سعر الدواجن اليوم الجمعة 20-6-2025 في الإسكندرية.. انخفاض فى الأسعار    انتظام سير العمل توافر أرصدة العلف داخل مشروعات الدواجن المركزية ببنى سويف    الصحف العالمية.. ترامب يشترى الوقت بمهلة الأسبوعين ويعزز خياراته العسكرية فى التعامل مع إيران.. العموم البريطانى يصوت على تشريع "الموت الرحيم".. بابا الفاتيكان محذرا من القنابل النووية: ستكون نهاية البشرية    الصحة الإسرائيلية تعلن إصابة أكثر من 2500 شخص في الهجمات الإيرانية    موقع عبرى: مليار شيكل يوميا لتمويل الحرب على إيران    صراع سداسي.. صلاح ينافس على جائزة جديدة في إنجلترا    انهيار منزل فى حدائق القبة وانتقال الحماية المدنية إلى موقع الحادث    تحذير عاجل من الأرصاد..اضطراب الملاحة على خليج السويس والموج يرتفع 3 أمتار    نتيجة امتحانات الشهادة الاعدادية بالبحيرة.. بعد انتهاء أعمال المراجعة    الفنان العالمى مينا مسعود: فيلمى فى مصر أهم من دورى فى علاء الدين    شيرين رضا: جمالى نعمة حذرنى منه والديّ    مركز فيينا لمنع انتشار الأسلحة: إيران تمتلك قدرات تساعدها على تصنيع السلاح النووى    الاحتلال يواصل عدوانه على طولكرم ومخيميها لليوم 145 عل التوالي    وزير الطيران يبحث سبل تطوير المطارات المصرية مع عمالقة الصناعة العالمية بباريس    حصاد النواب في أسبوع، الموافقة على الموازنة العامة وتنظيم ملكية الدولة في الشركات    "الشيوخ" يناقش إعادة هيكلة كليات التربية وخطة "التعليم" لمواجهة التحرش والتنمر والعنف بالمدارس    انطلاق الاختبارات الأولية لتحديد المستوى للترشح للبرامج التدريبية بمركز سقارة    القبض على متهمين بقتل شاب في إمبابة    وفاه رئيس احد لجان الثانوية العامة بسوهاج بعد إصابته فى حادث سير داخل المستشفى بأسيوط    وكيل تعليم الإسماعيلية يشيد بصاحبة كتاب "أغاني الطفولة السعيدة"    روسيا: الوضع في الشرق الأوسط خطير.. وقلقون من استمرار التصعيد    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : لما لا والمشترك واحد ?!    وزارة الأوقاف تحيي ذكرى وفاة الشيخ محمد صديق المنشاوي    أسرار استجابة دعاء يوم الجمعة وساعة الإجابة.. هذه أفضل السنن    الرعاية الصحية: مستشفى القنطرة شرق بالإسماعيلية قدمت 7000 خدمة طبية وعلاجية(صور)    بتكلفة 450 جنيها فقط، زراعة قرنية لمسنة في مجمع الإسماعيلية الطبي (صور)    ضبط 6 أطنان دقيق مدعم خلال 24 ساعة في حملة بالقاهرة    منتخب السعودية يخسر من الولايات المتحدة في كأس الكونكاكاف الذهبية    «السلامة وحب الوطن».. موضوع خطبة الجمعة اليوم    حسن الخاتمه.. مسن يتوفي في صلاة الفجر بالمحلة الكبرى    القومي للأشخاص ذوي الإعاقة يشارك في احتفالية مؤسسة "دليل الخير"    محمد صلاح ضمن قائمة المرشحين لجائزة لاعب العام في الدوري الإنجليزي    رئيس هيئة الرعاية الصحية: تشغيل مستشفى القنطرة شرق المركزى    حسن الخاتمة.. وفاة مسن أثناء صلاة الفجر بالمحلة    رئيس وزراء صربيا يزور المتحف الكبير والأهرامات: منبهرون بعظمة الحضارة المصرية    قافلة طبية للقومى للبحوث بمحافظة المنيا تقدم خدماتها ل 2980 مواطناً    برشلونة يسعى للتعاقد مع ويليامز.. وبلباو متمسك بالشرط الجزائي    وكالة الطاقة الذرية تعلن تضرر مصنع إيراني للماء الثقيل في هجوم إسرائيلي    «الرصاصة الأخيرة».. ماذا لو أغلقت إيران مضيق هرمز؟ (السيناريوهات)    أسعار الخضروات اليوم الجمعة 20 يونيو 2025 في أسواق الأقصر    بنجاح وبدون معوقات.. ختام موسم الحج البري بميناء نويبع    أبوبكر الديب: من "هرمز" ل "وول ستريت".. شظايا الحرب تحرق الأسواق    هل تجاوز محمد رمضان الخط الأحمر في أغنيته الجديدة؟    بعد عرضه على نتفيلكس وقناة ART أفلام 1.. فيلم الدشاش يتصدر تريند جوجل    "من أجل بيئة عمل إنسانية".. ندوات توعوية للعاملين بالقطاع السياحي في جنوب سيناء    أوقاف شمال سيناء تطلق حملة موسعة لنظافة وصيانة المساجد    حالة الطقس في الإمارات اليوم الجمعة 20 يونيو 2025    وزارة البيئة تشارك في مؤتمر "الصحة الواحدة.. مستقبل واحد" بتونس    نشوب حريق هائل بعدد من أشجار النخيل بإسنا جنوب الأقصر    لهذا السبب.. هيفاء وهبي تشغل مؤشرات بحث جوجل    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 20-6-2025 بعد الارتفاع الجديد    التشكيل المتوقع لمباراة فلامنجو وتشيلسي في كأس العالم للأندية    "مش كل لاعب راح نادي كبير نعمله نجم".. تعليق مثير للجدل من ميدو بعد خسارة الأهلي    «خرج من المستشفى».. ريال مدريد يكشف عن تطور جديد في إصابة مبابي    10 صور لاحتفال وزير الشباب والرياضة بعقد قران ابنته    الاتحاد الأفريقي يعلن مواعيد دوري الأبطال والكونفدرالية    خبير يكشف كمية المياه المسربة من بحيرة سد النهضة خلال شهرين    قادة كنائس يستعرضون دروس مقاومة نظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا نريد ذلك الاكتفاء الذاتى من القمح
نشر في الشروق الجديد يوم 05 - 10 - 2010

ها هو حديث الاكتفاء الذاتى من القمح والحبوب يعود. ولكن هذه المرة ليكشف تبدلا كاملا فى موقف الحكومة ووزير الزراعة أمين أباظة. فقد فاجئنا موقع الحزب الوطنى يوم السبت الماضى بخبر يقول إن أباظة قد أقر «الاستراتيجية الجديدة لتحقيق الاكتفاء الذاتى من محاصيل الحبوب بالكامل، والتى تضم القمح والشعير والذرة والارز، ويبدأ تنفيذها من المحاصيل الشتوية لهذا العام وتستمر حتى عام 2020 لتوفير احتياجات السوق وبأسعار مناسبة وفائض للتصدير».
وجه الغرابة فى الأمر هو أنه مع اندلاع أزمة القمح الروسى عالميا فى أغسطس الماضى، أمطر الوزير من حرَّكتهم النتائج الكارثية لاعتماد الغذاء الأساسى للمصريين على تقلبات السوق العالمى، فدعوا لسياسة للاكتفاء الذاتى من القمح، أمطرهم بتصريحات تكررت على مدى أسابيع، تؤكد أن القيام بذلك بنسبة 100% «مستحيل». وبرر أباظة ذلك بأن تحقيق هذا الأمر يلزمه زيادة مليونى فدان قمح سنويا لترتفع المساحة المزروعة به إلى 5 ملايين فدان مشيرا إلى أن أكثر نسبة من الاكتفاء الذاتى يمكن تحقيقها هى 70%‏ بحلول عام‏2017، بدلا من 60%‏ حاليا «وفقا لاستراتيجية الزراعة»‏.‏
وترافق موقف أباظة مع تصريحات لأمين السياسات جمال مبارك خلال سرادق إفطار بقرية بركة غطاس يوم الخميس 26 أغسطس، حيث وقف وسط الفلاحين ليقول إن الاكتفاء الذاتى فى القمح والمحاصيل الزراعية «قد يكون مقبولا على المستوى النظرى، لكن أعتقد أن دا كلام غير عملى. لدينا محددات، من أهمها المياه، ولا نملك ترف التوسع فى الأرض المزروعة بينما المياه غير متاحة».
فما الذى حدث فى الأسبوعين الأخيرين من سبتمبر لكى يتغير موقف وزارة الزراعة لتتبنى استراتيجية للاكتفاء الكامل عبر زراعة«8 ملايين فدان بمحاصيل الحبوب»؟
تكمن الإجابة على هذا السؤال فى كلام تضمنه الخبر على استحياء منسوبا للخبير عبدالسلام جمعة رئيس مركز البحوث الزراعية الأسبق ونقيب الزراعيين بأن الاستراتيجية الجديدة تؤكد على إدخال «التكنولوجيا الحيوية» فى زراعة القمح والارز وباقى الحبوب لتقليل فترة بقاء المحاصيل فى التربة وبالتالى تقليل استهلاك مياه الرى والتوسع فى تطوير الرى فى الأراضى القديمة.
وقد نتسرع هنا إلى استنتاج يقول إن الباحثين الزراعيين المصريين سيستخدمون معارف مبتكرة توصلوا إليها للقيام بذلك عبر استنباط أنواع جديدة من هذه المحاصيل، بذلك المنهج الذى استخدمه فلاحو مصر عبر القرون، بالمزاوجة بين الأصناف المختلفة للحصول على محصول أقوى وأغزر إنتاجا إلى آخره. وتقول دراسة للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية فى أبريل الماضى إنه يمكن رفع متوسط الإنتاجية المحصولية فى مصر ب45% لو تم معالجة عدم الكفاءة الفنية فى عملية الإنتاج.
لكن الإجابة السحرية، التى تقدمها الاستراتيجية الجديدة، لا تركز على هذه الزاوية، وإنما تكمن فى كلمة «التكنولوجيا الحيوية». وهذا المصطلح هو الاسم الحركى المصرى للمحاصيل المعدلة وراثيا GMO،s والتى تقوم على تعديل المادة الوراثية فى هذه النباتات بواسطة الهندسة الوراثية لرفع إنتاجيتها ومقاومتها للافات وتقليل تكاليف انتاجها من المياه والمبيدات. والبذور الجديدة هنا تخلَّق عبر تغيير جينات القمح مثلا عن طريق البيوتكنولوجية الحديثة التى منها الهندسة الوراثية وليس عن طريق التوليف الطبيعى أو التكاثر. ومما يؤكد هذا تصريحات صحفية لأيمن فريد أبو حديد رئيس مركز البحوث الزراعية للشروق يدافع فيها عن هذه التكنولوجيا قائلا إن مصر «لديها بها فرصة تاريخية لتحقيق الاكتفاء الذاتى من المحاصيل الإستراتيجية الهامة ومنها القمح والذرة».
هكذا تحولت قضية طعام الفقراء وحمايتهم من تقلبات السوق العالمى إلى مدخل جديد لتغليب مصالح الشركات الكبرى على مصالح الناس. فالمحاصيل المعدلة عضويا، التى تنتج الآن فى أقل من 30 دولة من 192 دولة فى العالم، تثير فى كل بلد تدخلها معركة كبيرة. الطرف الأول فيها الشركات الكبرى المستفيدة من هذا التطوير، وعلى رأسها شركة أمريكية اسمها مونسانتو تستحوذ على 80% من السوق العالمى، والثانى جماعات المستهلكين والمزارعين، وفى بعض الحالات حكومات كما هو الحال فى الاتحاد الأوروبى. لماذا؟ أولا لأن سلامة الغذاء الناتج عن هذه المحاصيل مازالت محل جدل، إذ ترى دول، منها ماهى بدرجة تقدم أوروبا، أنه مضر بصحة البشر وبالبيئة. من ناحية أخرى، فإن هذا النوع من المحاصيل وإن كان يفتح الباب لزيادة الإنتاجية وخفض التكاليف، إلا أنه يحتفظ لصاحب «الاختراع بالتلاعب الجينى» بحق الملكية الفكرية. وبالتالى فإن الشركات المنتجة للمحصول المهجن الجديد تحتفظ بحق مادى فى كل البذور التى ستستخدم لزراعة الأرض بهذه المحاصيل فى أى مكان فى العالم. وهو ما يهدم فكرة تراجع التكاليف إلا إذا استطاع مركز البحوث الزراعية المصرى (لا أعلم كم مليارا تبلغ ميزانيته؟) التفوق على مونسانتو التى تبلغ ايراداتها السنوية ما يصل إلى 11 مليار دولار.
وهناك مصيبة أخرى، هى أنه إذا زرعت أرضك بهذه المحاصيل، فلا إمكانية للتراجع. فهذه المحاصيل المهجنة تؤثر على الأرض وعلى المحاصيل المزروعة بجوارها عبر عملية تهجين جديدة، كما تؤكد منظمة الصحة العالمية.
لكن المصيبة الأعظم هى أن استراتيجية الاكتفاء بالمحاصيل المعدلة زراعيا ليست مجرد نوايا بسياسة جديدة فى مصر. فهذه المحاصيل تزرع بشكل رسمى فى مصر منذ 2008 حينما أعطى الوزير نفسه تصريحا لشركة مونسانتو نفسها، ووكيلها المصرى شركة «فاين سيدس»، الحق فى زراعة الذرة المعدلة وراثيا فى 10 محافظات (غالبا نأكلها أو تدخل فى زيوت الطعام دون أن نعلم). وقبل ذلك تستطيع أن تستنتج أنه كان ثمة وجود لهذه الزراعات بشكل «تجريبى» أو غير رسمى، وإلا كيف تفسر انحياز الوزير يوسف بطرس غالى، وقت أن كان وزيرا للتجارة فى 2003 للولايات المتحدة الأمريكية (أكبر مصدر ومنتج لهذه المحاصيل) فى معركتها التجارية ضد أوروبا الرافضة فتح أراضيها وحدودها لها فى منظمة التجارة العالمية، لدرجة أنه كاد ينضم لها فى قضية رفعتها بهذا الشأن فى المنظمة.
الأنكى من ذلك أننا نستورد مواد غذائية معدلة وراثيا من الولايات المتحدة وغيرها، كشف عنها قرار أعلن على استحياء وقت أزمة القمح الروسى العام الماضى بوقف استيراد القمح المعدل وراثيا. لكن القرار لم يتضمن زيوت الطعام والألبان وغيرها من المنتجات الغذائية.
كل هذا يتم بهدوء وبدون اثارة جدل كبير. بل وبدون قانون ينظم استيراد وانتاج هذه المواد، التى تلزم القوانين الأمريكية بأن توضع فى المحال التجارية تحت لافتة كبيرة تميزها عن غيرها من المواد المنتجة بشكل طبيعى، وأن يوضع عليها ما يشير إلى طبيعتها بشكل واضح.
أما فى الاتحاد الأوروبى، الذى رفض فى 27 سبتمبر الماضى السماح للدول الاعضاء باتخاذ قرارات منفردة بشأن هذه الأغذية والمحاصيل بعد أن أجبره قرار لمنظمة التجارة العالمية بفتح مشروط لأسواقه أمامها، فيقول السياسيون ونشطاء المجتمع المدنى والمنظمات الفلاحية، على حد سواء، إنها تفرض سيطرة الشركات العالمية على ماتبقى من مهنة الفلاحة والزراعة التقليدية، وإنها سياسة لصالح تلك الكيانات العابرة للقوميات كمونسانتو، تضمن بها أرباحها على مدى السنين وسيطرة على إنتاج غذاء الملايين، مقابل أخطار كبرى (محتملة فى أحسن الأحوال) على صحة البشر، وتدمير أكيد لإنتاج الفلاحين الصغار.
شكرا.. لا نريد هذا الاكتفاء الذاتى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.