فى حماية المتظاهرين ودون خوف من شرطة المرافق «البلدية» التى كانت تطاردهم فى شوارع وسط البلد احتل الباعة الجائلون «بيزنس الفقراء» مواقعهم فى شوارع طلعت حرب وقصر النيل المحيطة بميدان التحرير، فافترشوا الارض والارصفة، البعض فضل الوجود بالقرب من المتاريس التى اقامها شباب الثورة بالميدان لمدة 18يوما وحتى قبل تنحى الرئيس مبارك بدقائق لتأمين المعتصمين بالميدان ومن بينها عربات البطاطا المشوية الساخنة التى شهدت الى جانب الكشرى اقبالا من جانب المتظاهرين الذين اطلقوا عليهما «الكنتاكى الشعبى»، اما البعض الآخر فانتقل لقلب الميدان خاصة باعة الاطعمة المختلفة واشهرها «الكشرى وساندوتشات الطعمية والجبن» وباعة الشيبسى والبسكويت والسجائر والمياه المعدنية والمناديل الورقية وحتى باعة الشاى والقهوة. الجميع وجدوا فى ميدان التحرير سوقا واسعة آمنا تعمل 24 ساعة تضم مئات الآلاف من المواطنين من مختلف الأعمار والمستويات الاجتماعية الذين اصبحوا جميعا زبائن لها دون تفرقة. الغريب أن السلع التى ارتفعت اسعارها فى الاسواق نتيجة نقص المتاح منها كانت تباع فى ميدان التحرير بنفس اسعارها دون اية زيادة بل إن اسعار «الساندوتشات» على سبيل المثال كانت تباع باقل من اسعارها فى المحال العادية. «على» شاب فى العشرينيات من عمره يجلس فى قلب ميدان التحرير يبيع البسكويت وساندوتشات الجبن واللانشون والسجائر المحلية الصنع سواء علب كاملة أو «فرط» يقول «على» أن اسعار السجائر ارتفعت فى اعقاب اندلاع الثورة خاصة فى الايام الاولى بسبب نقص الانتاج ورغم ذلك يبيع علبة السجائر بنفس سعرها دون اية زيادة كما أن سعر «الساندوتش» من أى نوع لا يزيد على جنيه مؤكدا أن «سوق ميدان التحرير» ليس فيها مكان للجشع أو استغلال الظروف واحتياج المتظاهرين للسلع. كل شىء عند «أم أحمد» بجنيه واحد، اقلام، ماكينات حلاقة، جلدة بطاقة.. عشرات الاصناف «أم أحمد» تقف على حافة الميدان من ناحية طلعت حرب داخل المنطقة المعزولة التى يؤمِّنها الشباب تقول أم أحمد إنها عادت للعمل منذ أيام ولأول مرة تشعر بالأمان وعدم الخوف من مطاردة شرطة المرافق فى الشوارع وتعرب أم أحمد عن رضاها عن حركة البيع. مؤكدة «أن بكره سيكون افضل بكثير خاصة لأمثالها من الفقراء». حسنين على، البائع المتجول بشارع طلعت حرب، عاود العمل منذ الاحد الماضى بعد أن اطمأن على هدوء الاحوال، زبائنه من الداخلين والخارجين من ميدان التحرير وبضائعه شديدة التنوع لا يزيد سعرها على جنيه واحد ورغم الظروف الحالية والتى يراها اصحاب المحال بالمنطقة معطلة لأنشطتهم فإن حسنين يؤكد أن حركة البيع والشراء لديه أفضل مما كانت عليه قبل 25 يناير. احمد محمود لم يتوقف عن العمل منذ بداية المظاهرات وقد يكون طبيعة نشاط محمود السبب فى حالة الرواج التى يشهدها فالعلم المصرى والكوفية التى تحمل ألوان العلم وكذلك غطاء الرأس كانت الاكثر انتشارا بين الآلاف من رواد ميدان التحرير الذين رفعوا العلم وغطوا رءوسهم وأعناقهم بكل ما يحمل ألوان العلم المصرى ويقول محمود إن العلم يمثل اكثر مبيعاته اليومية فى الميدان مؤكدا ان سعر البيع لم يرتفع رغم الاقبال الشديد على الشراء، ورغم اجواء الثورة التى تسيطر على ميدان التحرير الا أن عمرو فرج لم ينس أن بعد غد «الاثنين» هو عيد الحب فوقف يبيع القلوب الحمراء وبحسب فرج فإن بعض الشباب من المتظاهرين تذكر عيد الحب فأقبل على الشراء. ويؤكد البائع خالد عبدالحفيظ أن الحال لم يكن جيدا قبل بدء المظاهرات ورغم انه لم يبع شيئا فى اليوم الاول لعودته للعمل إلا أنه يأمل فى تحسن الاحوال الايام القادمة. الظاهرة اللافتة للنظر أن جميع المحال الموجودة بوسط البلد والقريبة من ميدان التحرير لم تتعرض لأى حوادث سرقة أو نهب لأنها كانت فى حماية المتظاهرين، وعلى العكس من الباعة الجائلين ابدى بعض اصحاب هذه المحال التى عادت للعمل قلقهم من استمرار المظاهرات الحالية فى ميدان التحرير والتى ادت الى اغلاق محالهم الفترة الماضية من بين هؤلاء اسلام يس صاحب فندق صغير بميدان التحرير ومحل بازار بوسط البلد الذى يقول إن الفندق ظل يعمل لكن زبائنه الآن من الصحفيين المصريين أو الأجانب الذين يتابعون التطورات الجارية فى ميدان التحرير فى حين أن البازار لم يفتحه الا منذ أيام قليلة ويأمل إسلام أن يعود الهدوء الى مصر وميدان التحرير بعد الاستجابة لمعظم مطالب الشعب، أما هانى شعلان صاحب محل ملابس ومنتجات جلدية بشارع امتداد قصر النيل الذى عاد لفتح محله الثلاثاء الماضى فيرى أن مصر ستكون افضل بكثير مما كانت عليه وهذا ما يجعله يتحمل اية خسائر فى نشاطه سيتم تعويضه فيما بعد ويتذكر شعلان كلام والده « لو البلد حصل فيها ثورة هتكون افضل بكتير» ماجد البدرى صاحب محل ملابس سيدات فورستارز القريب من ميدان التحرير فيقول انه اغلق المحل منذ اسبوعين وعاد لفتحه الثلاثاء لكن الحركة بطيئة والزبائن من المتظاهرات وبحسب البدرى فإن الاوكازيون الشتوى الذى بدأ قبل المظاهرات بأيام سوف يستمر حتى بداية فصل الصيف.