فيما انشغلت وسائل الإعلام بتحليل تبعات تصريحات غير رسمية لبعض القادة العرب حول إيران، تضمنتها برقيات دبلوماسية أمريكية سرية، سربها موقع "ويكيليكس"، يعتقد خبراء بأن رد فعل طهران لن يوازي حجم هذه الكارثة الدبلوماسية. علاقات سيئة بدون تقارير سرية لم تسلم الدول العربية من هذه "الفضيحة" الدبلوماسية، إذ كشفت بعض المراسلات المنشورة عن حثّ قادة عرب، مثل العاهل السعودي الملك عبد الله، الولاياتالمتحدة على استخدام الخيار العسكري ضد إيران، بسبب تخوفات من تحولها إلى قوة نووية في المنطقة. إلا أنه ورغم الإحراج الشديد الذي سببته هذه التقارير السرية لواشنطن وللقادة العرب المذكورين، فإن فالتر بوش، خبير الشؤون الإيرانية في المعهد الألماني للسياسات الأمنية والدولية في برلين، في حوار مع دويتشه فيله، يشكك في أن تصبح العلاقات الدبلوماسية بين طهران وجيرانها العرب أسوأ من وضعها الحالي. ويضيف بوش بالقول: "العلاقات بين إيران والدول العربية سيئة دون قراءة هذه التقارير، وحتى إن لم يقرأ الإيرانيون هذه التقارير، فإنهم قد خمّنوا سوء علاقاتهم (مع الدول العربية) منذ فترة طويلة، حتى وإن لم يتم الكشف عن سوء هذه العلاقات علنًا. هذه التقارير لن تفعل أكثر من تسريع سوء العلاقات". العامل الزمني يلعب دورًا في تقييم التصريحات لا تقتصر التصريحات الهجومية على العاهل السعودي فقط، بل تمتد أيضًا إلى ملك البحرين ورئيس الوزراء القطري، اللذين طالبا خلال محادثات مع مسؤولين أمريكيين بالعمل على وقف البرنامج النووي الإيراني، وتوفير أسلحة أمريكية مضادة. هذا ونقلت وثيقة سرية أمريكية عن ولي عهد إمارة أبو ظبي إشارته إلى "أجواء الحرب التي تسود المنطقة"، التي برّر بها رغبته في زيادة القوة العسكرية للإمارات. إلا أن الخبير الألماني فالتر بوش، يشير إلى أن عددًا من القيادات العربية السياسية قد طالبت في السابق بوضع حد للبرنامج النووي الإيراني، حتى وإن تطلب الأمر استخدام القوة العسكرية، وأن طهران لديها الكثير على طبقها بدون تسريبات "ويكيليكس"، مضيفًا: "إيران تشغلها أمور أخرى بجانب ويكيليكس، مثل مقتل عالمين يعملان في برنامجها النووي في تفجيرات استهدفت سيارتيهما بطهران. ما نشرته "ويكيليكس" لا يؤدي إلى أكثر من تأكيد ما تعلمه إيران مسبقًا". من ناحيته يؤكد، الدكتور علاء الحمارنة، الباحث في مركز دراسات العالم العربي بجامعة ماينز الألمانية، في حوار مع دويتشه فيله، أن دول الخليج العربي تخشى البرنامج النووي الإيراني منذ فترة طويلة، خصوصًا بعد الاجتياح الأمريكي للعراق، الذي أعطى إيران فرصة لمدّ نفوذها السياسي عبر الأراضي العراقية. لهذا فإنه يدعو إلى أخذ تواريخ الرسائل الدبلوماسية الأمريكية بعين الاعتبار قبل تقييم ما تحتويه. ويقول الحمارنة شارحًا: "في الإمارات العربية هناك جزر محتلة من قبل إيران ونقاش حدودي قديم جديد بين الدولتين، أما إيران والبحرين فالعلاقات بينهما متأزمة منذ العام الماضي، في أعقاب تصريحات لبعض الدبلوماسيين الإيرانيين، يجب النظر إلى تواريخ هذه البرقيات (الأمريكية) المرسلة ومقارنتها بما كان يحصل في المنطقة آنذاك". "زوبعة في فنجان" ويتوقع علاء الحمارنة، أن تتحول العلاقات الباردة بين طهران ودول الخليج المجاورة، خصوصًا السعودية، إلى أزمة عندما يتطلب الأمر تنسيقًا بين هذه الدول، لإيجاد حل لوضع سياسي معين، كما كان الوضع في العراق، أو -بشكل ما أو بآخر- في لبنان. وإلى حين ظهور أزمة من هذا النوع، فيؤكد الباحث في مركز دراسات العالم العربي بجامعة ماينز، أن ما نشرته "ويكيليكس" لن يكون أكثر من "زوبعة في فنجان". وبالرغم من إجماع الخبراء على عدم توقع ردّ قوي من الطرف الإيراني، إلا أن نشر محادثات دارت بين مسؤولين عرب وأمريكيين بشكل غير رسمي -وعلى ما يبدو بشكل يوحي إلى الاطمئنان من عدم نشر محتويات هذه اللقاءات- سيضرّ بسمعة الولاياتالمتحدة إلى درجة قد تدفع القادة العرب في لقاءاتهم المقبلة مع ساسة واشنطن إلى التفكير أكثر من مرة فيما سيقولونه أو حتى التزام الصمت، فإذا كان الكلام من فضة، فإن السكوت من ذهب.