أن تعترف هيئة السكة الحديد بأنها عاجزة عن استيعاب 3 ملايين راكب يرغبون فى السفر إلى مدن وقرى الصعيد المختلفة خلال اجازة عيد الأضحى، فذلك تطور إيجابى لم نشهده فى كيفية تفكير بعض الهيئات الحكومية التى أدمنت رفع شعار «العيب ليس فينا بل فى الركاب». الاعتراف بوجود مشكلة شىء جيد شرط أن يكون هناك تخطيط لحل هذه المشكلة ولكن الخشية ان تعتبر الهيئة أنها أدت دورها كاملا حينما أصدرت بيانها يوم الثلاثاء الماضى وأقرت فيه بالعجز بسبب ما قالت انه قلة قطارات إضافة إلى الخوف من عدم توفير معايير الأمن والسلامة للركاب. لا أدرى هل نفرح أم نحزن بعد بيان الهيئة.. لكن المؤكد أن كل شخص يفكر فى قضاء العيد بالصعيد «يدوخ السبع دوخات». الذين يسافرون للوجه البحرى محظوظون لأن المسافات معظمها قصيرة إضافة إلى وجود طرق برية ذات خدمات عالية. فى الصعيد الوضع مختلف.. المسافات طويلة والخدمات قليلة، ومعظم المسافرين يفضلون القطار لأنه أكثر أمانا مقارنة بطرق الموت خصوصا الطريق الزراعى الموازى لترعة الإبراهيمية، وفيه يتناطح سائقو الأجرة.. وتمارس سيارات النقل رياضة دهس السيارات الصغيرة، كما لا يخلو يوم تقريبا من موت مواطن يعبر الطريق دهسا، وينتهى الامر بثورة أهل القرية أو المدينة وقطع الطريق والمطالبة بإنشاء مطب صناعى. استبشر الصعايدة خيرا بإنشاء الطريق الصحراوى الغربى وهو إضافة جيدة فى كل الأحوال، لكنه تحول بدوره إلى مصيدة للموت، ولا يمر يوم من دون حادث بشع، ناهيك عن قلة الخدمات عليه. الحكومة تعلن يوميا أنها تضخ الملايين بل والمليارات للاستثمار فى الصعيد.. لكن المواطن العادى يفكر بطريقة بسيطة ومختلفة، فهو عندما يسافر إلى قريته أو مدينته يريد وسيلة مواصلات آدمية ورخيصة، ويريد نقطة إسعاف تعمل بكفاءة على هذا الطريق، ويريد قطارا به معاملة آدمية خصوصا فى القطارات المخصصة للفقراء. قلة قليلة هى التى تستطيع السفر فى الدرجة الأولى وأكثر منها قليلا أولئك الذين يستطيعون دفع ثمن تذكرة الدرجة الثانية المكيفة، أما الغالبية فهم أولئك الركاب الذين يستقلون الدرجة الثالثة وهى الدرجة التى تطلق عليها الحكومة تأدبا الدرجة الثانية المميزة، ولا أعرف مميزة فى ماذا، إلا إذا كان التميز فيها أنها غير مكيفة. فى هذه الدرجة المميزة يمكنك ان ترى كل أنواع الانتهاكات التى يمكن أن يتعرض لها الإنسان من أول الحشر مرورا بالتحرش وانتهاء بالدهس، ناهيك عن امتهان كرامة الإنسان. فى الدرجة الثالثة من قطارات الصعيد، تمرن الحكومة المواطنين وتدربهم على ان كلمة الكرامة لا محل لها من الإعراب.. باعة جائلون ولصوص، وشحاذون، ومواطنون لا حول لهم ولا قوة، ومأساتهم الوحيدة انهم فقراء. فى هذا الكوكتيل العجيب والرحلة الرهيبة التى قد تستغرق خمس ساعات وقد تصل إلى عشر، يمكن لكل شىء أن يحدث.. فى هذه القطارات تحدث الكوارث والحرائق مثلما حدث فى كارثتى العياط. المسألة باختصار انه لا يمكن لمصر ان تتقدم، من دون ان تغير من مستوى قطارات الصعيد.السفر فى قطارات الصعيد العادية غير المكيفة «بهدلة»، لكن المأساة ان كثيرين يتمنون الحصول على تذكرة من أجل هذه «البهدلة» ولا يستطيعون.. وتلك قصة الغد.