لصديقى الدكتور مصطفى حجازى تعبير مفيد مضمونه أن المشكلة فى مصر لم تعد الجهل والفقر والمرض فقط، وإنما هناك مرض لا يقل خطورة وهو الادعاء، أى خلق «حقيقة مُمسرحة» أشبه بمسرح نعيشه جميعا ويختلط علينا الأمر بين الحقيقة والخيال. وهى فكرة قديمة لأفلاطون عن مجموعة من الناس يعيشون فى كهف ويرون فيه خيالات لحيوانات وأشياء موجودة خارج الكهف لكنهم لا يعرفون أنها مجرد خيالات؛ حتى يخرج أحدهم ويعرف الحقيقة وينعم بها لكنه يقرر أن يعود إلى أهله ليخبرهم بحقيقة ما رأى وينفى عنهم «نعمة الجهل» الذى يعيشونه. ولكنهم يقاومونه ويرفضونه ويعتبرونه خارجا عن التقاليد وفى النهاية يقتلونه، كرمز لمأساة سقراط. وهذا ما أتقنته الكثير من النظم السياسية المعاصرة. ففى كتاب لباحثة أمريكية عن سوريا انتهت إلى ما سمته «شرعية كده وكده» أو «acting as if legitimacy»؛ فالنظام يتصرف وكأنه شعبى وشرعى، ومعظم الناس يراءون النظام خوفا وطمعا. وتحدث الانتخابات العربية لكنها أقرب إلى ضرورات وهمية أو أوهام ضرورية يغير فيها النظام الحاكم جلده ويرسل رسالة إلى العالم الخارجى بأنه «شرعى» حتى ولو «كده وكده». ويستخدم جميع أدوات وحيل التعريض بالمعارضين مثل قطع الكهرباء عن السرادق الانتخابى للمعارضين، أو إلباس عناصر من الأمن المركزى ملابس مدنية للنيل من أعداء النظام، والتضييق على الإعلاميين والمثقفين المستقلين، وفتح الطريق أمام كل من لا يهدد استمرار واستقرار الفساد أو الاستبداد. وأخطر ما فى الادعاء أنه يضمن استمرار الجهل والفقر والمرض والاستبداد والتخلف لأنه يجعلك تفقد القدرة على تحديد من الذى ينبغى أن تسأله النصيحة بشأن أى قضية وفى أى توقيت. كمن يثق فى كلام «حلاق الصحة» كما لو أنه هو الطبيب الحقيقى، أو الدجال كما لو أنه «طبيب نفسى». وأن يتحول شخص غير مؤهل لأن يكون قارئا إلى رئيس للتحرير على حد تعبير شهير لأحمد المسلمانى. طيب ما الحل يا دكتور؟ كان هذا هو السؤال الذى طرحته على الدكتور مصطفى حجازى، أحد عقول مصر النابهة، فصارحنى بما أخفاه عنى من فترة وهو أننا نبدأ من نقطة تحت الصفر الحضارى، تحت الأرض؛ لأن هذا الشعب دُفن حيا منذ فترة، ولكن لدى بعض أبنائه رغبة حقيقية فى الحياة ويرفضون بأن يدفنوا أحياء. والحل الوحيد هو استمرار إرادة الحياة عند من يملكونها ونشرها قدر المستطاع. وها نحن نحاول.