ساد فى الآونة الأخيرة اعتقاد يكاد يكون جازما على مستوى الحكومات وأجهزة الأمن فى العالم، بأن عناصر «القاعدة» التى تعشش فى اليمن هى المدبر الرئيسى لمعظم العمليات الإرهابية التى تقع فى عواصم الغرب وأرجاء أخرى من العالم. وحين أعلنت واشنطن قبل أيام عن طردين مفخخين أرسلا إلى كنيسين يهوديين فى شيكاغو، قال المسئولون الأمريكيون إن مصدرها هو اليمن، ومع ذلك لم تنجح أجهزة المخابرات الأمريكية فى الوصول إلى هذا المصدر.. وبدأ الحديث يتردد عن احتمال القيام بعملية عسكرية ضد مواقع تجمعات «القاعدة»، التى اتهم فرعها فى العراق بتفجير كنيسة فى بغداد، وتهديد الكنيسة فى مصر. ولأسباب كثيرة سارعت حكومات أوروبية فى خضم الاتهامات الموجهة إلى القاعدة إلى اتهامها أيضا بمسئوليتها عن الطرود الملغومة التى اجتاحت أوروبا ووصلت إلى مكاتب المستشارة الألمانية ميركيل وإلى ساركوزى وبيرلسكونى وعدد من السفارات الأجنبية.. ثم كانت المفاجأة المذهلة حين اتضح بعد ذلك أنها جاءت من اليونان وأن جماعة متطرفة تطلق على نفسها «حلقة النار» هى التى أرسلت نحو 14 طردا مفخخا من أثينا إلى دول الاتحاد الأوروبى. ولم تعلن حكومة اليونان عن الدوافع وراء هذه الحركة المتطرفة، ولكنها أكدت أنها لا تنتمى إلى «القاعدة» أو الجهاديين. وبدا أن السبب يرجع إلى الضغوط التى تعرض لها الشعب اليونانى من حلفائه الأوروبيين إبان الأزمة المالية وتسببت فى الضائقة المالية والاقتصادية التى تتعرض لها اليونان. هناك إذن شواهد كثيرة تدل على أن العناصر الإرهابية المنتمية إلى «القاعدة» والتى وجدت لها ملاذا لدى بعض القبائل اليمنية، ليست هى قوى التطرف والإرهاب الوحيدة فى العالم، وأن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية فى بعض الدول الأوروبية مثل إسبانيا وفرنسا وإيطاليا، نتيجة الاضطهاد العنصرى للأقليات والمهاجرين، أو بسبب وجود نزعات انفصالية مثل حركة «الايتا» فى إسبانيا، ولدت جماعات متطرفة، ليست ذات أبعاد قبلية أو خلفيات دينية مثل «القاعدة» التى تنتشر خلاياها فى شبه الجزيرة العربية واليمن والصومال وشرق أفريقيا. وعلى النقيض من كل الادعاءات بوجود التنظيم الرئيسى للقاعدة فى اليمن، فإن معظم اليمنيين ينكرون وجود مثل هذا التنظيم بالصورة أو بالدرجة التى تروجها حكومة صنعاء والدوائر الغربية. وفى تقرير صحفى نشرته جريدة «الهيرالد تريبيون» أخيرا فى أعقاب ما تردد عن إرسال طردين ملغومين إلى شيكاغو من اليمن، أجمع المواطنون اليمنيون على أن حكاية القاعدة هى مجرد أسطورة، يستثمرها الرئيس على عبدالله صالح بمساندة أمريكا للحصول على الأموال والمساعدات الاقتصادية والعسكرية لضرب خصومه السياسيين ومعارضيه. ويرى كثير من اليمنيين أن العنف الذى تشهده اليمن يرجع إلى الصراعات الداخلية التى تهز استقرار البلاد وليس إلى أنشطة تقوم بها «القاعدة». وطبقا لهذا التقرير فإن الحكومة اليمنية تستخدم الجهاديين من أتباع القاعدة بدلا من قوات الجيش. وهناك شكوك كثيرة فى مدى مسئولية القاعدة عن المعارك والصدامات التى تقع فى جنوب اليمن بسبب الحركة الانفصالية والمنازعات القبلية، التى تستغلها حكومة صنعاء لضرب هذه الحركات بعضها ببعض. وهكذا يظل المشهد العام فى اليمن بكل ما يتردد عن تنظيم «القاعدة» مبررا للإبقاء على التدخل الأمريكى فى جنوب الجزيرة وشرق أفريقيا. مما أدى إلى قيام الطائرات الأمريكية بعمليات عسكرية واستخدام طائرات بدون طيار فى ضرب ومطاردة الجهاديين من أتباع «القاعدة» كما تفعل فى باكستان. إن الغموض الذى يحيط بخلايا «القاعدة» وأماكن تمركزها وانتشارها، ومصادر تمويلها وتسليحها، وقدرتها على استخدام أكثر التقنيات تعقيدا فى إرسال الطرود الملغومة، وتدبير التفجيرات الانتحارية فى العراق وغيرها، يجعل منها لغزا يستعصى على الفهم.. وتبرهن الأحداث الأخيرة فى إرسال طرود ملغومة عابرة للقارات والمطارات رغم أساليب التفتيش الدقيقة التى تخضع لها عمليات النقل والشحن، واستخدام المتطرفين اليونانيين لنفس الأساليب فى أوروبا، على أن «القاعدة» أصبحت سلاحا ذا حدّين، يمكن أن تستخدمها أطراف عدة، سواء لأهداف تكتيكية أو إعلامية أو فى الحرب النفسية، أو لإثارة الفتنة والإيقاع بين أبناء الوطن الواحد وتنفيذ استراتيجيات تسمح بتدخل أمريكا والدول الكبرى.