يقلل الأتراك من أهمية التحالفات الاستراتيجية التى تبحث عنها إسرائيل فى منطقة البلقان، التى تعد «بوابة» أنقرة على القارة الأوروبية، وعلى الرغم من تفاؤل تل أبيب بالمبادرة التى يعتبرها إسرائيليون أهم تحرك دبلوماسى يقوم به رئيس وزرائهم بنيامين نتنياهو منذ «انهيار» العلاقات مع الحليف التركى، رجح خبراء أتراك فى تصريحات ل«الشروق» أن يُمنى هذا المسعى بالفشل، وعلى أقل تقدير لن يؤثر على ثقل تركيا الإقليمى والدولى. فمنذ عدة أشهر تعمل حكومة نتنياهو على بلورة تحالفات استراتيجية جديدة مع دول بلقانية تشارك إسرائيل القلق من سياسة رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان، على حد قول مصادر دبلوماسية إسرائيلية. هذه التحالفات المنشودة، اعتبرها المحلل السياسى التركى إبراهيم أقباب «بمثابة رد فعل إسرائيلى على تعاظم دور تركيا فى منطقة الشرق الأوسط، غير أن هذه التحالفات لن تمثل أى تهديد لأنقرة، التى لم تهتم أصلا بالإعلان بها». وعلى الرغم من اعتبار مسئولين إسرائيليين أن العديد من دول البلقان تعد أرضا خصبة لإمكانات التعاون الأمنى والتكنولوجى والاقتصادى مع إسرائيل، رجح أقباب «فشل التحالفات المنشودة وعدم استمرارها؛ جراء افتقار تل أبيب لقواعد سياسية فى البلقان». ورأى فى التحركات الإسرائيلية «محاولة للضغط المضاد للجهود التركية فى الشرق الأوسط؛ وخوفا من أن يسفر عنها مزيد من عزلة إسرائيل عن العالم، كما يحاول نتنياهو استرضاء ساحته الداخلية، وسط تزايد الانتقادات الشعبية لعجزه عن مواجهة أنقرة». متفقا مع أقباب، اعتبر الخبير التركى عمر دوران أنه «مهما فعلت إسرائيل فلن تجد فى البلقان حليفا بديلا لتركيا.. المسئولون الأتراك يتابعون عن كثب التحركات الإسرائيلية فى البلقان على الرغم من أنها لا تخيف أنقرة، فهى تستهدف فقط إزعاجها لتتراجع عن مواقفها تجاه الشرق الأوسط والعالم الإسلامى». وتضم منطقة شبه جزيرة البلقان كلا من اليونان، وبلغاريا، وألبانيا، وكوسوفا، والبوسنة والهرسك، وصربيا، والجبل الأسود، وكرواتيا، وجمهورية مقدونيا. وتدرك إسرائيل جيدا الأهمية الجيوسياسية لهذه المنطقة بالنسبة لتركيا؛ إذ تعد «بوابة» أنقرة للقارة الأوروبية؛ لذا وسعت تل أبيب من حجم التعاون معها، ليمتد إلى المستوى العسكرى والمخابراتى، فضلا عن تعزيز التعاون السياحى والتكنولوجى. وبذلك تريد إسرائيل تعويض خسارة تحالفها مع تركيا، الذى بدأ يتمزق عقب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المحاصر ما بين ديسمبر 2008 ويناير 2009، والهجوم الإسرائيلى الدامى على أسطول الحرية لغزة نهاية مايو الماضى، والذى أودى بحياة تسعة متضامنين، هم ثمانية أتراك وأمريكى من أصل تركى، إضافة إلى اتهامات تل أبيب لأنقرة بتغذية التطرف فى الشرق الأوسط. وإثر الهجوم على أسطول الحرية، سحبت تركيا سفيرها من تل أبيب، وتشترط لتحسين العلاقات أن تعتذر إسرائيل عن هذا الهجوم، وأن تدفع تعويضات لعائلات الضحايا. وأفادت الإذاعة الإسرائيلية الإثنين الماضى بأن البلدين توصلا إلى مسودة اتفاق لتسوية الأزمة بينهما، تقضى بأن تعتذر إسرائيل وتقدم تعويضات، مقابل إعادة السفير التركى إلى تل أبيب، وموافقة تركيا على تعيين سفير إسرائيلى فى أنقرة. وخلال العام الحالى كثفت إسرائيل علاقاتها مع كل من بلغاريا واليونان المرتبطة بنزاع مع تركيا حول جزيرة قبرص. وبحسب ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية فإن مسئولا إسرائيليا رفيعا صرح بأن «رئيس الحكومة البلغارية بويكو بوريسوف أعرب لنتنياهو مطلع هذا العام، عن رغبته فى توثيق التعاون الأمنى والمخابراتى مع إسرائيل بعد أن أدرك حجم الخطر التركى على بلغاريا التى كانت تحت الحكم العثمانى لنحو 500 عام». المسئول نفسه تحدث عما وصفه ب«دفء دراماتيكى» فى العلاقات بين تل أبيب وأثينا، إثر تجاوب رئيس الحكومة اليونانية يورجوس باباندريو مع رغبات نتنياهو فى إقامة تعاون أمنى ومخابراتى مع اليونان. غير أن أقباب استبعد «قيام تحالف حقيقى بين دول البلقان وإسرائيل»، مستثنيا «اليونان وبعض الدول الصغيرة التى خرجت من عباءة الاتحاد السوفيتى السابق، وليس لها محل من الإعراب السياسى.. ولها مطلق الحرية فى سياساتها الخارجية». وبالفعل رشح دوران «اليونان كأول دولة فى البلقان مهيأة للتحالف مع إسرائيل»، غير أنه وصف السياسة اليونانية تجاه إسرائيل ب«الواقعية»، مضيفا فى الوقت نفسه أن «أنقرة تركز فى الفترة الأخيرة على تحسين علاقاتها مع اليونان كى لا تقع أثينا فى الفخ الإسرائيلى».