مايا مرسي تستقبل رئيس الوكالة الإسبانية للتعاون الإنمائي الدولي    وفد كنيسة ماري جرجس يحتفل مع مرضى السرطان بعيد الأضحى    الإسكان: إنهاء 381 مشروعاً ب3 محافظات ضمن مبادرة «حياة كريمة»    تراجع جديد في أسعار البترول العالمية خلال تعاملات اليوم.. ما الأسبب؟    مصر للطيران تسير غداً 12 رحلة جوية لعودة الحجاج من الأراضى المقدسة    خلال إجازة عيد الأضحى.. رفع 800 طن مخلفات وقمامة بمراكز أسيوط    مصدر رفيع المستوى: لا صحة لموافقة مصر على المشاركة في قوة عربية للسيطرة على معابر غزة    24 شهيدًا و71 مصابًا في العدوان على غزة خلال 24 ساعة    البنتاجون: الحوثيون سيدفعون ثمن منع حرية الملاحة فى البحر الأحمر    مصرع 11 شخصا جراء الفيضانات وسوء أحوال الطقس فى الهند    نجل نتنياهو يهاجم قائد سلاح الجو الإسرائيلي: أين كان في 7 أكتوبر؟    الزمالك يستأنف تدريباته اليوم استعدادا لمواجهة فاركو    إعلان حكام 4 مباريات في كوبا أمريكا    مليون مستفيد من «مبادرة العيد أحلى» بمراكز شباب كفر الشيخ    أخبار الأهلي : ثنائي جديد يقترب من الظهور مع الأهلي أمام الداخلية    الشناوي يدخل حسابات الوحدة السعودي    ضبط 10 أطنان دقيق مدعم داخل المخابز السياحية    شواطئ رأس البر كاملة العدد في رابع أيام عيد الأضحى    الحالة الثالثة.. وفاة حاجة من رأس غارب أثناء تأدية مناسك الحج    ضبط قضايا اتجار في العملة ب7 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    إصابة 6 أشخاص في حادث تصادم بالقناطر الخيرية    لطلاب الثانوية العامة.. كيف تتعامل مع امتحان اللغة العربية؟    بإيردات 23 مليون جنيه.. «ولاد رزق 3» يُحلق في الصدارة منفردًا    "الجدي والسرطان" الأبرز.. خبيرة فلك تبشر 6 أبراج فلكية    لجنة التحقيق المعنية بالأراضى الفلسطينية: إسرائيل نفذت جرائم حرب ضد الإنسانية    في ذكرى ميلاد «حسن حسني».. 500 عمل فني رصيد «الجوكر»    عمرو دياب يستعيد الذكريات ب ميدلي من أغاني زمان في حفله بدبي    الصحة: تنفيذ 129 برنامجًا تدريبيًا ل10 آلاف عامل بالوزارة    هيئة الدواء تصدر منشورا عن «فقر الدم المنجلي» في يومه العالمي.. ما أعراضه؟    كورييري: الهلال يرغب في ضم بن ناصر    حملات مكثفة لرصد محاولات البناء العشوائي وإزالة التعديات المخالفة بالشرقية    تحرير (164) مخالفة للمحلات التى لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    أجر عمرة.. مسجد قباء مقصد ضيوف الرحمن بعد المسجد النبوي    الصحة: تقديم خدمات الكشف والعلاج ل 18 ألف و726 حاجا مصريا    وكالة الأنباء السورية: مقتل ضابط جراء عدوان إسرائيلي على موقعين في القنيطرة ودرعا    استياء مجلس إدارة الزمالك من جوزيه جوميز بسبب «تسريح» فريق 2003 (خاص)    محمد رمضان يعلن غيابه عن دراما رمضان 2025 للموسم الثاني على التوالي    إيرادات قطاع الضيافة في ألمانيا ترتفع في أبريل    ما هي الأشهر الحرم وسبب تسميتها؟    استشاري باطنة: المبادرات الصحية في مصر مبتكرة وساهمت في القضاء على أمراض متوطنة    «الصحة» تحدد أفضل طريقة لطهي اللحوم الحمراء: لا تفرطوا في تناولها    أول تعليق من اللاعب محمد الشيبي على قرار المحكمة الرياضية الدولية | عاجل    زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب المناطق الشمالية في باكستان    بعد وصف وزارة العمل علاقتها بمصر بأزهى العصور.. تعرف على المنظمة الدولية    فعالية «توظيف مصر» برعاية «التحالف الوطنى»    عصابة الماكس.. أفراد تخلت عنهم العائلة وجمعتهم الجريمة    أسعار البيض اليوم الأربعاء    تنسيق الجامعات 2024.. قائمة الجامعات الخاصة المعتمدة بوزارة التعليم العالى    استشهاد 7 فلسطينيين فى قصف إسرائيلى على شمال غربى مخيم النصيرات وغزة    سورتان للمساعدة على التركيز والمذاكرة لطلاب الثانوية العامة    ناقد فني: أعمال عادل إمام توثق مراحل مهمة في تاريخ مصر    هل الأموات يسمعون كلام الأحياء؟ دار الإفتاء المصرية تكشف مفاجأة    «ثورة أخيرة».. مدينة السلام (20)    الحكومة الجديدة والتزاماتها الدستورية    «بايدن» يستنجد ب«المستنجد»!    في ثالث ايام عيد الاضحى.. مصرع أب غرقًا في نهر النيل لينقذ ابنته    لبيك يا رب الحجيج .. شعر: أحمد بيضون    احتفالية العيد ال 11 لتأسيس ايبارشية هولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد على فى أمريكا وجورج واشنطن فى مصر
نشر في الشروق الجديد يوم 13 - 11 - 2010

ابتكرت العلوم الاجتماعية مدخلا ترجمناه باللغة العربية على أنه «الواقع المضاد Counterfactual» وإن كنت أرى أن الترجمة ليست دقيقة ولا تحمل المعنى الأصلى وعليه فسأهتم بالفكرة وأشرحها على أنها «التحليل بالاستبعاد الافتراضى» أى سنعيد تحليل بعض الوقائع مع سؤال «ماذا لو» تغيرت بعض العوامل التى شكلتها مثلما حلل ماكس فيبر مصير ألمانيا لو لم يشن بسمارك حرب 1866 التى وحدت الأقاليم الألمانية.
سأستند لنفس الفكرة لأسأل: ماذا لو كان محمد على ظهر فى الولايات المتحدة؟ وماذا لو ظهر جورج واشنطن فى مصر؟ مع ملاحظة أن الشخصين عاشا فى نفس الفترة تقريبا.
هل كان سيقوم محمد على بشن مذبحة فيلادلفيا (على نمط مذبحة القلعة) بقتل الخمسة وخمسين ممثلا عن ولاياتها الثلاث عشرة المستقلة فى عام 1787 ليتخلص منهم ويحكم الولايات المتحدة حكما انفراديا مثلما فعل فى مصر؟ أم أنه كان سيواجه بما لا قبل له به من أشخاص لهم رؤية فلسفية عميقة تختلف عن المماليك الذين كانوا مستعدين لمعارضة أى حاكم ينال من امتيازاتهم وصلاحياتهم غير المحدودة؟ قطعا كان سيواجه جيمس ماديسون العبقرى الأمريكى الذى قرأ كل كتاب ظهر فى آخر 200 سنة عن الحكم وإدارة شئون الدولة باللغات الإنجليزية واللاتينية واليونانية ليقول له إن أى حكومة جمهورية تقوم بمهام مزدوجة: «عليها أن تحكم الجمهور بالقوانين التى يسنها ممثلوه، وعليها أن تضع نفسها تحت تصرفه من خلال انتخابات تنافسية منتظمة وحرة نزيهة».
قطعا كان سيلتقى ويليام جيفرسون المتشكك فى الحكومة والرافض لأن تتدخل فى شئون المواطنين إلا بالقدر الذى يسمح به المواطنون أنفسهم ليقول له: «إن أعظم حكومة هى حكومة الحد الأدنى» ولأن جيفرسون هو صاحب التعديلات العشرة الأولى فى الدستور الأمريكى والتى ترصد جميع الحقوق المدنية والسياسية التى لا يمكن للحكومة أن تنتهكها مثل حق الرأى والتعبير والتجمع وحرية الاعتقاد والديانة والتدين والتقاضى النزيه، فقطعا سيقف جيفرسون أمام الباشا معارضا لأى حكومة مركزية تجعل من الباشا الصانع الأول والزارع الأول والتاجر الأول والمشرّع الأوحد. قطعا كان سيختلف معه فى سيطرة الدولة على الصحافة، فجيفرسون هو الذى أقنع الرأى العام بآرائه من خلال مناظراته مع عبقرى الاقتصاد السياسى أليكساندر هاميلتون من خلال مقالات كل منهما فى الصحف حتى انتهى جيفرسون للقول: «لو لى أن أختار بين حكومة بلا صحافة حرة، أو صحافة حرة بلا حكومة، لضحيت بالحكومة». ولو قرأنا النقاشات الذى كانت تتداولها الصحف الأمريكية آنذاك لعرفنا أن رفع مستوى النقاش الفكرى فى صحفنا وإعلامنا من الفرائض لأى أمة ناهضة.
لقد كان سهلا للغاية فى مجتمع من الأمية السياسية (وهذا ليس بعيدا عن حالنا الآن) أن ينفى محمد على كبير الأشراف عمر مكرم الذى قاد الثورة ضد الفرنسيين ثم قاد العلماء والأعيان للثورة ضد الوالى خورشيد حتى استقر الحكم لمحمد على بل وألبسه السيد عمر مكرم بنفسه (الكرك والقفطان) شعار الولاية عام 1805 فى موكب وطنى عظيم بعد أن أخذ عليه العهود والمواثيق أن يحكم بالعدل وألا يبرم أمرا إلا بمشورة العلماء. لكن فى ظل الأمية السياسية للمصريين (وهو مرض لم نزل نعانيه) لم يكن صعبا أن يخل الباشا بكل تعهداته.
هل كان محمد على يستطيع أن يفرض سلطته وسلطانه على مجتمع قررت نخبته وجماهيره ألا تقبل عن الحرية بديلا مثل المجتمع الأمريكى؟ لا أعتقد.
إن دولة محمد على التى صنعها فى مصر لم تزل حية، هى دولة التسلط ولكنها فى زمننا هذا مكبلة بالرخاوة والتفكك. وسنلاحظ أن دولة جورج واشنطن التى صنعها فى الولايات المتحدة لم تزل حية أيضا، هى دولة فيها الكثير من الديمقراطية رغما عن الكثير من مثالبها والتى يكتوى بها ضعفاء العالم، لكنها على الأقل مفيدة للأمريكان داخل أمريكا.
ولنسأل السؤال المقابل: ماذا كان سيفعل جورج واشنطن حينما يلتقى بعمر مكرم ومشايخ الأزهر؟ هل كانوا سيبايعونه حاكما إلى الأبد استمرارا لتقاليد الأمويين والعباسيين بشرط مشورتهم؟ أم كانوا ربما سيسعون إلى «مأسسة» (أى وضع قواعد مؤسسية ودستورية وضمانات قانونية) للإرادة الشعبية التى طردت خورشيد باشا وجاءت بجورج واشنطن الجنرال الذى أنهى معاركه من أجل تحرير المستعمرات الأمريكية، وفور انتهاء مهمته ذهب إلى المجتمعين فى فيلادلفيا يقول لهم: «السادة ممثلى الولايات الأمريكية، لقد وضعتم فى رقبتى مهمة طرد الإنجليز من المستعمرات.. وهذا ما أنجزته. شكرا على ثقتكم، وأرجو قبول اعتزالى العمل العام كى أعود مواطنا مدنيا مرة أخرى». وقد فعل، عاد إلى مزرعته فى فيرجينيا دون أن يحول مكسبه العسكرى إلى أى مكسب سياسى. وهو ما جعل ملك بريطانيا فى تلك الفترة لا يصدق ما قيل له عما فعله جورج واشنطن، وقال: «لو صدق ما تقولون عن هذا الرجل، فسيكون واحدا من أعظم الأسماء الذين سيذكرهم التاريخ». وقد كان. جورج واشنطن لم يكن باشا، ولكنه كان رجلا قارئا للتاريخ، عكس محمد على باشا الذى كان لا يجيد القراءة والكتابة، وكان واشنطن شديد الإعجاب بماركوس أوراليوس الإمبراطور الفيلسوف الذى أعطى حياة دامت 300 سنة للإمبراطورية الرومانية بعد أن كادت تنهار تماما فى أعقاب حكم نيرون المجنون وكاليجولا المعتوه.
غالبا كان سيجتمع جورج واشنطن مع عمر مكرم ورجاله حيث يريدون له دون أن يتآمر عليهم، وقد فعلها حقا. فبعد أن انتخب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية بالإجماع فى نيويورك عاد إلى مزرعته وظل الكونجرس مجتمعا فى نيويورك ووجد أعضاء الكونجرس أن مراسلة رئيس الدولة حيث يقيم أمرا شديد الصعوبة، فطلبوا إليه أن يختار عاصمة للبلاد يعيش فيها وتكون قريبة من نيويورك. ولأن للرجل أنصارا يعرفون قدره، وإن كانوا لا يملكون بصيرته، فأرادوا الانتصار له ورد «الإهانة» المترتبة على «طلب غير لائق» من رئيس البلاد بأن يغير محل إقامته. ولكن الرجل، بلا أى تآمر، وبكل تواضع قال: «يعيش رئيس الولايات المتحدة الأمريكية حيث يريد له ممثلو شعب الولايات المتحدة الأمريكية».
كم سنة حكم محمد على باشا مصر؟ حوالى أربعين سنة. كم سنة حكم جورج واشنطن الولايات المتحدة؟ ثمانى سنوات. هل لعجز فى واشنطن وعدم القدرة على الاستمرار؟ الإجابة لا، بل هى البصيرة التى تليق بعظماء درسوا التاريخ وتعلموا دروسه. قرر الرجل أن يكتفى بسنوات حكمه الثمانى إيمانا منه بترسيخ قاعدة ظل متفقا عليها حتى التعديل الدستورى الثانى والعشرين فى 1951 حيث تحولت القاعدة الشخصية التى أرساها جورج واشنطن وخالفها شخص واحد (فرانكلين روزفلت الرئيس ال32 لظروف الكساد العظيم والحرب العالمية الثانية) إلى قاعدة دستورية ملزمة للجميع.
حتى إنجازات محمد على الكثيرة انهارت مع موته، لأنه صنع الوطن ولم يصنع المواطن؛ وهذه هى فضيلة الديمقراطية الحقيقية التى لم نعرفها فى تاريخنا قط.
هناك بعض الدروس التى يمكن أن نستفيدها من العرض السابق: دروس بشأن القيادة ودورها؛ دروس بشأن النخبة المحيطة وتأثيرها؛ دروس بشأن الوعى السياسى ومحوريته


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.