كثيرون كتبوا أن هناك ثمة علاقة عضوية بين اتحاد كتّاب مصر ووزارة الثقافة، علاقة مبنية ومصانة وفقا لقانون إنشاء الاتحاد أيام يوسف السباعى وزير الثقافة عام 1975، بالتالى هى ليست وليدة هذه الأيام، فلا يظن أحد أن سبب وجودها وزير الثقافة الحالى فاروق حسنى، ومعه محمد سلماوى رئيس الاتحاد الحالى. لكن هذا لا يمنع من إثارة وتفجر بعض الأسئلة التى طُرحت حول تصريحات وزير الثقافة عن إطلاعه على بيانات أعضاء الاتحاد فى سبيل الرد على بيان المطالبة بإقالته من منصبه، والذى وقعه نحو 102 مثقف، ما جعل البعض يؤكد أن الاتحاد بإطلاعه الوزير على بيانات أعضائه، ظهر كأنه «مكتب فنى» يتبع الوزير فاروق حسنى، حتى وإن تراجع الوزير عن هذه التصريحات، نافيا أن يكون بينه وبين الاتحاد أى خطابات. فى أحد حوارات محمد سلماوى منذ شهور قال بالحرف الواحد: «كما نعرف القانون الحالى تم سنه فى ظروف سياسية مختلفة عما هو عليه الحال الآن.. ويمنح وزارة الثقافة التى قدمت القانون لمجلس الشعب 1975 بعض الصلاحيات.. التعديلات المطروحة حاليا أمام مجلس الشعب تستهدف حذف هذه الصلاحيات.. بحيث لا يكون لوزارة الثقافة أى دور.. وقد اتفقت مع وزارة الثقافة أن تعلن فى المجلس عن موافقتها على هذه التعديلات، بحيث يتم حذف أى دور للوزارة فى الاتحاد.. وقد أعلن مستشار الوزارة أمام المجلس فى دورته الماضية أنه لا مانع لدى الوزارة فى إدخال هذه التعديلات». حاولنا سؤال محمد سلماوى حول ما يثار عن مدى استقلال الاتحاد حاليا عن وزارة الثقافة، خاصة فى ظل العلاقة الجيدة التى تربط سلماوى بفاروق حسنى، إلا أن سلماوى رفض الإدلاء برأيه ل«الشروق»، قائلا: «أعتذر عن الحديث»، وهو ما أدهشنا، نظرا لما يتردد حول أننا لا نتعامل معه بالموضوعية اللازمة. كارثة أشد وأفضح بعد ذلك حاولنا سؤال بعض أعضاء مجلس إدارة الاتحاد وأعضائه ممن رحبوا بالإجابة عن أسئلتنا. فى البداية سألنا الدكتور علاء عبدالهادى: ما رأيك فى المنشور عن تورط الاتحاد فى إعطاء بيانات عن المثقفين، وكأنه مكتب تابع لسكرتارية الوزير، وأنت عضو مجلس إدارة الاتحاد، والمنسق العام لمؤتمر المثقفين المستقلين؟، فأجاب: «يجب أن ننتبه أولا إلى المنشور فى هذا الصدد، لقد صرح حسنى بأنه أرسل إلى الاتحاد صورة من البيان لتحديد صفة الموقعين عليه، وقد كذبه الاتحاد وأنكر ذلك، ثم عاد وأنكر الوزير ما قاله لصحيفة مصرية يومية، مؤكدا أنه لم يرسل إلى الاتحاد، وكنا قد تعودنا من الوزير فى تاريخه الطويل على تصريحات عديدة يرجع عنها سريعا، مورطا نفسه، والآخرين، ربما كان آخرها ما قاله بخصوص القبض على سارق لوحة «فان جوخ»، ثم تكذيبه لما قاله بعد ذلك، أو عن إنكاره لخبيئة الغورى كما ذكرت صحيفة الأهرام، وعقده لمؤتمر صحفى عنها بعد ذلك، فى تصريحات دالة على تخبط وارتباك فادحين، ورأيى أنه لو كان تصريح الوزير برد الاتحاد على طلبه صحيحا فتلك كارثة، ويجب محاسبة المسئول عن ذلك، أما إذا كان تصريح الوزير غير صحيح فالكارثة أشد ضررا وأفدح». استقلال شكلى وعن ما مدى استقلال اتحاد الكتاب عن وزارة الثقافة؟، قال الدكتور مدحت الجيار عضو الاتحاد: «أولا الاتحاد هو نقابة الكتّاب التى ترعى مصالحهم، ويحكمها فى ذلك قانون ينظم حقوق الكاتب وواجباته تجاه النقابة. لكن القانون الحالى يعطى الإشراف السياسى لوزير الثقافة، بمعنى أن الاتحاد إذا أراد مثلا استجواب شخصية أو أى وزير داخل مجلس الشعب، لابد أن يكون ذلك عبر وزير الثقافة فقط. وبالتالى هذا أمر متروك للاتحاد يلجأ إليه أو لا يلجأ». وماذا عن الجانب المالى؟ فرد الجيار أن للاتحاد موارد محددة، هى اشتراكات الأعضاء، ومبلغ مائة ألف جنيه من وزارة المالية، فضلا عن حق الاتحاد فى قبول هبات وإعانات بشرط إخطار وزارة المالية، كما أن الاتحاد يخضع للإشراف الكامل للجهاز المركزى للمحاسبات، وهو جهة سيادية يتبع رئاسة الجمهورية. أما الكاتب عبدالوهاب الأسوانى، عضو مجلس إدارة الاتحاد، فأكد أن الاتحاد نقابة مستقلة، وخير دليل على ذلك ما حدث بين الاتحاد ووزارة المالية حينما أرسلت مبلغ تبرع حاكم الشارقة لعلاج الأدباء إلى وزارة الثقافة، حيث اعترض الاتحاد على هذه الخطوة وأوضح أنه «نقابة مستقلة لا تتبع وزارة الثقافة أو غيرها». فى حين رأى محمود الوردانى، عضو الاتحاد، أن لائحته تؤكد استقلاله، لكنه استقلال شكلى غير واقعى، بفضل يوسف السباعى الذى كان حريصا أن يكون جزءا من أجهزة الدولة رغم عدم قانونية ذلك. وذكر الوردانى أن سلماوى حاول أن يجعله مستقلا ولكنه فشل فى ذلك، إذ هناك مصيبة ترددت أخيرا وهى الكشف عن بيانات أعضاء الاتحاد الموقعين على بيان إقالة الوزير بناء على طلب الوزير فاروق حسنى. وعن الحل للخروج من هذا، أكد الوردانى أن الحل فى خلق كيان موازٍ للاتحاد الحالى الذى يضم فى أغلبه مدرسين لغة عربية بفضل رئيسه السابق ثروت أباظة. مواد معيبة وفى رده على سؤالنا: ما مدى استقلال الاتحاد عن وزارة الثقافة (السلطة التنفيذية) رغم أنه من المفترض أن يكون نقابة مستقلة للكتّاب؟ أوضح الدكتور علاء عبدالهادى: «بداية، قام الاتحاد على أنقاض فشل عدد من المثقفين فى حقبة السبعينيات فى إنشاء كيان خاص بكتّاب مصر وأدبائها، وأظننى لا أعدو الحق إذا قلت إن إنشاء الاتحاد كان ردّة فعل لهذا السلوك، وجاء قانون إنشائه فى عام 1975، بصفته محاولة من الحكومة لإجهاض إنشاء كيان ثقافى مستقل، خوفا من حركة المثقفين الاحتجاجية الواسعة آنذاك على سياسات الحكومة، وخشية من سيطرة قوى اليسار على الكيان الجديد، وهى القوى التى كانت أقدر على المبادرة والقيادة فى ذلك الوقت. صيغت مواد القانون على مقاس وزير الثقافة يوسف السباعى، فشاب قانون الاتحاد من بداياته الخلل، لأنه جمع بين قانون النقابات المهنية من جهة، وقانون الجمعيات الأهلية من جهة أخرى، وذلك على نحو أعطى وزير الثقافة مركزا قانونيا فى قانون النقابة لا يستحقه، ومن المعلوم أن الوزير بتمثيله للسلطة التنفيذية لا يحق له الولاية على نقابة مستقلة كاتحاد الكتاب، الذى تنص المادة الأولى من قانونه على صفته: (تنشأ فى مصر نقابة تُسمى اتحاد الكتاب)». وذكر علاء عبدالهادى فى حديثنا معه حاول عبدالهادى ألا يشوه الاتحاد محافظا على صورته كنقابة مستقلة أن هناك مواد فى قانون الاتحاد تربط الاتحاد بوزير الثقافة، وهى مواد معيبة، مثل المواد أرقام 11 و44 و61 و63، أما أخطر مادتين فى هذه المواد، فالمادة (30) التى تمنح وزير الثقافة الحق فى أن يطعن فى انتخاب رئيس الاتحاد، وأعضاء مجلس الاتحاد وذلك بتقرير يودع قلم كتاب محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ إبلاغه بنتيجة الانتخاب. والمادة (73) التى تعطل تنفيذ القرارات واللوائح التى تصدرها نقابة اتحاد الكتاب إلا بعد موافقة وزير الثقافة. وهما من المواد المضحكة والغريبة فى قوانين النقابات، على حد قول عبدالهادى. وداعة مجالس الإدارات لكن هل سبق وأن استخدم أى وزير بما فيهم الوزير الحالى هذه المواد؟ فأكد الدكتور عبدالهادى أنه على الرغم من أن وزراء الثقافة المتعاقبين لم يستخدموا هاتين المادتين على المستوى التاريخى حتى الآن؛ لأنهم لم يكونوا فى حاجة إلى استخدامهما، بسبب نعومة الاتحاد، وتراخى مجالس إدارته عن المشاركة فى قضايا الرأى، فإن هذه المواد تمنح الوزير قوة وضعية يمكنه من خلالها أن يقوم بالولاية على الاتحاد فى الوقت الذى يشاء. وفى الحقيقة، لم يكن وزير الثقافة فى حاجة إلى استخدام هذه المواد، فى ظل ضعف صوت الاتحاد فى الحياة العامة، أو فى قضايا مصر القومية، مقارنة ببقية النقابات الفكرية التى توليها الدولة اهتماما خاصا، وربما يرجع ذلك أيضا إلى علاقات المصلحة المشتركة بين عدد من أعضاء مجلس الإدارة والوزير، وفى هذا تفصيل لن أخوض فيه، وربما كان ذلك بسبب وداعة مجالس إدارته، خوفا من أن يحرم الوزير الاتحاد الفقير ماليا من المنحة السنوية التى يعطيها له، وهى منحة لا تزيد على مائة ألف جنيه فى أفضل الأحوال! هذا المبلغ التافه الذى لا يليق بنقابة تجمع خيرة أدباء مصر ومثقفيها. وقد جاهدنا والكلام مازال للدكتور علاء عبدالهادى منذ أكثر من عشر سنوات من أجل إلغاء هذه المواد وذلك فى مشروع تعديل قانون الاتحاد الذى تبناه مجلس الإدارة فى فترة الراحل فاروق خورشيد، بواسطة لجنة تشكلت منى ومن الأستاذين حمدى الكنيسى وعادل سركيس، وقد أعددنا صيغته النهائية التى كانت كفيلة فى حال إقرارها من مجلس الشعب بتحويل الاتحاد إلى نقابة قوية مستقلة، سواء بحذف مواد القانون التى تمنح الوزير ولاية على نقابة الاتحاد، أو بتعديل عدد من مواده ذلك بعد أن أخذت الموافقة فى اجتماع الجمعية العمومية فى انعقادها العادى المؤرخ (2001/3/23) على تعديل مادتين أساسيتين هما المادة (33) إلى «أن يتم انتخاب رئيس الاتحاد بالتصويت المباشر من قبل الجمعية العمومية»، والثانية المادة (35) إلى «حصر مدة العضوية فى مجلس إدارة الاتحاد لتكون أربع سنوات بحد أقصى»، مع توفيق أوضاع اللائحة الداخلية. كان ذلك على مدى خمس عشرة جلسة عقدناها فى لجنة القوى العاملة فى مجلس الشعب، لكن القانون لم ير النور حتى الآن. أخيرا، حينما تحذف المواد المعطلة لاستقلال الاتحاد من قانون تأسيسه، وألا يصرح الوزير فاروق حسنى مرة أخرى بتصريحات من شأنها أن تقلل من استقلال اتحاد الكتاب، نستطيع القول إن «اتحاد كتّاب مصر نقابة مستقلة ترعى شئون الكتاب والأدباء فى مصر».