اشترى الفلاحون تقاوى المحصول من الحكومة، ولما تبين فسادها لم يجدوا أمامهم حلا إلا اللجوء إلى الحكومة التى ورطتهم ولم تخلصهم. هذا حدث فى محافظة الأقصر، حين طلبت وزارة الزراعة من الفلاحين أن يتوجهوا إلى الجمعيات الزراعية لكى يحصلوا منها على تقاوى الذرة الشامية، فامتثلوا ثم انتظروا جنى المحصول هذه الأيام، لكن أملهم خاب حين فوجئوا بعقم العيدان وتقزيمها وتشوه كيزان الذرة وتفحم شواشيها، ولم تكن هذه حالة فدان أو اثنين أو عشرة، ولكن الكارثة أصابت 5 آلاف فدان فى المحافظة. الخبر الذى نشرته جريدة الأهرام بهذا الخصوص (فى 9/9) تضمن تفاصيل ما جرى للفلاحين إذ نقل على لسان مزارع فى قرية الضبعية التابعة لمركز القرنة، اسمه حسين على حسن قوله إنه قام بزراعة 12 فدانا بالتقاوى التى فرضتها عليهم وزارة الزراعة. لكنه لم يصدق عينيه حين رأى النباتات التى ظهرت ولم يكن لها علاقة بالذرة التى اعتاد أن يزرعها. لقد كلفه الفدان ثلاثة آلاف جنيه، على أمل أن يعطيه ما بين 25 إلى 30 إردبا من الذرة الشامية، الأمر الذى يحقق له ربحا يتراوح بين ستة آلاف وتسعة آلاف جنيه، لكن أحلامه كلها تبددت بعد الذى جرى للمحصول. وهو لم يكن وحيدا فى ذلك. لأن عددا آخر من مزارعى القرية واجهوا نفس المشكلة، وبعدما اسقط فى أيديهم، لم يجدوا حلا سوى إرسال سيل من الشكاوى إلى رئيس الوزراء ووزير الزراعة ومحافظ الأقصر، لإغاثتهم وتعويضهم عن الخسائر الجسيمة التى لحقت بهم. وكل الذى فعلته الجهات الرسمية التى خاطبوها أنها أرسلت لجنة من الفنيين لمعاينة الزراعات المصابة فى مركز القرنة وقرى ونجوع مركزى أرمنت وإسنا وغيرها، لكن اللجنة لم تخطر أحدا بنتيجة أعمالها، وبالتالى لم يتم صرف أى تعويض للفلاحين. نقل خبر الأهرام عن مهندس زراعى اسمه محمد سعد الدين قوله إن التقاوى التى صرفت للفلاحين كانت فاسدة، وإن تلفها راجع إلى سوء التخزين وعدم النظافة وعدم وجود تهوية جيدة فى المخازن الخاصة بوزارة الزراعة والجمعيات الزراعية والإرشاد والتعاون الزراعى. وهى شهادة إن صحت فإنها تتهم وزارة الزراعة بالمسئولية المباشرة عن الكارثة وتفرض عليها أن تعوض الفلاحين عما أصابهم. ما حدث فى الأقصر بقلب الصعيد تكرر فى المنوفية التى تقع فى قلب الدلتا. وما قاله فلاحو الضبعية وأرمنت وإسنا ردده نظراؤهم فى قويسنا وبركة السبع والباجور وشبين الكوم. بدءا بالتقاوى التى تسلموها من الجمعيات الزراعية، وانتهاء بالكارثة التى حلت بالمحصول حين جاء أوان الحصاد ووصولا إلى توجيه أصابع الاتهام إلى وزارة الزراعة، التى تجاهلتهم ولم تكترث بشكاواهم واستغاثاتهم. لم تنشر الصحف شيئا عما حدث فى المنوفية، لكننى علمت به من أهلنا هناك وتأكدت من صحة المعلومات حين أجريت اتصالا بأحد المسئولين فى مركز البحوث الزراعية بالدلتا، الذى طلب منى ألا أذكر اسمه حتى لا يتعرض للبطش والاضطهاد. ومخاوفه تلك تدل على أن الوزارة تتكتم على ما جرى (منتهى الشفافية!) ولا تريد لأخبار الكارثة أن تظهر أمام الرأى العام، سواء لكى لا ينفضح أمرها لأنها هى التى ألزمت الفلاحين بشراء التقاوى الفاسدة ثم ادارت ظهرها لهم بعد ذلك. أو لأننا فى موسم تسليط الضوء على «الإنجازات» فى أجواء الانتخابات التى تقبل عليها مصر. الملاحظة المهمة فى هذا السياق أن الفلاحين ليس لهم كيان يمثلهم ويدافع عن حقوقهم المهدرة. فالعمال لهم اتحاد يمثلهم، وكل مهنة لها نقابة تحمى حقوق العاملين المنسوبين إليها من الأطباء والمعلمين وغيرهما إلى الحانوتية. وحدهم الفلاحون الذين يزيد عددهم على عشرة ملايين شخص. لا صاحب لهم ولا صوت يتبنى مظلوميتهم. فى حين يفترض أنهم مع العمال يمثلون 50 من أعضاء المجالس المحلية والنقابية. لقد ضحكوا عليهم بحكاية المقاعد، ثم حبسوا أصواتهم، تطبيقا لقاعدة إن الأهم هو «السيستم»!