ستون عام يرزح شعب مصر تحت نير أحذية العسكر شديدة الوطء مسيحيين ومسلمين أفرزت صورا بشعة من الانتهازية والوصولية جعلت من الوطنية كلمة جوفاء لا معني لها إلا أن تكون جواز مرور للثروة والجاه. تمكنوا من فرض سطوتهم وهيمنتهم علي الحياة العامة خصوصا خلال الثلاثين عاما الماضية في ظل حكم مبارك وتفاقمت الأزمة بصوره خطيرة خلال العقد الأخير حينما تزاوجت الثروة المشكوك في شرعيتها مع السياسة والحكم، دفعت شرائح عديدة من المجتمع إلي أساليب الفهلوة والغش والرشوة لسد احتياجاتهم اليومية، وشرائح أخري إلي الغلو في التدين أملا في الهروب من واقع يأباه الدين وصلت بالبعض إلي حد كره المجتمع وفقد الثقة في أي سياسات أو أساليب تؤدي إلي غد أفضل. وكلا الشريحتين يطحنهم الظلم والقهر والفساد، مما أدي إلي بوادر انشقاق طائفي لم يكن المجتمع المصري قبل عقود قليله يمكن أن يتصور حدوثها. استغلت السلطة تلك الأحداث تارة بالسكوت عنها وتارة بتشجيعها من وراء الكواليس لإيجاد ملهاه لشعب مصر عن واقعه الأليم استخدم من خلالها فزاعة الإخوان المسلمين والأصوليين من خلال أقلام بعض المتشددين منهم أو أصحاب الولاءات والأجندات الخارجية أو المتعاطفين فكريا وإيديولوجيا مع إيران وحزب الله وحركة حماس . أعداد هامشية من البشر إنكار وجودها في المجتمع ضرب من دفن الرأس في الرمال وهو ما دأب عليه نظام الحكم السابق رغم علمه بها ورغم ثقته في أنها ما هي إلا قطره لا وزن لها في محيط قوامه 85 مليون مصري واعي مستنير. وحينما ظهرت بوادر انهيار حكم مبارك تحت هدير ثورة شباب 25 يناير حينما أدي استشهاد الشاب خالد سعيد علي أيدي الجلادين من شرطة النظام بالإسكندرية إلي زيادة الغليان والضغط داخل مرجل صدور شباب "الفيس بوك" والانترنت مما أدي في النهاية إلي انفجاره والإطاحة بأبواب سجن الخوف الذي كان الجميع نزلائه. لم يكن احد من الجيل القديم أو أولياء أمور هؤلاء الشباب والشابات أو المفكرين أو المحللين في مصر والعالم يظن أن لدي هذا الجيل من الشباب ذلك العقل الفذ والثقافة الراقية والطموح الجامح والحس الوطني المرهف لم يكن للمنظومة التعليمية الفاشلة في مصر يد في صنعها أو صقلها ولا يمكن لأي قياده سياسيه أو حزبيه أو دينيه ادعاء شرف إشعالها أو قيادتها. في تلك اللحظة ظهرت الهواجس بعض يراهن علي حقيقتها وبعض أخر يراهن علي أنها محض خيال ؟ وكلا المتراهنين ترسب لديهم هذا الفكر كنتيجة حتمية لعدم الثقة التي تربت عبر عشرات السنين فيمن يتولي حكم مصر، تلك الهواجس لم تراود سوي عقول بعض الكهول من شعب مصر . جيل قديم تراوده هواجس سيطرة أيديولوجية دينيه متشددة علي مقاليد الحكم في مصر تعود بها إلي قرون مظلمة وحكام ظالمين علي غرار ما أفرزته تلك الأيدلوجيات علي شعوبها في دول محيطه بالشرق الأوسط وأفغانستان، يتم تنحية غير المسلمين فيها من الحياة العامة. هاجس البعض الأخر أن الظلم والقهر الذي حاق بالجميع مسلمين ومسيحيين تحت حكم مبارك وفساد حاشيته والمحيطين به سوف يكون اقل وطاه مما سوف يحيق بالمخالفين في الرأي أو العقيدة أو المذهب لنظام محتمل سوف يفرض علي النساء ارتداء الحجاب والنقاب. لقد وصلت بعض الهواجس في عقول البعض ممن يشعر بالخوف والهلع إلي حد اللامعقول مع قادم الأيام خوفا من أن يأتي يوما تنص المادة الأولي من الدستور علي خيارات متاحة أمام المواطنين إما الإسلام أو الجزية التي لن يستطيعوا دفعها، تلك بعض هواجس المتشائمين علي قدرتهم، وهي بلا شك رواسب ثقافة الخوف الذي عاشه شعب مصر عقود طويلة بكل فئاته ومعتقداته. كما أنها بكل تأكيد ثقافة جهل من كل الأطراف حكام ومحكومين بالفقه الإسلامي المستنير الذي افرز مقولة(حاكم عادل كافر خير من عليه)؟ وقد اختبر الجميع تحت حكم مبارك وسابقيه صدق هذا القول ومعانات الإخوان المسلمين في غياهب السجون والمعتقلات وسياط وكلاب التعذيب خير شاهدا أيضا علي ذلك. أما أحلام الشباب والكهول ذوي القلوب الشابة وهم بالمناسبة غالبية المجتمع والشريحة العظمي منه تري أن مصر سوف تكون مأوي ومثوى لجميع المولودون علي أرضها، وطنا لكل المصريين. هواجس أرجو أن يأتي الغد بخيبتها في صدور الخائفين وأحلام أرجو أن يحققها الغد لقلوب المتفائلين، وأرجو أن يكون الغد لناظره قريب.