منذ مطلع العقد الماضى وأصبح الاحتجاج لفظا سائدا وحدثا متكررا فى الحياة السياسية المصرية. بدأ مع مظاهرات التضامن مع الانتفاضة الفلسطينية، وتطور ليصبح نشاطا معتادا لكل الفئات ومن أجل جميع المطالب. ومنذ مطلع العقد الماضى والحركات الاحتجاجية لا تتوقف عن الظهور، لتطالب بمطالب سياسية واجتماعية وفئوية. ووسط هذه الحركات والاحتجاجات كان الأقباط موجودين. البعض منهم لعب أدوارا قيادية والبعض الآخر كان مجرد مشارك. ولكن ظل هذا الوجود محدودا مقارنة بنسبة الأقباط فى المجتمع، كما يظهر من النظرة المدققة لهذه الحركات. شعور الأقباط بأن الكنيسة هى حزبهم السياسى وملاذهم الأخير، قد لا يدفعهم إلى المشاركة فى أى نشاط سياسى أو احتجاجى معارض للدولة، وهو الأمر الذى يؤثر على نسبة مشاركتهم فى الحركات الاحتجاجية. فمن بين مئات النشطاء السياسيين داخل هذه الحركات تتراوح نسبة الأقباط بين 2 و3%، وهو الأمر الذى يضعف من طرح مطالبهم. عضو اللجنة التنسيقية بالحركة المصرية من أجل التغيير «كفاية» يحيى القزاز، اعتبر أن هناك تخوفا قبطيا من المشاركة فى أى نشاط سياسى. السبب، بحسب القزاز، هو توجيهات مباشرة من البابا شنودة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، وهو ما يؤدى لضآلة تمثيل الأقباط داخل الحركة الذين تقدر نسبتهم ب2% فقط من إجمالى عدد الأعضاء. كما أشار إلى أن الأقباط متخوفون من التعرض للتنكيل فى حالة مشاركتهم فى عضوية الحركة فضلا عن شعورهم بالاضطهاد، متهما الكنيسة بلعب دور حيوى فى إقصائهم عن الحياة السياسية. ولم يعول القزاز كثيرا على أن تدفع أحداث تفجيرات كنيسة القديسين بالإسكندرية الأقباط للمشاركة فى الحركات الاحتجاجية، ومنها «كفاية»، مضيفا «قد يلجأ بعضهم للمشاركة فى حركات لا تواجه ضغوطا أمنية مثل حملة البرادعى الذى يتمتع بحصانة». ومضى قائلا: «ما حدث سيدفعهم للتقوقع داخل الكنيسة والتصريحات الأخيرة للبابا، التى ندد خلالها بمن وصفهم بمن دخلوا على الخط فى إشارة منه للنشطاء السياسيين المتضامنين مع الأقباط فى تظاهراتهم، تؤكد تمسك الكنيسة بعلاقتها بالنظام». وأضاف «لعب البابا دورا فى تحجيم مشاركة الأقباط فى النشاط السياسى واختزل الدور السياسى فى شخصه فأصبح القناة الوحيدة للتفاوض مع النظام حول مطالب الأقباط». ونفى القزاز طرح أعضاء الحركة الأقباط، وهم جمال أسعد وجورج إسحق وأمين إسكندر، لقضاياهم داخل الحركة، مؤكدا أنهم «مصريون 100%». «إذا كان الواقع قبيحا ويلحق أضرارا بأرواح الناس وأمنهم وأموالهم فعليهم أن يبحثوا عن بدائل بعد أن أيقنوا أن النظام الحالى لا يكفل لهم الحماية»، هذا ما أكده منسق الجمعية الوطنية للتغيير، عبدالجليل مصطفى. إلا أن مصطفى أبدى تخوفه من أن تدفع «المآسى» وحدها الأقباط للمشاركة السياسية، مضيفا «الأصوب أن يدرك الأقباط أنهم مواطنون مصريون وعليهم المطالبة بحقوقهم وفقا لهذا الإطار، خاصة أن مصر تشهد توترات سياسية وثقافية واجتماعية يعانى منها الجميع». وأكد مصطفى أن أعضاء الجمعية يحرصون على طرح قضايا ومطالب الأقباط كجزء لا يتجزأ من مشاكل مصر، موضحا أن المواطنة كانت مبدأ سياسيا أكدته حركات الاحتجاج السياسى، وفى مقدمتها حركة «كفاية». الناشطة بحركة تضامن، داليا موسى، أكدت أن نسبة الأقباط فى الحركة ضعيفة للغاية، وأن انشغال الحركة بهدفها التضامنى مع العمال لم يفسح المجال لوجود أولوية للملف القبطى، إلا أن هذا الانشغال عن الملف تلاشى تدريجيا بفعل الأحداث المتتالية التى لفتت الأنظار نحو الملف القبطى، مثل حادث العمرانية ومن بعده كارثة الإسكندرية. وعلى الرغم من أن الملف القبطى موجود على أجندة حركة حشد منذ تأسيسها، إلا أن «الأقباط فى الغالب لا ينجذبون ناحية السياسة بشكل عام، لذا فمن الصعب أن نجد وجودا قبطيا كثيفا فى أى حركة»، على حد قول الناشطة فى الحركة، ضحى رحمى، التى استدركت «إلا أن نسبة مشاركة الأقباط فى الحركة تزايدت بشكل ملحوظ بعد أحداث العمرانية والإسكندرية». البيان التأسيسى لحركة حشد، يحتوى على برنامج قبطى يهدف للدفاع عن حرية الكنيسة وحرية العقيدة والممارسات الدينية، وتوحيد قوانين وتصاريح إنشاء دور العبادة، ورفض وفضح كل أشكال التمييز فى الوظائف والمناصب على أساس دينى، وتعديل قوانين ونصوص الدستور التى تتناقض مع المساواة الكاملة بين المواطنين، وتعديل المناهج التعليمية بحيث تعبر عن التنوع الدينى والثقافى فى التاريخ المصرى، ورفض أى تدخل أجنبى فى المسألة الطائفية، فضلا عن تعديل قوانين الأحوال الشخصية بحيث تعادل بين الانتماء الدينى والحقوق المدنية بين المواطنين. موقف الأقباط من المشاركة فى الحركات الاحتجاجية اختلف نسبيا لدى الجبهة الحرة للتغيير السلمى، حيث أكد منسقها عصام الشريف، أن نسبة الأقباط المشاركين فى الجبهة «معقول»، على حد تعبيره، مشيرا إلى أن عدد الأقباط أعضاء الجبهة نحو 50 من أصل ما يقرب من 400 عضو. وأكد الشريف أن الملف القبطى مطروح على أولويات أجندة الجبهة قبل أحداث العمرانية، فالجبهة لديها مجموعة عمل متكاملة لمتابعة قضية نجع حمادى، كما اعتمدت الجبهة فى الأساس على كوادر من الشباب القبطى. من جانبه، فسر خالد السيد، الناشط بحركة «شباب من أجل العدالة والحرية»، ما وصفه ب«ضآلة» تمثيل الأقباط بالحركة، والذين يقدر عددهم ب5 نشطاء فقط من إجمالى 200 ناشط فى القاهرة، بشعورهم بأن الكنيسة هى ملاذهم وحزبهم السياسى الوحيد لعرض مطالبهم. «الكنيسة تلعب هذا الدور بكفاءة باحتوائها للأقباط ومهادنة النظام الحاكم الذى قد يقدم بعض الخدمات لفقراء الكنيسة لاحتواء غضبهم وتهدئتهم»، يؤكد السيد، مضيفا «الكنيسة تخوفهم من المشاركة فى أى نشاط أو تجمع سياسى يناهض الحكومة ويدعو للتغيير». ولفت السيد إلى أن النشطاء الخمسة يحرصون على طرح وجهات نظرهم فى القضايا التى تخص الأقباط، ومنها شعورهم الدائم بالاضطهاد والتمييز، فضلا عن مشاركتهم فى نقاشات حول قضايا عامة تطرحها الحركة. «إلا أنهم فى الوقت نفسه يدركون أن النظام الحاكم يضطهد المصريين مسلمين وأقباطا، فضلا عن وعيهم بأن الكنيسة كيان موالٍ ومهادن للنظام على حساب مطالبهم»، يضيف السيد. ويتوقع السيد ارتفاع معدلات مشاركة الأقباط فى النشاط السياسى كما وكيفا بعد تفجيرات كنيسة القديسين، «عليهم أن يدركوا أن تقصير النظام وإهماله أهدر أرواح مواطنين أبرياء ونظام مبارك الذى يلقى دعما كنسيا غير قادر على حمايتهم»، يؤكد السيد. واتفق معه منسق حركة «شباب 6 أبريل»، أحمد ماهر، الذى توقع ارتفاع معدلات مشاركة الأقباط فى النشاط السياسى عقب تفجيرات الإسكندرية. وتابع قائلا: «الأحداث الأخيرة أشعلت غضب الأقباط تجاه النظام، الذى فشل فى حمايتهم وسيبدأون رحلة البحث عن بدائل للكنيسة التى تدعم الحزب الوطنى». وأكد ماهر وعى النشطاء الثلاثة الأقباط المنتمين للحركة بأن النظام الحاكم يهدر حقوقهم والمسلمين على حد سواء، لافتا النظر إلى أنهم يحاولون نشر الوعى السياسى داخل الكنائس. وأضاف «يحرص هؤلاء النشطاء على طرح قضاياهم داخل الحركة ضمن القضايا العامة التى يتسبب فيها فساد الحكومة». هتافات الأقباط التى ارتفعت عالية فى الأيام الأخيرة بدأت تأخذ منحى آخر يهاجم النظام وينتقده، ما قد يكون مقدمة لوجود قبطى مختلف فى الحياة السياسية المصرية.