تساءلت مجلة "التايم" الأمريكية عن السبب الذي يدفع الحزب الوطني الحاكم والحكومة المصرية إلى الذعر من الإسلاميين في مصر، خاصة جماعة الإخوان المسلمين التي يتعرض بعض أعضائها للاعتقال والتنكيل، فيما يحظر على آخرين خوض الانتخابات إلا بصفة "مستقلين"، كما يشار إلى الجماعة في كل وسائل الإعلام المملوكة للدولة باسم "الجماعة المحظورة". وعلى الرغم من التضييق الذي تمارسه أجهزة الدولة على الإخوان المسلمين، فإنهم نجحوا في الفوز بخمس مقاعد البرلمان في الانتخابات التشريعية عام 2005، باستخدام حيلة "المستقلين"، وساعد الإشراف القضائي على صناديق الانتخابات -وقتها- في نزاهة التجربة الانتخابية نوعا ما. أما الآن، وقد أُلغي الإشراف القضائي على الانتخابات، وكممت الحكومة والحزب الحاكم أفواه الكثير من وسائل الإعلام المستقلة والمعارضة، يبدو أن الإخوان المسلمين يواجهون تحديات أصعب مما واجهوا في الانتخابات السابقة، خاصة أن الانتخابات المقبلة 28 نوفمبر تحدد بشكل كبير شكل الانتخابات الرئاسية في 2011، والتي قرر الرئيس حسني مبارك أن يخوضها للفوز بفترة رئاسة سادسة. من جهتها، تبرر الحكومة الحظر المفروض على الجماعة بزعم أن الدين ليس له مكان في السياسة المصرية، لكن عددا كبيرا من المصريين يرجح أن خطر الإخوان على الحزب الحاكم أكبر بكثير مما يمثله على المجتمع المصري، وقد يكون هذا هو سبب تعسف الحزب الوطني الحاكم مع الإخوان المسلمين؛ لخوفه من أن يفقد سلطاته لصالحهم. تاريخ الجماعة تأسست جماعة الإخوان المسلمين عام 1928، وتطورت لتصبح حركة إسلامية عالمية من خلال الأعمال الخيرية والأنشطة الشعبية. تم حظر الجماعة في مصر في 1954 بعد عقود من الصراع مع الحكومة، بعدها عادت الجماعة للساحة بالتدريج بعد أن شعر النظام الحاكم بأن تهديد الإسلاميين قد يكون مفيدًا. وفي عام 1970، أعلنت الجماعة نبذ العنف رسميا، لكن -طبقا للتايم- أثرت أساليبها على حركات إسلامية مسلحة مثل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وأسامة بن لادن وأيمن الظواهري. بحلول عام 1980، أصبحت جماعة الإخوان المسلمين أنشط وأقوى كتلة معارضة في المشهد السياسي المصري. وقد حاول النظام الحاكم في مصر مواجهة الشعبية المتزايدة للجماعة في العقود الأخيرة عن طريق حبس الآلاف من أعضائها بتهمة "الانتماء لجماعة محظورة"، كما أغلق العديد من أنشطتهم الخيرية، لكن كل هذا أدى إلى تصاعد شعبية الإخوان أكثر، بل واعتبر البعض أن اعتقال أفراد الجماعة نوع من الفخر لهم. وقال اللواء فؤاد علام، وكيل جهاز مباحث أمن الدولة السابق الذي أمضى عقودا يراقب الإخوان: "إن الوضع أشبه بالحركة الشيوعية العالمية، لكن بشكل أكثر تنظيما وقوة". وألمح إلى الدعم المالي الدولي الذي تتلقاه الجماعة، معتبرا أن وصول الإخوان إلى الحكم "سيعيد مصر مائة عام للوراء". أما الصحفي إبراهيم عيسى، رئيس تحرير صحيفة "الدستور" السابق، فقد أكد أن النظام يحاول منذ أكثر من 30 عاما استخدام الإخوان والإسلاميين كفزاعة لسحق أية مطالب ديمقراطية، فالنظام يخير ما بينه وبين "الجهاديين"، وهذا هو ضمانه الوحيد للاستمرار في الحكم". الأمر نفسه يحدث في سوريا، وما زالت النظم الغربية حائرة في موقفها، فهي من ناحية ترى أن الإسلاميين نبذوا العنف منذ عقود، لكنها تجزم في الوقت نفسه أنهم يقومون بدعم "حماس" ماليا وسياسيا. الإخوان لا يشكلون تهديدا حقيقيا ولكن أكدت المجلة الأمريكية، أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر لا تشكل تهديدا، فأعضاؤها بلغوا مئات الآلاف فقط رغم عمر الجماعة الطويل نسبيا، كما أنه ليس من المتوقع أن يفوزوا بأصوات كثيرة في حال إجراء انتخابات نزيهة، ففي عام 2005، صوَّت 3% فقط من السكان لصالح الجماعة، كان معظم تلك الأصوات معارضا للنظام أكثر منه متحمس للقضية الإسلامية التي يمثلها الإخوان. وعلى كل حال، لم تحقق الكتلة البرلمانية للإخوان إنجازات تذكر على مدى الخمس سنوات السابقة؛ ما يضع الإخوان في كفة واحدة مع الحزب الحاكم من حيث تشكيك المواطنين في أدائهما. و اعتبر حسام بهجت، الناشط في مجال حقوق الإنسان، أن الاعتراف القانوني بالجماعة قد يقلص من شعبيتها، وقتها سيتم الحكم عليهم باعتبارهم سياسيين، ولن يستطيعوا اللعب على وتر "الضحية" بعدها. ومن جانبهم، أكد الإخوان استهدافهم لأقل من ثلث مقاعد البرلمان، كما حدث في 2005، وهي نسبة غير كافية على الإطلاق لاجتذاب الأغلبية اللازمة لتعديل الدستور، كما أشاروا إلى أن أهدافهم القريبة معنية أكثر بالأنشطة التطوعية والشعبية والمشاركة السياسية، وهم غير مهتمين بتغيير النظام الحاكم أو تشكيل حكومة، أو كما يقولون دائما شعارنا "مشاركة لا مغالبة". يبقى أمام أحزاب المعارضة الصغيرة الكثير؛ لكي تستطيع منافسة الإخوان المسلمين، فالإخوان يتمتعون بقاعدة شعبية، سببها تاريخهم في العمل الخيري وأنشطتهم في المؤسسات والجامعات وشبكاتهم التنظيمية المتماسكة لاستقطاب أعضاء جدد يدينون بالولاء الكامل للجماعة وأهدافها. والآن، تؤكد الجماعة على لسان محمد مرسي المتحدث الإعلامي أن أهدافها سلمية تماما، تتلخص في "إقامة دولة إسلامية في مصر، وليس في أيرلندا"، ويبدو أن كلا الاحتمالين بعيدان للغاية.