على عكس السياسة التي تشيع تطوراتها التوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يسود في الرياضة ما يسمى بالروح الرياضية التي تمنع الاحتكاكات على خلفية عرقية بين الرياضيين، على المستوى النظري على الأقل. والمثال على ذلك ناد للملاكمة في القدسالغربية، وهو عبارة عن ملجأ محصن ضد القنابل تحت الأرض، إلا أنه من أشهر أندية الملاكمة في إسرائيل. على اللاعبين اليهود والفلسطينيون في هذا النادي تحمل تدريبات قاسية جدًا، حيث إن المدربين اللذين يتوليان تدريبهم كانا بطلين في الاتحاد السوفيتي السابق، وهما من أوزبكستان، لكنهما هاجرا إلى إسرائيل. ولذلك تتبع برامج التدريب الأسلوب السوفيتي القاسي.
لدى المدربين، وهما شقيقان، قانون صارم، وهو أن النادي لا يعترف بعرق أو دين أو لون. فقط اتبع التعليمات، ولا تنس أن تُبقي اليدين مرفوعتين. رياضة لا سياسة
زرنا هذا النادي، والتقينا مديره وصاحبه، جرشون لكسمبورغ، الذي قال: "كان الفلسطينيون والإسرائيليون يؤمون النادي خلال الانتفاضة، ولم يخشوا من بعضهم البعض، فنحن إخوة، وهذه رياضة وليست سياسة".
الخبرة والسمعة هي التي جاءت بإسماعيل جعافرة، وهو ملاكم فلسطيني، من القدسالشرقية إلى النادي الذي ما لبث يخوض فيه النزالات منذ خمس عشرة سنة، وحصل على المركز الأول في القدس قبل سنوات.
سألت إسماعيل إذا ما كان توجد حساسيات جراء اختلاف أعراق وقوميات الملاكمين، فأجاب: "داخل الحلبة دائما يوجد توتر بين اللاعبين، ويحرص اللاعب أن لا يتلقى ضربات، ويكون عنده خوف، ولكي يتجنب الخوف، فهو يحاول تجنب الضربات، فلا يفكر بدين أو قومية الخصم. أما خارج الحلبة بعد انتهاء النزال، فالكل أصدقاء، وينتهي كل شيء".
ويحاول المدربان تهدئة الملاكمين، خصوصًا عندما تشتد الضربات، ولكن هنا لا يهم من هو الخصم، المهم أن لا تسقط أرضًا أو تتلقى لكمة في وجهك، ويقولان إن "السياسة وما يحدث في الأعلى (أي فوق سطح الملجأ)، ليس مرغوبًا فيها هنا".
شاهدنا الملاكم الإسرائيلي، يوتان مرزاي، يخوض نزالا ضد أحد الملاكمين الفلسطينين، وقال ردًّا على سؤال ل "بي بي سي" عن ما إذا كان يدور في ذهنه أن خصمه فلسطيني، فأجاب: "في الحلبة لا يوجد مسلم أو عربي أو يهودي، لا يهم، فالجميع متساوون". ورغم خشونة هذه اللعبة، وما تحمله من توتر، فإن اللاعبين يلتزمون بمبدأ الروح الرياضية بعد انتهاء النزال. أما بخصوص نتيجة النزال الذي كان يخوضه مرزاي، ومن ربح في هذا النزال الفلسطيني الإسرائيلي، فستبقى محفوظة وليست للنشر.