منذ أواخر سبتمبر 2025 تعيش المملكة المغربية على وقع موجة احتجاجات شبابية غير مسبوقة قادها ما يُعرف ب "جيل زد 212"، وهو الاسم المستوحى من رمز الهاتف الدولي للمغرب. وهذا الحراك جاء تتويجًا لتراكم غضب طويل إزاء تدهور الخدمات العامة وارتفاع معدلات البطالة وتفاقم الفجوة بين الوعود الحكومية والواقع المعيشي الصعب، ليضع البلاد أمام اختبار جديد بين منطق الإصلاح ومنطق القوة. بدأت الشرارة في مدينة أغادير عقب وفاة ثماني نساء حوامل في مستشفى الحسن الثاني، في حادثة صادمة اعتبرها الرأي العام دليلًا على انهيار المنظومة الصحية. وسرعان ما تحولت المأساة إلى رمز للاحتقان الاجتماعي، لتخرج آلاف الأصوات عبر منصات التواصل الاجتماعي ثم في شوارع مدن كبرى كالرباط والدار البيضاء وطنجة. ومع اتساع رقعة المظاهرات إلى مدن أصغر مثل القليعة، دخلت البلاد مرحلة تصعيد ميداني شهدت مواجهات عنيفة مع قوات الأمن وسقوط قتلى وجرحى. الاحتجاجات، التي يغلب عليها الطابع السلمي في معظم المدن، ترافقت مع أعمال عنف وتخريب في بعض المناطق استهدفت مؤسسات حكومية ومتاجر خاصة ووكالات مصرفية. وهذا المشهد دفع السلطات إلى تعزيز وجودها الأمني في الشوارع والساحات العامة، بينما سعت الحكومة إلى التهدئة عبر دعوات للحوار أعلنها رئيس الوزراء عزيز أخنوش، بالتوازي مع فتح تحقيقات قضائية والتعهد بخطة لإصلاح قطاعي الصحة والتعليم وتحسين الخدمات الاجتماعية؛ ورغم ذلك، فإن عمليات الاعتقال الواسعة – التي شملت أكثر من 400 شخص بينهم عشرات القاصرين – ألقت بظلالها على مصداقية خطاب التهدئة. ما يميز هذه الموجة أنها أول حراك مغربي شبابي يعتمد كليًا على أدوات العصر الرقمي. فجيل "212" ينتمي إلى الفئة العمرية بين 15 و30 عامًا، ويستخدم منصات مثل تيك توك وإنستغرام وديسكورد وتيليغرام للتنظيم والتعبئة وتوثيق الانتهاكات، دون قيادة مركزية أو هيكلية تقليدية؛ وهذا النمط اللامركزي منح الحركة مرونة وقدرة على الاستمرار، وفي الوقت ذاته صعّب على السلطات مهمة احتوائها أو التفاوض مع ممثلين واضحين لها. سياسيًا واجتماعيًا، أعادت الاحتجاجات تسليط الضوء على قضية العدالة الاجتماعية التي تراجعت أمام مشاريع استعراضية ضخمة لم تنعكس على واقع المواطنين، فيما تواصل نسب البطالة المرتفعة دفع الشباب إلى الشعور بالتهميش. وفي ظل اهتزاز ثقة الشارع بالأحزاب والمؤسسات المنتخبة، برزت وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها الساحة الرئيسية لإنتاج الرأي العام وصياغة خطاب جديد أكثر جرأة وحدّة. ورغم محدودية التفاعل الدولي حتى الآن، فإن منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية عبّرت عن قلقها إزاء الاعتقالات الواسعة، مطالبة السلطات المغربية باحترام حق التظاهر وضمان حرية التعبير. كما بدأت وسائل الإعلام الأجنبية تتعامل مع الحراك كرسالة من جيل جديد يرفض أن يكون صامتًا في مواجهة الأزمات المتراكمة. في قراءة أعمق، تكشف احتجاجات "جيل زد 212" عن أزمة ثقة حادة بين الدولة والشباب. فهذا الجيل الذي نشأ في عصر الإنترنت لم يعد يقبل بالوعود التقليدية، بل يطالب بإصلاحات ملموسة تترجم إلى تحسين فعلي في التعليم والصحة والفرص الاقتصادية. وهنا تكمن معضلة الحكومة: فإما أن تنجح في تحويل الغضب الشعبي إلى فرصة حقيقية للإصلاح عبر حوار صادق وشامل، أو أن تجد نفسها في مواجهة موجات جديدة قد تكون أشد اتساعًا وحدّة. إن ما يجري اليوم في المغرب ليس مجرد حدث عابر، بل يعكس تحوّلًا اجتماعيًا وسياسيًا عميقًا تتصدره قوة شبابية رقمية واعية بحقوقها. ويبقى السؤال المطروح: هل ستنصت الدولة إلى صوت جيل "212" وتترجم وعودها إلى إصلاح حقيقي، أم أن الشارع سيبقى المنبر الوحيد لهذا الغضب المتنامي؟