غادر آلاف المتظاهرين ساحة ميدان التحرير متجهين إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون؛ قدرهم البعض بما يقرب من خمسين ألفا، وذلك اعتراضًا على خطاب الرئيس مبارك. وكانت قد تحولت مشاعر الفرح إلى يأس، ثم إلى غضب عارم في ميدان التحرير وسط القاهرة عندما حطم الرئيس حسني مبارك آمال مئات آلاف من المحتجين المطالبين باستقالته. راح الحشد الهائل المتكدس في الميدان يرقص ويغني ويردد الهتافات ويلوح بأعلام مصر ذات الألوان الأحمر والأبيض والأسود مع تزايد التوقعات -بعد الظهر- بأن الرئيس مبارك سيلبي مطالب المحتجين ويتخلى عن السلطة. وردد المحتجون هتافهم: "الليلة يمشي الليلة يمشي"، مع تزايد ثقتهم خلال المساء وسط توارد الأنباء أن مبارك سيتنحى. وراجت الشائعات، وقال البعض إنه سيسافر إلى ألمانيا، وأبدى آخرون ثقتهم أنه سيتوجه إلى دولة الإمارات العربية المتحدة. ورسم منظمو الاحتجاجات أعلاما مصرية على وجوه القادمين إلى ميدان التحرير الذي بدا أنه مسرح لاحتفالات كبرى أكثر منها احتجاجات. وكالعادة تلاقى المصريون من مختلف الاتجاهات والمذاهب السياسية في الميدان، فكان منهم الملتحون الأصوليون والعلمانيون اليساريون وذوو الاتجاهات الليبرالية، بل وأسر كاملة. وسار أب وهو يرفع ابنته الصغيرة على كتفيه، وقد كتب على جبهتها كلمة "ارحل" التي تمثل فيها مطلب المحتجين الذين تزايدت أعدادهم في الميدان هذا الأسبوع. وعندما اقترب موعد كلمة مبارك قال بعض المحتجين إنهم على وشك أن يشهدوا التاريخ وهو يتشكل، ورددوا هتافات مطالبين الآخرين بالجلوس. واستجاب الآلاف فجلسوا على الأرض في مشهد يعكس روح التعاون التي تسود بين المحتجين في الميدان. وظهرت على الشاشة فوق الرؤوس صورة الرئيس مبارك (82 عاما)، فانطلقت الأصوات تطلب الهدوء. وكانت الاستجابة سريعة أيضا فران الصمت على الميدان. وتحت السماء الصافية التي أضاءها القمر وقف جنود الجيش المصري على دباباتهم وعرباتهم المدرعة ينصتون مثل المحتجين. بينما راح البعض يدخن السجائر مع بدء كلمة الرئيس. وبعد أقل من دقيقة حل اليأس محل الفرح بين الحشود. وأحنى رجل رأسه بعد أن اتضح أن مبارك ينوي البقاء. ورفع البعض أحذيتهم ولوحوا بها نحو الشاشة. وبدا الاستياء على وجوه آخرين، بينما بكى البعض. وخلال الخطاب بدا أن صبر المحتجين بدأ ينفد، ووقف البعض يرددون "ارحل ارحل". وقال هشام البلك (23 عاما): "هو لا يريد أن يفهم. الناس لا يريدونه في السلطة. إنه يتمسك بالسلطة بطريقة في غاية الغرابة". وغادر بعض المتظاهرين الساحة على الفور، بينما بقي آخرون وهم يرددون الهتافات.