دخل شاب فى منتصف العشرينيات إلى صيدلية بحى سموحة بالإسكندرية قبل أيام، وعلى وجهه ملامح التردد. تأمل زجاجات الشامبو بنظرة فارغة غير مهتمة، حتى خرجت كل زبائن الصيدلية. انتهز الشاب الفرصة وذهب بخطى متوترة إلى الصيدلى وسأله بصوت خفيض «يا ترى عندك كوندومز». الصيدلى الشاب لم يندهش من توتر الشاب، وسأله عن نوعه المفضل، ليكتشف أن الشاب لا يعرف الكثير عن هذه السلعة التى انتقلت فى العشر سنوات الأخيرة من أدراج عيادات «اسأل استشير» إلى العرض التجارى فى المحال الملحقة بمحطات البنزين. «الطلب على الواقى الذكرى زاد جدا فى الكام سنة اللى فاتوا، بيجى لنا نحو 30 أو 40 واحد فى أيام الخميس والجمعة»، كما يؤكد على عبدالتواب، صيدلى سموحة الذى استقبل الشاب. يخرج الصيدلى عبد التواب كاتالوج عرض لإحدى ماركات الواقيات الذكرية الأمريكية الشهيرة، التى قد استحوذت فى السنوات القليلة الماضية على نصيب الأسد من السوق المتنامية. يستعرض الصيدلى الأنواع المختلفة للواقيات الذكرية، ثم يتوقف عند سلعة بعينها داخل الكتالوج تعمل بالبطارية «والحاجات دى كانت مستحيل تكون موجودة من 10 سنين، لكن مؤخرا بقت موجودة والطلب عليها بيزيد، وثمنها أقل من 300 جنيه». ورغم وجود أدلة على استخدام المصريين القدماء للواقى الذكرى، فإن المصريين المعاصرين لا يتحدثون عنه كثيرا، ويتعاملون معه كنوع من المحرمات، والسبب تكشفه دراسة تسويق أعدتها شركة أمريكية أكدت فيها أن أكبر جمهور للسلعة النشطين جنسيا من غير المتزوجين. الصيدلى على عبد التواب خاض محادثة مع الشاب المرتبك حول كيفية استخدام الواقى الذكرى بطريقة سليمة تضمن حمايته من الأمراض التناسلية، «أنا دورى أحافظ على صحته، مش أحافظ على أخلاقه». الموقف تغير فى السنوات العشر الأخيرة، بعد ظهور خطر تفشى مرض الإيدز فى مصر. عقدت الحكومة على مدار العشر سنوات الأخيرة دراستين مسحيتين عن انتشار مرض الإيدز فى مصر، واستخدام الواقى الذكرى للوقاية من المرض اللعين، إلا أن الحكومة قد أبقت اغلب نتائج الدراسات فى طى الكتمان. الدراسة الأولى فى 2005 كانت فى الإسكندرية، ولم يتم الإفصاح إلا عن جزء بسيط من النتائج. كشفت النتائج المعلنة عن حقيقة مفزعة، وهى أن 6% من الرجال المثليين جنسيا فى المحافظة مرضى بالأيدز، وهى نسبة وصفها التقرير الممول من المعونة الأمريكية بأنها «تهدد بانتشار وبائى لمرض الإيدز بين المثليين جنسيا فى مصر». والكارثة الأكبر التى كشف عنها التقرير هى أن الكثير من هؤلاء الرجال متزوجون، ولا تعلم الزوجة شيئا عن المرض وعن الحياة الأخرى الموازية السرية. دراسة أخرى أعدها مركز دعم واتخاذ القرار فى 2009، كشفت أن عدد مرضى الإيدز فى مصر قد تضاعف 6 مرات منذ أواخر التسعينيات. وأكد التقرير أن الحل الأمثل للمشكلة هو نشر ثقافة استخدام الواقى الذكرى وحملات توعية، وقد شاركت إحدى الشركات المصنعة فى تمويل بعض الأنشطة المناهضة لانتشار مرض الأيدز من خلال منظمات المجتمع المدنى. أما التقرير المسحى الثانى، فقد بدأت فيه وزارة الصحة، دون الحديث عنه فى الإعلام، فى أواخر 2009 طبقا لمصادر بالوزارة، ولم تكشف عن نتائجه حتى الآن. فى العشر سنوات الأخيرة، انتشر مرض الإيدز فى مصر أكثر من أى وقت مضى، وظهر الواقى الذكرى للمرة الأولى بشكل مكشوف جنبا إلى جنب مع علب السجائر واللبان. لكن حقائق الموضوع تبقى ضحية مؤامرة من الصمت.