويل باكستان إلى «مركز رئيسى» لنشاط أجهزة المخابرات الأمريكية ويريدون من الجيش الباكستانى استمرار حربه ضد حركة طالبان الباكستانية وتوسيع نطاقها، وذلك مقابل تعزيز الدعم الاقتصادى الأمريكى للحكومة الباكستانية. وكان الكونجرس قد وافق مؤخرا على زيادة حجم المساعدات الأمريكية غير العسكرية لباكستان، تقدر بنحو 7.5 مليار دولار، ثلاثة أضعاف حجمها الحالى، لدعم قطاع التنمية ومكافحة التطرف. ويجيز هذا القانون الأمريكى تقديم 1.5 مليار دولار سنويا على مدى السنوات الخمس المقبلة فى إطار محاولة لبناء علاقة جديدة مع باكستان تركز على التنمية الاجتماعية والاقتصادية لباكستان. ويقول مسئولون أمريكيون إنه عندما تبنى الكونجرس الأمريكى قانون كيرى لوجار لتقديم مساعدات غير عسكرية لباكستان لم يكن السؤال هو هل ستدفع باكستان ثمنا مقابل هذه المساعدات أم لا؟ وإنما كان هل تستطيع باكستان تحمل الثمن المطلوب؟ غير أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما إرجاء التصديق على قانون كيرى لوجار، بعد تبنى الكونجرس له. وتشير قناة «جيو نيوز» الباكستانية إلى أن السبب وراء موقف أوباما قد يكون متعلقا بأنباء عن تحفظات وشكوك لدى مختلف القطاعات السياسية والعسكرية بل والاستخباراتية فى إسلام أباد فى باكستان الأهداف الحقيقية وراء هذا الدعم الاقتصادى. ولا يخفى على واشنطن أن الرأى العام فى باكستان وكذلك قطاعات واسعة من الجيش وأجهزة الأمن الباكستانية تتعامل بحساسية شديدة مع كل وجود أمريكى على الأراضى الباكستانية، خاصة إذا أخذ صبغة عسكرية أو مخابراتية. وكان الجيش الباكستانى احتج الأربعاء الماضى على مشروع قانون «كيرى لوغار» لما يتضمنه من انتقادات للمؤسسة الأمنية فى باكستان. حيث اعتبر قائد الجيش الباكستانى الجنرال أشفق برويز كيانى مضمون القانون فى ما يتعلق بالمصالح الأمنية لباكستان «مهين» و«غير مقبول»، حسبما أوردت محطة «جيو» الباكستانية، وذلك بالرغم من أن رئيس الوزراء الباكستانى يوسف رضا جيلانى، اعتبر أن إقرار مشروع قانون «كيرى لوغار» يمثل نجاحا كبيرا للحكومة حيث إنها المرة الأولى التى تقدم فيها الولاياتالمتحدة مساعدات لحكومة ديمقراطية فى البلاد. فى الوقت نفسه تشير مصادر أمريكية إلى أن قرار أوباما ربما ارتبط أيضا بتشكل لدى واشنطن من أوجه إنفاق المساعدة الأمريكيةلباكستان. ونقلت وكالة الأسوشيتد برس الأمريكية عن مصادر قولهم إن واشنطن طالما تشككت فى أن الكثير من مليارات الدولارات التى أرسلت إلى باكستان لمحاربة المتشددين قد تم صرفها على الاقتصاد المحلى، وبنود أخرى مثل محاربة الهند. وقال اثنان من جنرالات الجيش الأمريكى رفضا الكشف عن هويتهما لوكالة اسوشيتد برس إنه «ما بين 2002 و2008 وحيث كان تنظيم القاعدة يعيد تجميع وترتيب صفوفه تم صرف 500 مليون دولار فقط من أصل 6.6 مليار دولار من المساعدة الأمريكية، على دعم الجيش الباكستانى». وتابعا «لقد صرف برويز مشرف، رئيس باكستان السابق وحليف واشنطن، الأموال المخصصة للمؤسسة العسكرية الباكستانية فى أغراض اقتصادية لتعزيز شعبيته المتدنية». فى الوقت نفسه تشير تقارير استخباراتية إلى أن الحكومة الباكستانية تتغاضى عن التوغل الاستخباراتى الأمريكى فى البلاد، كما أنها تتقبل الاستعدادات الأمريكية لشن حملة جديدة ضد معاقل حركة طالبان فى منطقة وزيرستان، مما يعنى أن العمليات ستشن جزئيا، على الأقل، من باكستان. وغداة الإعلان عن حزمة المساعدات الأمريكيةالجديدة أبدت أوساط باكستانية قلقها الشديد حيال ما وصف بأنه توغل استخباراتى أمريكى فى كل من باكستان وأفغانستان، حيث أكد خبراء استراتيجيون قيام عملاء لشركة «بلاك ووتر» بنشاطات غير مشروعة فى إسلام أباد وغيرها من المدن الباكستانية، ويعتقد أنها تستهدف المنشآت النووية الباكستانية. ولقد نفت وزارتا الداخلية والخارجية فى باكستان قيام عملاء بلاك ووتر بأى نشاطات فى البلاد، بل إن هذه المؤسسة الأمنية غيرت هويتها المعلنة وأصبحت تعمل الآن تحت اسم «زى». من ناحية أخرى يسود القلق قطاعات سياسية وعسكرية فى باكستان بسبب قيام السفارة الأمريكية بتوسيع نشاطها الدبلوماسى فى العاصمة الباكستانية، حيث استأجرت السفارة نحو مائتى منزل فى إسلام أباد. كما يثير تعزيز الاحترازات الأمنية للسفارة الأمريكية فى العاصمة الباكستانية العديد من علامات الاستفهام. ويبرر مسئولون أمريكيون هذا التوسع بالقول إنه يعود للحاجة إلى تكثيف الوجود الدبلوماسى من أجل التأكد من كيفية صرف المساعدات التى تضخها واشنطن فى حسابات حكومة إسلام أباد، فيما يبررون تعزيز الحراسة الأمنية بالضرورى فى ضوء الهجوم الذى استهدف مكتبا تابعا للأمم المتحدة فى إسلام أباد مطلع الأسبوع الماضى. وكانت السفارة الأمريكية قد أعلنت عن خطط لتوسيع مبانيها كى تستوعب ألف موظف مع حراسة أمنية لدبلوماسيها توفرها لهم شركة تعهدات خاصة هى شركة «دين كورب». واتفق قادة أحزاب المعارضة الباكستانية على أن وجود عملاء شركة «بلاك ووتر» فى باكستان يشكل خطرا يهدد الأمن القومى الباكستانى بجميع المقاييس. ويتهم حسن أزقرى رزفى فى صحيفة «ديلى تايمز» الباكستانية إن الجماعة الإسلامية فى باكستان، والمعروفة بولائها للغرب حتى عام 1990، بشن حملة مضادة للولايات المتحدة، والترويج لفكرة التهديد الذى تمثله الولاياتالمتحدة من خطورة الاستيلاء على العاصمة الباكستانية. كما يحذر أيضا من توجهات أمريكية غير معلنة لتفكيك البرنامج النووى الباكستانى عن طريق استخدام وكالات الأمن الخاصة، ومشاة البحرية الأمريكية، الذين تسللوا إلى باكستان. ويفسر رزفى، الموقف الذى تتخذه الجماعات الإسلامية المسلحة بأنه «ليس فقط أيديولوجيا، ولكنه يعبر أيضا عن الغضب الشديد لهذه الجماعات بسبب فقدانها النفوذ السياسى على الصعيد المحلى الباكستانى، نتيجة مشاركة باكستان فى الجهود الدولية التى تقودها الولاياتالمتحدة لاحتواء التشدد (للقضاء على الإرهاب) خاصة العمليات العسكرية الأخيرة فى وادى سوات والمناطق القبلية».