منذ أربع سنوات، توقع وليام دونالدسون كبير الأطباء الحكوميين فى بريطانيا أن وباء محتوما سيغزو العالم، حيث ينتشر الوباء مرة كل فترة زمنية تتراوح ما بين 10 و40 سنة وفقا للدورات الطبيعية. والآن إنفلونزا الخنازير تكتسح العالم فى انتظار إعلان رسمى من منظمة الصحة العالمية بأنه وباء لا مفر منه. وإذا كان التاريخ يعلمنا شيئا ما، فهو أن الماضى ليس بالضرورة مرشدا للمستقبل، ولكن انتشار إنفلونزا الخنازير فى العالم خلال الأيام الماضية يجعل العودة إلى العام 1918 الذى شهد تفشى وباء الإنفلونزا الإسبانية، ضرورة لمعرفة كيفية مواجهة إنفلونزا الخنازير. ففى عام 1918، خرج أول التقارير التى تثبت وجود حالات مصابة فى أمريكا، وبالتحديد ولاية كنساس التى تقع فى الغرب الأوسط للولايات المتحدة، حيث كان جنود المشاة فى قاعدة الجيش الأمريكى يتغذون على لحم الخنازير والدواجن التى تتم تربيتها فى مزارع موجودة فى منطقة معينة قبالة المحيط الأطلنطى. وفى العام نفسه كشفت تقارير مثلما يحدث الآن عن إصابة رجال ونساء تتراوح أعمارهم ما بين 20 و40 عاما، بالتهابات رئوية حادة. إذن ما الذى ينبغى علينا فعله مع التقارير التى ترصد نسبة انتشار المرض فى المكسيك الآن، هل يجب أن تجعلنا هذه التقارير نقلق؟ فى الأيام القليلة الماضية تكرر هذا السؤال بشكل مستمر، ولكن لا توجد إجابة واضحة حتى الآن. 3 آلاف طفل يموتون من الملاريا يوميا فى أفريقيا، ولكن لأن الملاريا مرض نادرا ما يصيب شخصا فى بريطانيا فلا أحد يهتم، على عكس فيروس نقص المناعة البشرية الذى يتم التعامل معه باعتباره تهديدا خطيرا، الفكرة هى أن الإنفلونزا مرض معد، ينتشر عن طريق الهواء وينتقل بالتنفس ويصعب تجنبه، ولكن الآن نحتاج بشدة لتجنب الإصابة به، وإذا كان حوالى 10 آلاف يموتون بسبب الإصابة بالإنفلونزا خلال فصل الشتاء الذى يعد موسما للإصابة بهذا المرض، فإن إنفلونزا الخنازير المكسيكية لم تؤد إلى موت أعداد كبيرة من البشر حتى الآن، وعلى الرغم من ذلك فإن انتشارها يثبت أنها قد تصبح كارثة، لذا فهناك سبب لكى نؤمن بضرورة مواجهتها شريطة أن نتعلم من الأخطاء التى ارتكبت عام 1918. ففى ذلك العام، لم تكن بريطانيا تملك خدمات صحية وطنية، ولم تكن هناك وزارة للصحة حتى تعمل على توعية الشعب لتجنب الإنفلونزا الإسبانية. ولأن أسبانيا لم تكن منخرطة فى الحرب العالمية الأولى، كانت الصحافة الإسبانية لها السبق فى متابعة أخبار فيروس الإنفلونزا، لذا أطلق عليه اسم الإنفلونزا الإسبانية على الرغم من أن مصدر الفيروس كان على الأرجح من الشرق الأقصى، على عكس الصحافة البريطانية التى لم تنشغل بهذا الموضوع. بالإضافة إلى أن المضادات الحيوية ومضادات الفيروسات لم تكن متوافرة فى عام 1918، كما أن وقتها كان هناك إجماع علمى على أن مرض الإنفلونزا لا ينتج عن الإصابة بالفيروس وإنما عن طريق البكتيريا. كانت بريطانيا مشغولة بهدف محدد هو الانتصار فى الحرب، والحكومة البريطانية كانت حريصة على عدم نشر الذعر بين المواطنين. أما اليوم فنحن نعيش فى عالم مختلف تماما بفضل شبكة الإنترنت والقنوات الإخبارية التى تبث أخبارها على مسامعنا طوال 24 ساعة، فمن خلالها نتعرف على المعلومات التى تتعلق بالأمراض الوبائية التى تعبر حدود الدول بسرعة خارقة، ولكن المنافسة بين وسائل الإعلام والصحف فى تغطية الأخبار التى تتعلق بالأمراض الوبائية قد تؤدى إلى مطالبات هستيرية وغير علمية، والنتيجة هى خلق نوع من الرعب الجماعى النفسى أكبر بكثير من التهديد الفعلى الجسدى. إذن ما الذى يجب أن نفعله فى ظل هذه الظروف؟ أولا: لا يمكن أن نتبع ما فعلته الحكومة البريطانية فى عام 1918 التى آثرت التقليل من خطورة المرض حرصا على تهدئة المواطنين، ثانيا: التطور الرهيب فى عالم الأدوية والتكنولوجيا الطبية قد يؤدى إلى العثور على حل لمواجهة إنفلونزا الخنازير، وأيضا ربما نجد أن بعض التدابير الفعالة أكثر بساطة مما نتخيل لمواجهة المرض فقط يجب علينا الالتزام بها. ففى عام 1918 كان الأطباء ينصحون المواطنين بتجنب العطس والسعال فى الأماكن المزدحمة، ويحثونهم على استعمال المناديل النظيفة، وغير ذلك من التدابير البسيطة التى تضمنت غسيل الأيدى واستعمال مطهر لغرغرة الفم. وقد كرر دونالدسون هذه النصائح لتجنب الإصابة بإنفلونزا الخنازير. ففى شهر يونيو من عام 1918، بينما كانت الأغلبية من المسئولين البريطانيين تبذل أقصى ما فى وسعها لتجاهل التهديد القادم من إسبانيا، انشغل جيمس نيفن كبير الأطباء فى مدينة مانشستر بتوزيع 35 ألف منشور فى المدينة لتوضيح خطر الإنفلونزا الإسبانية بطريقة سهلة ومبسطة، وشرح فى هذه المنشورات طريقة عزل المصابين بالمرض. وفى شهر نوفمبر من نفس العام عندما اجتاحت موجة المرض المميتة بريطانيا، عمل جيمس على توزيع المزيد من المنشورات خارج المدينة ليحذر البريطانيين ويحثهم على تجنب ركوب الترام وينصحهم بتهوية قاعات التجمع، وقد أسهمت هذه التدابير الوقائية فى تأخير هجوم الفيروس على مدينة مانشستر، وكانت النتيجة هى أن 1700 شخصا فقط فقدوا حياتهم عندما وصل الفيروس للمدينة على عكس لندن التى توفى فيها 10 آلاف شخص بسبب الإصابة بالفيروس. حتى الآن لا يوجد أى سبب للاعتقاد بأننا على شفا وباء مشابه للإنفلونزا الإسبانية. ولكن الحملة الإعلامية التى أطلقتها وزارة الصحة البريطانية لمواجهة إنفلونزا الخنازير إذا كانت ستحمى المواطنين، إلا أنها ستسهم فى تصعيد حالة القلق لديهم بكل تأكيد. الجارديان