طوال سنوات الصراع العربي الاسرائيلي، كانت اليونان حليفا تقليديا للحق العربي لدرجة أنها رفضت إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل حتي عام 1990 علي عكس تركيا التي لم تمنعها هويتها الاسلامية من الارتباط بعلاقات صداقة وتحالف مع الاسرائيليين. ورغم الدعم اليوناني القوي للقضايا العربية والتقارب التركي مع اسرائيل ، الا ان الهوي العربي كان يميل دائما إلي جانب الاتراك ربما لاسباب دينية ! وبعد الازمة الاخيرة بين أنقرة وتل أبيب نتيجة الهجوم الاسرائيلي علي سفينة إغاثة غزة التركية في البحر المتوسط، حدث ما يشبه الانقلاب في هذه المعادلة فقد تلقت إسرائيل أكثر من لطمة تركية وأخذت تبحث عن وسيلة للرد. وأخيرا قررت استغلال حالة العداء بين تركيا واليونان والتي وصلت أكثر من مرة إلي حافة الحرب لكي تجبر تركيا علي دفع ثمن تقاربها مع العرب وإنهائها لمرحلة الصداقة والتعاون مع إسرائيل. وعلي طريقة كيد النساء، اندفع قادة إسرائيل لمغازلة اليونان من خلال محادثات سرية ثم دعوة رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو لزيارة إسرائيل وأخيرا زيارة بنيامين نتنياهو لأثينا قبل أيام والتي كانت هي الاولي التي يقوم بها رئيس وزراء إسرائيلي لليونان. وفي نفس الوقت ، بدأ الحديث يتردد عن تعزيز علاقات إسرائيل العسكرية مع اليونان بينما تدفق عشرات الألوف من السياح الاسرائيليين علي المنتجعات اليونانية بالاضافة إلي دعم التعاون الاقتصادي وتشجيع الاستثمارات الاسرائيلية في اليونان كما جرت محادثات بين الجانبين لاقامة حلف جديد يضم إسرائيل واليونان وقبرص ودول البلقان ورومانيا وبلغاريا لمواجهة ما يصفه الاسرائيليون بالتحالف التركي مع العرب وإيران. والسؤال الذي يحتاج لاجابة هو .. هل يمكن أن تضحي اليونان بمصالحها وعلاقاتها التاريخية الوطيدة مع العرب وتتحالف مع إسرائيل؟ الاجابة يمكن استشفافها من خلال الازمة الاقتصادية الطاحنة التي تواجهها اليونان في الوقت الراهن بالاضافة إلي حقيقة لا يمكن تجاهلها وهي أن مواقفها المؤيدة للحقوق العربية لم تحقق لها أي مصلحة أو فائدة خاصة مع العرب الذين تجاهلوا هذه المواقف وهرولوا دائما في اتجاه تركيا متجاهلين علاقاتها الوطيدة مع إسرائيل. والحقيقة أن إسرائيل ضربت أكثر من عصفور بحجر واحد من خلال تدعيم علاقتها باليونان بعد انهيار علاقاتها مع تركيا. فهي، من ناحية، وجدت بديلا لتركيا خاصة في مجال المناورات العسكرية المشتركة التي أوقفها الاتراك بعد حادث السفينة. وتحتاج إسرائيل بشدة لهذه المناورات وهي تستعد لتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الايرانية. ومن ناحية أخري كسبت إسرائيل بهذه العلاقات الجديدة مع اليونان حليفا مهما في منطقة البحر المتوسط كان دائما يمثل دعما للحقوق العربية وورقة ضغط ضد السياسات الاستعمارية الاسرائيلية كما أثبتت إسرائيل لتركيا وغيرها من دول المنطقة أن بوسعها استبدال حلفائها وأن مصالحها لا تتوقف علي رضا دولة بعينها حتي ولو كانت هذه الدولة بحجم تركيا. المشكلة الكبري في هذا الانقلاب في التحالفات بالمنطقة تكمن في العرب الذين التزموا بموقف المتفرج وهم يرون حليفا مهما لهم مثل اليونان يسقط، سواء برغبته أو رغما عنه، في أحضان إسرائيل وهي خطوة ربما لا تستوعب الدول العربية أهميتها وخطورتها إلا بعد فوات الأوان.