كتب بول كورنيش وديفيد ليفنجستون وديف كليمنت وكلير يورك تقريرا بعنوان «حول حرب الإنترنت» قالوا فيه إنه خلال السنوات الماضية، أبدت الحكومات والمنظمات الدولية المزيد من الاهتمام بأمن الإنترنت وأصبحت أكثر إدراكا لإلحاح هذه القضية، بعد أن أصبحت حروب الإنترنت أخطر التحديات الأمنية المرتبطة بالفضاء الإلكترونى. وأصبح ممكنا استخدام تكنولوجيا الإنترنت كغيرها من وسائل الحرب التقليدية فى الهجوم على آلة الدولة، والمؤسسات المالية، ومصادر البنية التحتية الخاصة بالطاقة والمواصلات، والحالة المعنوية للشعوب. ويمكن لحروب الإنترنت أن تكون نموذجا للحروب غير النظامية، وفى هذه النزاعات، قد يكون أحد الخصوم ضعيفا بالمعايير التقليدية، ولكنه يتسم بالمهارة وسرعة الحركة، بينما يكون الخصم الآخر رغم قوته مفتقرا إلى المرونة والرغبة فى الابتكار. أما أهم سمات حروب الإنترنت فهى السرعة الفائقة التى تتشكل بها التهديدات. ذلك أن الاضطراب فى سرعة التغير يمكن أن يؤدى إلى تقادم دورة الفعل ورد الفعل الخاصة بالإستراتيجية التقليدية قبل أن تبدأ. ولعل من المقولات الخادعة والخطيرة إن حرب الإنترنت أفضل من الصراعات التقليدية، لأنها أقل إيلاما ولا تترتب عليها إراقة الدماء ولكنها تؤدى إلى نتائج حاسمة. وفى الفضاء الإلكترونى، يصعب التمييز بين النصر والهزيمة. وهكذا تنتشر الفوضى ويحدث تضارب فى ميدان الصراع الإلكترونى، والنتائج لا تكون واضحة بحيث يمكن أن يُطبق عليها إطار عام لأخلاقيات الحرب وقيمها وأعرافها. وفى التقرير الذى نوجزه هنا، يحدد كاتبوه السمات الأساسية لحروب الإنترنت. وذلك بوصف أفعال معتدى الإنترنت وردود الفعل الدفاعية من جانب الحكومات. ووفقا لذلك، يقترحون تبنى التعريف التالى: قد تكون حروب الإنترنت صراعا بين الدول، لكنها ربما تشمل بطرق مختلفة فاعلين ليسوا دولا. وفى الحرب الإلكترونية، يصعب بشدة توجيه ضربات دقيقة ومناسبة، ويمكن أن يكون الهدف عسكريا أو صناعيا أو مدنيا، أو قد يكون غرفة «سيرفر» تحوى العديد من العملاء، بينما يكون المستهدف هو عميل واحد. ويحدد التقرير أهم السمات التى تميز حروب الإنترنت، ونوجزها فيما يلى: قد تُمكِن حروب الإنترنت الأطراف المشاركة من تحقيق أهدافها السياسية والإستراتيجية دون الحاجة إلى الصراع المسلح. يمنح الفضاء الإلكترونى الأطراف الضعيفة وعديمة الأهمية قوة كبيرة تفوق حجمها الفعلى. يؤدى العمل خلف عناوين زائفة لبروتوكول الإنترنت، أو خلف سيرفرات أجنبية أو أسماء مستعارة، إلى منح المهاجمين حصانة نسبية وقدرة كاملة تقريبا على إخفاء هوياتهم. فى الفضاء الإلكترونى، تكون الحدود بين العسكرى والمدنى، وبين المادى والافتراضى، مبهمة، ويمكن استخدام القوة من جانب الدول أو غير الدول، أو بالوكالة. يمكن النظر إلى الفضاء الإلكترونى باعتباره «ساحة المعركة الخامسة»، إلى جانب الساحات الأربع التقليدية التى تتمثل فى الأرض والجو والبحر والفضاء. فى أغلب الأحيان، تحدث الأعمال الحربية فى الفضاء الإلكترونى بالتزامن مع أشكال أخرى للقسر والمواجهة. لكن وسائل وأدوات حرب الإنترنت تختلف بالقطع عنها فى أشكال الصراع الأخرى. تُعتبر العلاقة العابرة للأطلسى مهمة فى حروب الإنترنت بفعل العديد من الأسباب. فقد امتدت الصلات الاستخباراتية والعسكرية الوثيقة بين بريطانيا والولايات المتحدة إلى الفضاء الإلكترونى، وهو ما مكَّن البلدين من التأثير على هذا المجال بصورة يصعب أن تضاهيها أية شراكة أو تحالف ثنائى آخر. يجب إجراء نقاش حول الطبيعة الدقيقة لحروب الإنترنت، مع الأخذ فى الاعتبار تعقيدات الفضاء الإلكترونى، والتحديات التى يمثلها بالنسبة لمفاهيم الدفاع والهجوم التقليدية الخاصة بالحروب، وسرعة التغيير فى مجال يغلب على الجميع، عدا رواد التكنولوجيا الأكثر كفاءة على الإطلاق. الإستراتيجية تخدم السياسة. وبالرغم من كثرة السياسات المتعلقة بأعمال حروب الإنترنت حول العالم، لا يمكن وصف هذه الحروب بأنها ظاهرة تخضع لقيود سياسية. لذلك فإن الفضاء الإلكترونى كما نعرفه لا يقع تحت سيطرة الخطاب السياسى الناضج. ونتيجة لغياب هذا الإطار السياسى الملزم فيما يتعلق بحروب الإنترنت، يصبح الفضاء الإلكترونى مجالا شديد الجاذبية ويشجع بشدة على تحقيق الأهداف الثقافية والدينية والاقتصادية والاجتماعية، وأحيانا السياسية. ويجب أن تمثل السياسة والأخلاق والعادات قيودا على حروب الإنترنت. ومن جانبها، يجب على السياسة إدراك التحديات التى تفرضها حروب الإنترنت، والتساؤل عن صحة الافتراضات الراسخة حول قدرة الدولة، وسلطة الحكومة، ودور الهيئات الحكومية والقوات المسلحة باعتبارهما من يوفر الأمن القومى حتى الآن.