نشأ إيرا ستاب فى فيلادلفيا حيث كان قد التحق بمدرسة ومعسكرات اليوم اليهودى. وقد وجد بيته فى الحى اليهودى وكان «منتشيا بالديمقراطية اليهودية» كما هى مصاغة فى المُثُل العليا لتأسيس إسرائيل. وقد عاد الآن مضطربا بشدة من زمالة لمدة عام فى تل أبيب. أسوأ حادث وقع كان فى شارع بن يهودا فى وسط القدس. فقد كان ستاب البالغ من العمر أربعة وعشرين عاما وخريج جامعة كولومبيا عائدا من اجتماع جماهيرى مع اثنين من الأصدقاء حاملين لافتات مكتوب عليها «الصهاينة ليسوا مستوطنين». واقتربت مجموعة من اليهود المتدينين الذين يرتدون القبعة وبصقت عليهم وبدأت فى توجيه اللكمات. «رأى نحو 20 شخصا الأمر كله ولم يفعلوا سوى المشاهدة. وكانوا يصيحون «لستم يهودا حقيقيين».كان معظمهم أمريكيين. وكانت تلك واحدة من أقسى لحظات حياتى يمكنك أن تختلف ما شئت مع إحدى اللافتات، لكن أن تسمح بالعنف ولا تتفاعل فهذا مثير للغضب. وبالنسبة لى كانت تلك نقطة تحول. إذ لم يقل لى أحد من قبل إنى «لست يهوديّا حقيقيا». ومع ذلك فالرأى القائل بأن اليهود الأمريكيين المؤيدين لإسرائيل لكنهم ينتقدون سياساتها ليسوا «يهودا حقيقيين» أمر شائع. وما زال تساؤل هل إسرائيل على حق أم على باطل هو المقاربة الجوهرية لمعظم المنظمات اليهودية الأمريكية، من اللجنة الإسرائيلية الأمريكية للشئون العامة (إيباك) إلى مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الرئيسية. معارضة التوسع المستمر للمستوطنات فى الضفة الغربية («الصهاينة ليسوا مستوطنين»)، أو مسألة التعصب المتزايد ضد العرب مجسدا فى وزير الخارجية المنتمى لأقصى اليسار ويوضحه جدل «قسم الولاء»، أو التساؤل عما إذا كان من الممكن ألا يكون ل«نزع شرعية» إسرائيل علاقة بأعمالها، تعنى غضب هذه المنظمات المطرد. ومازال الجدل مكتوما، بالرغم من مطالبة مقال بيتر بينارت هذا العام فى مجلة نيويورك ريفيو أوف بوكس، الذى يصف فيه الاغتراب المتزايد بين اليهود الأمريكيين الشباب، ب«تقييد ليبراليتهم عند باب الصهيونية». ومن المؤكد أنك يمكن أن تجد كل أنواع الآراء بشأن إسرائيل فى أنحاء المكان؛ فمازال المجتمع الأمريكى مفتوحا. لكن إيباك تتحاشى باستمرار الجدل مع «الشارع اليهودى»، تلك المنظمة اليهودية الناشئة التى تؤيد إسرائيل، وتعارض المستوطنات، وتحاول إحياء المثل التقدمية للصهيونية، بقولها إن القمع المنظم للفلسطينيين يقوض إسرائيل. فال لى جيريمى بن عامى، رئيس الشارع اليهودى: «مازالت رؤية هذه المنظمات فى المقام الأول هى أنك فى أى وقت تشارك فى نشاط ينتقد إسرائيل فأنت تحاول تدمير دولة إسرائيل. ها هم كل الأطفال اليهود الذى تربوا على القيم الليبرالية العظيمة فى المدارس العبرية المسيرات من أجل المشردين ودارفو والإيدز لكن حاشا لله أن نتحدث عما يجرى فى إسرائيل! فتلك ديناميكية تقطع الخطاب». تستحق هذه القضايا المناقشة على أعلى مستوى. فقد توقفت محادثات الشرق الأوسط مرة أخرى، بسبب المستوطنات على وجه التحديد. وليس لدى الرئيس باراك أوباما فى الواقع أى تأييد محلى لمحاولته استنكار النمو المتواصل للمستوطنات باعتباره أمرا غير مقبول ومقوض لسلام الدولتين فى جوهره، وهو الأرض. تُرِك أوباما معلقا، وبشكل أكبر بعد انتخابات التجديد النصفى، وكان لابد له من التراجع. وليس هذا فشلا للأحزاب فحسب. إنه فشل السياسة الأمريكية وما عليه هؤلاء الساسة من تقييد بواسطة عبارة إسرائيل على خطأ أم على صواب التى تؤدى بعناد بمرور الزمن إلى دولة واحدة العرب فيها أكثر من اليهود. فما الذى يتبقى حينئذ من الحلم الصهيونى؟ كثيرا ما كان بحث ستاب يقوده إلى الضفة الغربية. وكان يعود إلى تل أبيب ويتحدث عن إذلال الفلسطينيين التى رآه، وكان يرى أنه من الواضح أن الإسرائيليين غير واعين أو غير مهمومين. وقد قرأ فى إحدى الصحف أن 53 بالمائة من اليهود الإسرائيليين سوف يشجعون عرب إسرائيل على الرحيل «وقد رأيت ذلك وشعرت به باعتباره كلاما غير موثوق به». هناك سؤال مؤلم: «عند رؤية ما هو عليه الاحتلال، وبناء على مُثُل الديمقراطية اليهودية التى تربيت عليها، تساءلت: هل يمكن أن تكون إسرائيل فاشلة وهل يمكن نحن اليهود الأمريكيين أن ندافع عن هذا الفشل؟». حان الوقت لإعادة النظر، وقبل كل شىء التفكير بصراحة. ففى الشهر الماضى كان من المقرر أن يتحدث بن عامى فى معبدالإصلاح اليهودى، معبدبيت أفوداه، فى نيوتاون بالقرب من بوسطن. وفى الدقيقة الأخيرة ألغى الحدث بسبب ما وصفه الحاخام بأنه معارضة قوية من «مجموعة مؤثرة صغيرة» ضمن جماعة المصلين فى المعبد. فى بعض الأحيان تكتشف الجماعات اليهودية، أو جمعيات هيليل، فى الجامعات الأمريكية أنها سوف تخسر أكبر مانحيها إن هى سمحت لواحد من مجموعة شباب الشارع اليهودى بالدخول فى تشكيلها. فى الشهر الماضى، بينما كان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يتحدث إلى الاتحادات اليهودية فى أمريكا الشمالية فى نيو أورليانز، أحرجه المتظاهرون الذين يحملون لافتات تشير إلى أن الاحتلال وقسم الولاء ينزع الشرعية عن إسرائيل. وقد مُزقت لافتاتهم (بالأسنان) وتم سحب اليهود الشبان إلى الخارج. فعندما يمكن إجراء نقاش مهم تكون الغلبة للمواجهة. انضم ستاب الذى دُفِع للعمل إلى الشارع اليهودى. وتسبب هذا القرار فى وقوع ضغط هائل على أسرته فى فيلادلفيا. وقد ذهب أحد أصدقاء الأسرة المقربين إلى منزل والدته مؤخرا واتهمه ب«تسميم عقول اليهود الشباب». لقد دُفعت الصداقة إلى نقطة الانكسار. سألنى ستاب: «لماذا يعد تشجيعهم على التفكير النقدى بشأن أعمال الحكومة الإسرائيلية تسميما للعقول؟»