أسعار اللحوم البلدي والكندوز اليوم الثلاثاء 24-6-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    الثانوية العامة 2025.. بدء امتحان الإنجليزي لطلاب STEM    اليوم.. الحكم على المتهمين فى قضية "خلية المرج الثالثة"    بدء تلقي التظلمات على نتيجة الشهادة الإعدادية بالشرقية اليوم.. اعرف الخطوات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 24-6-2025 في محافظة قنا    الديدان الطفيلية تساعد البشر في مكافحة السمنة.. كيف؟    رئيس الوزراء يستعرض مع رئيس "برجيل القابضة" التعاون في مجال زرع النخاع    علي الحجار يشيد ب«الأرتيست»: عرض عالمي يُشرف مصر نصًا وإخراجًا وتمثيلًا    رد مثير من أفشة على الانتقادات والسخرية من لقطته أمام بالميراس    أسعار سبائك الذهب اليوم الثلاثاء 24 يونيو 2025 بعد الارتفاع العالمي ل المعدن الأصفر    أسعار الفراخ اليوم الثلاثاء 24-6-2025 بعد الانخفاض وبورصة الدواجن الرئيسية    ارتفاع حصيلة قتلى صاروخ إيران الأخير إلى 11 إسرائيليا على الأقل    الأمن العراقى: طائرة مسيرة مجهولة استهدفت الرادار فى معسكر التاجى    بعد تعادل مثير مع بورتو.. الأهلي يودع كأس العالم للأندية    أولى تصريحات ريبيرو بعد التعادل الماراثوني بين الأهلي وبورتو    «أفضل مبارياته مع الأحمر».. تقييم زيزو في مواجهة الأهلي وبورتو    رغم تحذير أسرته، عودة العندليب بتقنية الهولوجرام بمهرجان موازين تثير اندهاش الجمهور (صور)    ما حكم تيمّم المرأة التي تضع «المكياج»؟.. الإفتاء تُجيب    ضبط المتهمين باشعال النيران داخل سوق في حدائق القبة    بوجبا يقترب من العودة إلى منتخب فرنسا    "زيزو لا إنهارده والسوشيال ميديا جابتنا ورا".. انتقادات قوية من نجم الأهلي على أداء كأس العالم للأندية    "طلعت مصطفى" تتصدر قائمة أقوى 100 شركة في مصر.. وتحصد جائزة المطور العقاري الأول لعام 2025    البترول: حقل ظهر لا يزال واعدًا وخطة لإضافة 200 مليون متر مكعب غاز عبر آبار جديدة    أحمد جمال يكتب: قنبلة صيفية    عراقجي: إذا أوقفت إسرائيل هجماتها عند الرابعة فجرًا سنلتزم ب عدم الرد    اليوم.. طلاب الثانوية العامة يؤدون امتحان اللغة الأجنبية الثانية    ضبط صاحب محل ملابس ب سوهاج استولى على 3 ملايين جنيه من 8 أشخاص بدعوى توظيفها    استدعاء مالك عقار شبرا المنهار لسماع أقواله    متحدثة الحكومة الإيرانية: لم نبدأ الحرب وسندافع عن حياة شعبنا حتى النهاية    العدالة المدفوعة في زمن السيسي.. نقابة المحامين تجدد رفضها لفرض الرسوم القضائية    سلمى أبو ضيف: «مش مقتنعة بالخطوبة واتجوزت على طول عشان مضيعش وقت»    سلمى أبوضيف: وزني زاد 20 كيلو ب الحمل وتمنيت ولادة صوفيا يوم عيد ميلادي    البابا تواضروس يعزي بطريرك أنطاكية للروم الأرثوذكس في ضحايا الهجوم على كنيسة مار إيلياس    لطلاب الثانوية.. منح 75% للتسجيل المبكر بالبرامج الدولية بهندسة عين شمس    هل الشيعة من أهل السنة؟.. وهل غيّر الأزهر موقفه منهم؟.. الإفتاء تُوضح    تفسير آية | معنى قولة تعالى «وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي 0لۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي 0لۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ»    "تعليم الشيوخ" تُطالب بتكاتف الجهود لمواجهة التنمر بالمدارس    مصر للطيران تعلن استئناف تدريجي للرحلات الجوية بعد تحسن الأوضاع الإقليمية    فرص تأهل الهلال إلى دور ال 16 من كأس العالم للأندية    قطر تعلن استئناف حركة الملاحة الجوية بعد تعليقها مؤقتًا    تامر عاشور يشعل ليالي "موازين 20" بالرباط.. ومسرح العظماء يستعد لصوته    غدا ميلاد هلال شهر المحرم والخميس بداية العام الهجري الجديد 1447 فلكيا    85.3 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال تداولات جلسة الإثنين    جماهير الأهلى تحفز اللاعبين بلافتات "أعظم نادى فى الكون"    تحرير 8 محاضر منشآت طبية غير مرخصة في سوهاج (صور)    طريقة عمل المسقعة باللحمة المفرومة في خطوات بسيطة    علاج الإمساك المزمن، بالأعشاب الطبيعية في أسرع وقت    مسئول إيراني: طهران لم تتلق أي مقترحات لوقف إطلاق النار    قطر تعلن استئناف حركة الملاحة الجوية    ترامب: الحرب كادت تدمر الشرق الأوسط لسنوات لكنها لم ولن تفعل    أيمن سمير يكتب: 4 سيناريوهات للحرب الإسرائيلية - الإيرانية    ترجمات| «هكذا تكلم زرادشت».. صدم به «نيتشه» التيارات الفلسفية المتناقضة في أوروبا    عرفت من مسلسل.. حكاية معاناة الفنانة سلوى محمد علي مع مرض فرط الحركة    إصابة عامل بطلق خرطوش في دار السلام بسبب خلافات الجيرة وضبط الجاني    بروتوكول بين «الجمارك» وجامعة الإسكندرية لتعزيز الاستثمار في التنمية البشرية    انعقاد لجنة اختيار المرشحين لمنصب عميد كلية الحاسبات والمعلومات بجامعة قناة السويس    ليلى الشبح: الدراما العربية تعد من أبرز أدوات الثقافة في المجتمعات    وزير قطاع الأعمال يشارك ممثلا عن مصر في افتتاح قمة الأعمال الأمريكية الأفريقية في دورتها ال17 بأنجولا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدبلوماسية والشبكة:التزام السرية يولد الفضول والتمرد
نشر في الشروق الجديد يوم 09 - 12 - 2010

أثارت تسريبات مراسلات وزارة الخارجية الأمريكية عن طريق الشبكة الإلكترونية تعليقات شتى، وأغضبت عشرات السياسيين فى العالم وهزت مكانة مبدأ السرية فى أجهزة المخابرات والمؤسسات الأمنية فى دول كثيرة، بعد أن كان للسرية فى الأجهزة التى تتعامل مع أوراق ومستندات معينة مكانة مهمة لا يقدرها إلا من عمل فيها وتعامل معها. هذا بالإضافة إلى ما هو معروف فى البيروقراطية عن أن سرية الوثائق والاتصالات تعتبر فى حد ذاتها مصدرا من مصادر شرعية كثير من مناصب الدولة السياسية والأمنية ومبررا لإضفاء الأهمية على شاغليها. تعلمت من التجربة، أن كثيرا من الناس يضفون صفة السرية على ما يقومون به من مهام بهدف تضخيم أهمية وظائفهم أو أنفسهم. آخرون يستخدمونها لزيادة نفوذهم وقوتهم عملا بمقولة أن المعلومات فى حد ذاتها مصدر قوة والمعلومات السرية قوة أعظم.
علمتنا التجربة أيضا أن السرية تولد الفضول وتثير دائما الرغبة لكسرها. لذلك لم تفاجئنى تسريبات ما عرف بموقع ويكيليكس كما لم تفاجئ الذين مارسوا فى مرحلة أو أخرى من حياتهم العمل فى سرية وكتمان. هؤلاء يدركون جيدا أن السر معرض دائما للانكشاف منذ اللحظة التى يتقرر فيها فرض التعتيم أوالكتمان على حدث أو محادثة. وما حملة الشفافية إلا دعوة للعمل فى العلن لتفادى كثير من السلبيات التى تنتج عن العمل فى سرية وخلف أبواب مغلقة. يقول هؤلاء إن التعلق بالسرية يدفع إلى الشك فى النوايا فالجرائم والسرقات والرشوة والتآمر كلها يجرى التخطيط لها فى إطار من السرية.
من ناحية أخرى، يثير التمسك بالسرية الرغبة فى التمرد ويتسبب فى انشقاقات داخل المؤسسات التى تستخدمها. لذلك أمكن للكثيرين تفهم ما قام به المسئولون عن تسريبات الوثائق باعتبار أن معظم كوارث السنوات الأخيرة فى العراق وأفغانستان وإجراءات الحرب ضد الإرهاب جرى الإعداد لها فى الظلام وبعيدا عن الشفافية. ولا يخفى أن جماعات أخرى سبقت ويكيليكس حين قامت بتوزيع صور التعذيب فى سجون العراق وحياة المعتقلين فى جوانتانامو، فكانت بما فعلته تنبئ بقرب ظهور حركة أقوى تنظيما وتمويلا كتعبير عن الرفض للسرية التى صارت كالسحابة السوداء تخيم على العلاقات الدولية.
العمل فى سرية يكاد يكون طبيعة ثانية من طبائع البشر وإن كان طبيعة أولى للذين يمارسون مهنا بعينها. كان الدبلوماسيون فى قديم الزمن يحتفظون بالمعلومات التى يتحصلون عليها فى ذاكرتهم لأنهم يتوقعون أن هناك من سيحاول تفتيش حقائبهم والاطلاع على وثائقهم التى يسجلون فيها الأحداث والمحادثات والمعلومات. وفى العصور الوسطى كان المسئولون يدفعون رواتب ثابتة لخدم المبعوثين الاجانب ومساعديهم ليقرأوا أوراقهم ومخطوطاتهم وينقلوا فحواها إليهم. وعندما استحدثت الدول الحقيبة الدبلوماسية لنقل الرسائل عظيمة الأهمية وتوافقت على عدم فتحها تحت أى ظرف أو لأى سبب كانت وزارة الخارجية فى إحدى دول وسط أوروبا، وكانت قوة عظمى وقتذاك، تتسلم من مصلحة البريد حقائب السفارات الدبلوماسية فى الساعة السابعة صباحا. وفى الوزارة يعمل الخبراء
على كسر أختام الشمع الأحمر على المظاريف وفتحها وترجمة محتوياتها بسرعة أو نقلها حرفيا وإعادتها داخل المظاريف وختمها مرة أخرى بالشمع الأحمر قبل إعادتها إلى مصلحة البريد فى التاسعة صباحا. وأظن أن جميع الدبلوماسيين فى معظم أنحاء العالم يتوقعون أن تفتح حقائبهم الدبلوماسية مرات وليس مرة واحدة خلال رحلتها عبر العديد من الدول من وزارة الخارجية إلى مقر البعثة فى الخارج وبالعكس.
ومع ذلك لم يتوقف الدبلوماسيون ولن يتوقفوا عن تسجيل ملاحظاتهم وتحليلاتهم وإحاطتها بالسرية الممكنة وباستخدام الشفرة إن أمكن، ولم يتوقف دبلوماسيون ومتخصصون ومسئولو أمن على الناحية الأخرى ولن يتوقفوا عن محاولة الاطلاع على هذه الوثائق وكسر شفرة ما هو مشفر منها وتصويرها قبل أو بعد أن تصل إلى وجهتها. نعرف من الأدبيات المنشورة عن الدبلوماسية منذ أيام كوتيليا رائد الدبلوماسية الهندية ومبعوثى فراعنة مصر إلى ملوك الشرق، أن ما تفعله حكومة من الحكومات لتأمين مراسلاتها ستقوم حكومة أخرى بإبطاله أو كشفه، ونعرف الآن أن الشعوب تفعل الشىء ذاته، فكلما طورت الحكومات أجهزة وأساليب التجسس على شعوبها قام أفراد وجماعات بجهود ومحاولات لكشفها وفضحها والتشهير بها وإن أمكن، إبطال مفعولها.
لم تفاجئ الكثير من المهتمين محتويات معظم البرقيات والوثائق التى سربها الموقع حتى الآن. أنا شخصيا لم تضف شيئا جديدا لم أكن أعرفه عن فساد سيلفيو بيرلسكونى رئيس وزراء إيطاليا وعلاقاته بشركات ومصالح تجارية فى روسيا أو عن غطرسة نيكولا ساركوزى رئيس جمهورية فرنسا وعناده، أو عن فلاديمير بوتين رئيس وزراء روسيا وميوله الاستبدادية واستهانته بالأحزاب وعدم اكتراثه بها ومن بينها حزبه الذى أنشأه بنفسه ولنفسه واعتماده المطلق على وكالة الاستخبارات الروسية وأجهزة الأمن فى حكم البلاد. لم يكن جديدا ما سربه الموقع من وثائق تحكى عن مواقف بعض حكام العرب من إيران وضغوطهم على أمريكا لتقسو على حكومة طهران وعن علاقاتهم السرية بإسرائيل وقادة إسرائيليين، أو عن صلابة إيفو موراليس رئيس بوليفيا ونزاهته والجانب غير المعلن فى شخصية هوجو شافيز، أو عن الفظائع التى ارتكبتها القوات الأمريكية والبريطانية والعراقية ضد المدنيين فى العراق.
لم أطلع على معلومات مثيرة تتعلق بدور إيران فى إعادة بناء دولة العراق كدولة تابعة لحكومة طهران بعد انسحاب الأمريكيين، أو عن عجز القوات البريطانية عن تأمين إقليم هلمند فى أفغانستان ودور الاستخبارات الباكستانية فى دعم فصائل أفغانية متطرفة. قليلة جدا كانت المعلومات التى فاجأتنى ومنها على سبيل المثال حكاية حسابات أردوغان السرية فى مصارف سويسرا وفاجأنى أيضا رد فعله العنيف، وإن كان الرد الأعنف هو الذى جاء على لسان الرئيس بوتين فى إشارته إلى القوى الخفية وراء هذه التسريبات..
يصعب مع ذلك، إنكار أن هذه التسريبات دعمت قناعتنا بأهمية الدور الذى صارت تلعبه الشبكة الإلكترونية فى حياتنا وضاعفت ثقتنا فى أننا لن نستطيع العيش بدونها. وبهذه التسريبات تكون قد دقت الشبكة من جديد جرس إنذار حين تذكرنا بأن ما «لا نستطيع العيش بدونه يستطيع قتلنا». وقد أثبتت الشبكة الإلكترونية بالفعل أنها وإن كانت قادرة على تغيير العديد من أنماط حياة ملايين البشر فهى أيضا قادرة على إنهاء حياتهم أو على الأقل الإضرار بها.
لا ننسى، ولا يجب أن ننسى، أن القرن الماضى خلف لنا إنجازات عديدة، أهمها على الإطلاق إنجازان هما تفكيك الذرة وشبكة الانترنت. لا جدال حول أن الاختراع الأول قدم للبشرية خدمة عظمى حين مهد لاستخدام طاقة جديدة ونظيفة وفى الوقت نفسه ما زال يعرضها للتهديد بالفناء. أما الإنجاز الثانى فقد فتح الطريق الذى يسمح للبشرية باقتحام آفاق لم يدر بخلد الذهن البشرى أنه قادر على الاقتراب منها. وفى الحالتين، حالة انشطار الذرة وحالة الانترنت انشغلت عقول كثيرة فى كل أنحاء العالم بمحاولة للتوصل إلى وسيلة تساعد فى إعادة «العفريت» إلى القمقم. بذلوا ويبذلون جهودا لمنع انتشار الأسلحة النووية والحد من إنتاجها وفرض الرقابة عليها، وبذلوا ويبذلون الجهود أيضا لمنع استخدام الإنترنت فى تخريب اقتصادات الدول وتهديد أمنها العسكرى، ولا ننسى أنه بالإنترنت وحده أصبح ممكنا الوصول إلى شفرة إطلاق الأسلحة النووية ومراكز تشغيل مرافق الحياة فى المدن العظمى.
ولا يوجد أمام العالم سوى طريقين لمواجهة خطر الشبكة الإلكترونية. أمامه الطريق الصينى الذى يقضى بمنع تدفق المعلومات من أساسها ومن مصادرها، وهو طريق غير مضمون النجاح بدليل ما حدث بين الصين وشركة جوجل، أمامه أيضا الطريق الأمريكى، أى فرض الرقابة والتدخل والتجسس وهو ما تحاول أمريكا السير عليه منذ أحداث سبتمبر، وقد أثبتت تسريبات موقع ويكيليكس أنه كذلك طريق غير مضمون.
أنا شخصيا غير متأكد تماما من أن تسريبات الوثائق الدبلوماسية الأمريكية سوف تحدث تغييرا كبيرا فى سلوك المسئولين، وبخاصة الدبلوماسيين، وإن كنت أتوقع تغييرات فى تطبيق معايير سرية المعلومات ومحاولة ضبط توزيعها وتحديد عدد ونوعية مستخدميها. لن تغير فى سلوك الدبلوماسيين لأن وظيفتهم هى الحصول على معلومات وتحليلها ونقلها إلى المسئولين فى عاصمة بلادهم، ولن تغير كثيرا فى مضمون ما يصرح به كبار القادة والزعماء لأقرانهم ومبعوثيهم فالرغبة فى الكلام عند أغلبهم تتغلب على الحاجة إلى الحرص.
ومع ذلك لا أستبعد أن يحدث تغيير فى سلوك بعض أفراد النخب المثقفة ونجوم المجتمع الذين اعتادوا قبول دعوات الدبلوماسيين الأجانب والتفاخر أمامهم بما لديهم من معلومات ونميمة وتحليلات عن كبار الشخصيات والمسئولين فى بلادهم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.