مع الحديث عن حرب العملات والاعتراضات على سياسة الاحتياطى الفيدرالى الأمريكية المتعلقة بالتيسير الكمى، فإن قمة دول مجموعة العشرين الرائدة اقتصاديا فى سول هذا الأسبوع تمثل آخر اختبار للتعاون الدولى. لذلك يجب أن نتساءل: إلى أى مدى يمكن التعاون بين الدول؟. فقد حدثت نقلة فى التاريخ بعد التغيرات الكبيرة التى حدثت عام 1989ومازالت خبرة الثمانينيات تتعرض للنقاش، ولكن ما سمى بحزم السياسات المتكاملة كان ذا مغزى بالنسبة لمجموعة الإصلاحات الداعمة للنمو الخاصة بها، والتجارة الحرة والتنسيق فى سعر الصرف. كيف يمكن أن تبدو مثل هذه الحزم اليوم؟ أولا، التركيز على الأساسيات وبنبغى على دول مجموعة العشرين الاتفاق على جداول اعمال موازية للإصلاحات الهيكلية، ليس فقط من أجل إعادة التوازن إلى الطلب ولكن أيضا لتحفيز النمو. على سبيل المثال الخطة الخمسية القادمة للصين من المفترض أن تحول الاهتمام من الصناعات التصديرية إلى الشركات المحلية الجديدة، والقطاعات الخدمية، وتوفير المزيد من الخدمات الاجتماعية وتحويل التمويل من احتكار الشركات القليلة المملوكة للدولة إلى مشاريع من شأنها زيادة الإنتاجية والطلب المحلى. وبعد انتخابات الكونجرس، ستكون الولاياتالمتحدة بحاجة إلى معالجة هيكلية للنفقات، وتضخم الديون وهو ما سيؤدى إلى تزايد الضرائب مستقبلا. فالرئيس الأمريكى باراك أوباما قد أشار إلى خطط تعزيز القدرة التنافسية وانعاش اتفاقات التجارة الحرة. وقد توافق الولاياتالمتحدة والصين على خطوات محددة تعزز النمو. وعلى هذا الأساس، فان الدولتين قد يوافقا على تقدير قيمة اليوان الصينى، أو التحرك من أجل توسيع حزم سعر الصرف. والولاياتالمتحدة بدورها قد تقاوم الإجراءات الانتقامية بينها وبين الصين، لذا فمن الأفضل تطوير اتفاقيات لفتح الأسواق بينهما. ثانيا: الاقتصاديات الكبرى الأخرى، التى تضم مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، يجب أن توافق على التخلى عن التدخل فى سوق العملات، إلا فى حالات نادرة، وبموافقة جميع الأطراف. وقد تأمل الدول الصناعية السبع الكبرى فى تعزيز الثقة عن طريق الالتزام بخطط النمو الهيكلى أيضا. ثالثا: هذه الخطوات من شأنها مساعدة الاقتصادات الناشئة فى التعافى، بالاعتماد على أسعار صرف مرنة وسياسات نقدية مستقلة. فالبعض قد يكون بحاجة إلى اجراءات لمواجهة تدفق رءوس الأموال الساخنة قصيرة الأجل. وقد تطور مجموعة العشرين مجموعة قواعد لتوجيه هذه الإجراءات. رابعا: على مجموعة العشرين دعم نمو الدول النامية، لتخرج من عنق الزجاجة. فهذه الاقتصاديات تشارك بالفعل فى نصف النمو بالاقتصاد العالمى، كما أنها تشهد حاليا تزايدا كبيرا فى حجم الاستيراد يفوق بنسبة الضعف الدول المتقدمة، ما يوجب على الاقتصاديات المتقدمة مساعدتها فى مجال تطوير بنيتها التحتية وقطاعاتها الزراعية والصحية، وتدريب اليد العاملة. ويمكن أن يكون البنك الدولى والبنوك الاقليمية التنموية أدوات لبناء أقطاب متعددة للنمو المستقبلى القائم على تنمية القطاع الخاص. خامسا: يجب على الدول مجموعة العشرين أن تتمم برنامج التعافى بخطط بناء نظام نقدى تعاونى، يعكس ظروف الاقتصاديات الناشئة. هذا النظام الجديد من المرجح أن يكون بحاجة إلى إشراك عملات الدولار، واليورو، والين، والجنية الاسترلينى، واليوان وهذا تحرك إزاء التدويل، ومن ثم وجود حساب دولى. ويجب على النظام أن ينظر أيضا فى استخدام الذهب كنقطة مرجعية دولية من توقعات السوق بشأن التضخم والانكماش وقيم العملات فى المستقبل. فعلى الرغم من الوضع الحالى لتقييم العملات، فإن الأسواق تستخدم الذهب كأصل بديل للعملة النقدية اليوم. إن تطوير النظام النقدى لخلافة «بريتون وودز الثانية» التى اطلقت عام 1971، سوف تستغرق وقتا طويلا. ولكن علينا ان نبدأ الآن. فنطاق التغييرات منذ 1971 يضاهى بشكل مؤكد تلك التى حدثت بين عامى 1945 و1971 والتى أدت إلى التجول من بريتون وودز الاولى إلى الثانية. وينبغى أن يتضمن العمل الجدى التغييرات الممكنة فى قواعد صندوق النقد الدولى لمراجعة رأس المال فضلا عن سياسيات الحساب الجارى وربط تقييمات صندوق النقد بالتزامات منظمة التجارة العالمية وليس استحدام سياسات العملة لإزالة الامتيازات التجارية. تلك المقاربة حول التعاون الاقتصادى تصل ابعد من الحوار فى مجموعة العشرين الاخيرة لكن هذه الافكار عملية ومجدية وليست متشددة. كما أن لها مزايا. فهى توفر اجندة تنموية ونقدية توازى إصلاحات القطاع المالى فى مجموعة العشرين. ويمكن بناؤها على الإجراءات الإضافية الموجهة على يتبعها خطوات موثوق بها مع مرور الوقت وهو ما يسمح بحوار سياسى فى الداخل. ويمكن لها أن تساعد فى إعادة بناء ثقة الجماهير والثقة فى الأسواق والتى ستبقى تحت الضغط فى عام 2011. وربما الأهم من ذلك أن هذه الحزمة ستتيح للحكومات التعامل مسبقا مع المشكلات بدلا من سياسة رد الفعل فى التعامل مع العواصف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. هل تقودون أم تسيرون مع التيار؟ فالكيفية التى ستقرر بها مجموعة العشرين، يمكن أن تحدد إذا ما كان التعاون الجماعى سيحقق تعافيا اقتصاديا قويا. روبرت زوليك هو رئيس البنك الدولى وشغل منصب وزير الخزانة فى الحكومة الامركيية بين عامى 1985 و1988.