في مواجهة الرسوم الأمريكية.. رئيس وزراء الهند يدعو إلى "الاكتفاء الذاتي"    وزير الخارجية يشيد بالتطور اللافت للعلاقات بين مصر وبريطانيا    صراع الفوز الأول.. 4 صفقات تزين تشكيل فاركو المتوقع أمام الأهلي    ليفربول وسيتي يسابقان الزمن.. 10 صفقات على وشك الحسم في الدوري الإنجليزي    الصفقة الخامسة.. ميلان يضم مدافع يونج بويز السويسري    الداخلية تكشف تفاصيل ضبط لص هواتف بالقاهرة بعد تداول فيديو على السوشيال ميديا .. شاهد    محافظ الدقهلية يتفقد عمل المخابز في المنصورة وشربين    الإسماعيلية تواصل تطوير البنية التحتية للطرق لخدمة المواطنين    البورصة: ارتفاع محدود ل 4 مؤشرات و 371.2 مليار جنيه إجمالي قيمة التداول    مديرية الزراعة بسوهاج تتلقى طلبات المباني على الأرض الزراعية بدائرة المحافظة    تراجع معدل البطالة في مصر إلى 6.1% خلال الربع الثاني من 2025    السيسي يوافق على ربط موازنة هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة لعام 2025-2026    بالإنفوجراف.. طريقة التقديم على الإسكان البديل عن الإيجارات القديمة    انطلاق قافلة دعوية كبرى من مسجد المرابعين بكفر الشيخ    الكشف على 3 آلاف مواطن ضمن بقافلة النقيب في الدقهلية    عودة أسود الأرض.. العلمين الجديدة وصلاح يزينان بوستر ليفربول بافتتاح بريميرليج    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات المفاجئة في باكستان والهند إلى أكثر من 200 قتيل    ترامب يؤيد دخول الصحفيين إلى قطاع غزة    المتحدث العسري باسم القوات المسلحة يكشف الجهود المصرية في إدخال المساعدات إلى غزة    مالي تعلن إحباط محاولة انقلاب وتوقيف متورطين بينهم مواطن فرنسي    الكنيسة الكاثوليكية والروم الأرثوذكس تختتمان صوم العذراء    بميزانية 2.5 مليون جنيه.. افتتاح مسجد العبور بمدينة المنيا بعد تطويره    أزمة سد النهضة وحرب غزة تتصدران رسائل الرئيس السيسي الأسبوعية    الزمالك يمنح محمد السيد مهلة أخيرة لحسم ملف تجديد تعاقده    محافظ أسيوط يتفقد محطة مياه البورة بعد أعمال الإحلال    بينهم مونلي وشاكر وياسمين.. أبرز قرارات النيابة بشأن البلوجرز خلال أسبوع    بتحذير وبشرى سارة.. "الأرصاد" توضح طقس الساعات المقبلة    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ميكروباص بالفيوم    تجاوزت ال 49 درجة ..الأقصر تسجل أعلى درجات الحرارة ومنع البالون الطائر    مهرجان القاهرة الثالث للطفل العربي يختار صلاح جاهين شخصية العام    سلاف فواخرجي تشيد ببيان فناني مصر ضد التصريحات بشأن ما يسمى إسرائيل الكبرى    قصف مكثف على غزة وخان يونس وعمليات نزوح متواصلة    الصور الاولى من كواليس فيلم سفاح التجمع ل أحمد الفيشاوي    117 مليون مشاهدة وتوب 7 على "يوتيوب"..نجاح كبير ل "ملكة جمال الكون"    رانيا فريد شوقي تحتفل بعيد ميلاد الفنانة هدى سلطان    تضم 17 مؤشرًا، الصحة تطلق منظومة متطورة لقياس الأداء وتعزيز جودة الخدمات    نائب وزير الصحة يتفقد المنشآت الطبية بمحافظة المنيا ويحدد مهلة 45 يوما لمعالجة السلبيا    الإدارية العليا: إستقبلنا 10 طعون على نتائج انتخابات مجلس الشيوخ    ضبط مخزن كتب دراسية بدون ترخيص في القاهرة    الكوكي: طوينا صفحة الطلائع.. ونحذر من الاسترخاء بعد الانتصارات    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 15 أغسطس 2025 والقنوات الناقلة.. الأهلي ضد فاركو    شريف العريان: نسير بخطوات ثابتة نحو قمة العالم استعدادًا لأولمبياد 2028    نجاح جراحة دقيقة لطفلة تعاني من العظام الزجاجية وكسر بالفخذ بسوهاج    ياسر ريان: لا بد من احتواء غضب الشناوي ويجب على ريبييرو أن لا يخسر اللاعب    8 قرارات جمهورية مهمة وتكليفات حاسمة من السيسي للحكومة وكبار رجال الدولة    فوائد البصل، يحارب العدوى والسرطان والفيروسات والشيخوخة    «الصبر والمثابرة».. مفتاح تحقيق الأحلام وتجاوز العقبات    سلطة المانجو والأفوكادو بصوص الليمون.. مزيج صيفي منعش وصحي    ضربات أمنية نوعية تسقط بؤرًا إجرامية كبرى.. مصرع عنصرين شديدي الخطورة وضبط مخدرات وأسلحة ب110 ملايين جنيه    رئيس الأوبرا: نقل فعاليات مهرجان القلعة تليفزيونيا يبرز مكانته كأحد أهم المحافل الدولية    الدكتور عبد الحليم قنديل يكتب عن : المقاومة وراء الاعتراف بدولة فلسطين    قلبى على ولدى انفطر.. القبض على شاب لاتهامه بقتل والده فى قنا    أجمل رسائل تهنئة المولد النبوي الشريف مكتوبة    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 للموظفين.. «إجازه مولد النبي كام يوم؟»    نفحات يوم الجمعة.. الأفضل الأدعية المستحبة في يوم الجمعة لمغفرة الذنوب    د.حماد عبدالله يكتب: الضرب فى الميت حرام !!    ما هو حكم سماع سورة الكهف من الهاتف يوم الجمعة.. وهل له نفس أجر قراءتها؟ أمين الفتوى يجيب    بدرية طلبة تتصدر تريند جوجل بعد اعتذار علني وتحويلها للتحقيق من قِبل نقابة المهن التمثيلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حالة مصر الطبقة الوسطى
نشر في الشروق الجديد يوم 19 - 09 - 2010

أعود اليوم إلى سلسلة حالة مصر وأتابع، بعد أن عرضت لمجمل المؤشرات الاقتصادية بين عامى 2000 و2010 بما تتضمنه من معدلات نمو مرتفعة للناتج المحلى الإجمالى مع استمرار أزمات الفقر والبطالة والدين العام واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، بمحاولة للتعرف على أحوال الطبقة الوسطى المصرية وما طرأ أو لم يطرأ عليها من تغيرات إيجابية أو سلبية خلال العقد الماضى وتداعيات ذلك المجتمعية والسياسية. فالطبقة الوسطى هى عماد الاستقرار فى المجتمع وحلقة وصله القادرة على تقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وكلما زاد عدد المواطنين المنتمين لها وارتفع نصيبهم الكلى من إجمالى الناتج المحلى وتحسن مستوى الخدمات الأساسية المتاحة لهم كالتعليم والتأمين الصحى والضمانات الاجتماعية كلما توازنت حركة المجتمع المعنى اقتصاديا وأمكن احتواء أزماته الكبرى كالفقر والبطالة والأمية. ثم يسبغ ذات القدر من الأهمية على الدور المحورى الذى قد تلعبه طبقة وسطى واسعة لجهة دفع المجتمع المعنى نحو حكم القانون وتداول السلطة والتعددية الحزبية سياسيا ونحو العلمانية والعقلانية والتسامح وقبول الرأى الآخر فكريا.
بداية، تعتمد تقارير المؤسسات الدولية كتلك الصادرة عن البنك الدولى فى سعيها لتحديد موضع ونسبة المنتمين للطبقة الوسطى لإجمالى التركيبة السكانية تقسيما خماسيا لشرائح متعاقبة يمثل كل منها 20% من السكان ويتفاوت نصيبها السنوى من الناتج المحلى الإجمالى على أن يعرف المنتمون لشريحة ال20% صاحبة النصيب الأقل باعتبارهم فقراء والمنتمون للشريحة صاحبة أكبر نصيب على أنهم الأغنياء. ثم تأتى بين الفقراء والأغنياء ثلاث شرائح للطبقة الوسطى يتفاوت أيضا نصيبها من الناتج المحلى وهى على التوالى الشريحة الدنيا والشريحة الوسطى والشريحة العليا لتشكل الطبقة الوسطى بشرائحها نسبة 60% من التركيبة السكانية. ووفقا لهذا التقسيم، وبالنظر إلى المتوافر من بيانات حديثة (تبدأ فى التسعينيات وتتوقف عند 2005) عن مصر وعن نصيب الشرائح المختلفة من الناتج المحلى، يتضح أن أحوال الطبقة الوسطى تغيرت سلبا خلال التسعينيات ثم استقرت على حالها خلال الأعوام الماضية. فالنصيب السنوى لشريحة الطبقة الوسطى السفلى من الناتج المحلى كان 12.4% فى 1991 و13% فى 1996 و12.5% فى 2000 و12.6% فى 2005، بينما كان نصيب الشريحة الوسطى لذات الأعوام هو على التوالى 16.3% و16.4% و15.8% و16% ونصيب الشريحة العليا هو 21.8% و21.2% و20.6% و21%. فقط إذن نصيب شريحة الطبقة الوسطى السفلى من الناتج المحلى هو الذى تغير بالإيجاب بين 1991 و2005 بنسبة 1.61%، فى حين تراجع نصيب الشريحتين الوسطى والعليا بنسبة 1.84% و3.67% على التوالى. يصبح من ثم إجمالى التغيير الذى طرأ على نصيب الطبقة الوسطى من الناتج المحلى بين 1991 و2005 سلبيا وتصل نسبته التقريبية إلى 4%. وعندما نضع هذا التحليل فى السياق الأوسع للتركيبة السكانية بإدراج التغيرات التى طرأت على نصيب الأغنياء والفقراء، يبدو تدهور أوضاع الطبقة الوسطى جليا، فالنصيب السنوى لشريحة ال20 الغنية ارتفع بين 1991 و2005 بنسبة 4% وكذلك نصيب الشريحة الأفقر بنسبة 3.95%. ويعنى هذا من جهة اتساع الفجوة بين الأغنياء والمنتمين للشريحتين العليا والوسطى للطبقة الوسطى، ومن جهة ثانية المزاحمة السلبية لشريحة الفقراء المنتمين لشريحة الطبقة الوسطى الدنيا على نحو يهبط بالأخيرة ولا يصعد بالضرورة بالأولى، ومن جهة ثالثة فإن عوائد النمو المستمر خلال الأعوام الماضية فى الناتج المحلى لم توزع مجتمعيا من قبل الحكومات المتعاقبة بصورة متساوية فظلمت الطبقة الوسطى واستفادت القمة ومعها القاع.
بيد أن التقسيم الخماسى المتبع من البنك الدولى للتعرف على أحوال الطبقة الوسطى وتغيراتها يرد عليه العديد من الانتقادات، أهمها تجاهله بعيدا عن مقارنة النصيب السنوى للشرائح السكانية المختلفة من الناتج المحلى لمعدلات الدخل الفعلية للسكان وعلاقتها بالخدمات الأساسية التى ينفقون للحصول عليها وبأنماط إنفاقهم الاستهلاكى وبالفوارق بينهم وهو ما يقدم لنا فى الحالة المصرية صورة مغايرة للتقسيم الخماسى وطبقته الوسطى الكبيرة نسبيا (60% من السكان). على سبيل المثال، تحدد منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية الدولية إنفاق ما بين 10 و100 دولار يوميا كمعيار للانتماء للطبقة الوسطى، وهو ما لا يتوافر فى مصر سوى لنسبة لا تزيد على 35% من السكان (وفقا لبيانات 2007 و2008). وبالنظر إلى المتداول عالميا حول أزمة الفقر فى مصر وتوافق التقارير الدولية والمحلية على أن نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر (معرفا بدولار يوميا) تتراوح بين 20 و30% من السكان وإذا ما استثنينا أولئك الذين ينفقون يوميا أكثر من دولار وأقل من 10 (القريبون من خط الفقر) وأولئك الذين ينفقون فوق 100دولار يوميا (الطبقة الغنية)، تتضح الدقة النسبية لمعيار منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية الدولية لتحديد نسبة المنتمين للطبقة الوسطى المصرية والتى يصبح متوسط دخلها السنوى هو 6000 دولار.
فما الذى يستطيع المنتمون للطبقة الوسطى بمعدل الدخل السنوى هذا الحصول عليه، بعد الغذاء والمسكن، من خدمات أساسية عادة ما يهتمون بها وتمكنهم من الحفاظ على موقعهم فى التركيبة السكانية كالتعليم العالى الخاص والرعاية الصحية والضمانات الاجتماعية؟ وهل باستطاعتهم التملك العقارى على سبيل المثال أو تخصيص قدر معتبر من دخلهم (يقدر عادة بثلث الدخل) للإنفاق الاستهلاكى؟ الإجابة باختصار هى أنهم اليوم لا يستطيعون الحصول على الكثير وأن تراجع مستوى الخدمات المقدمة من الدولة ومؤسساتها فى مجالات التعليم والرعاية الصحية والضمانات الاجتماعية يضع على المنتمين للطبقة الوسطى العديد من الضغوط المعيشية التى ترتب على المدى الزمنى المتوسط والطويل حراكا هابطا (بين شرائح الطبقة الوسطى ومنها إلى الشرائح الفقيرة) وتحد من قدرتهم على الحراك الصاعد (أى مزاحمة الأغنياء فى مواقعهم المجتمعية). وفى التحليل الأخير، يضع تدهور أحوال الطبقة الوسطى مصر أمام تحديات خطيرة تطول توازن واستقرار المجتمع والسياسة وفرص تطورهما الإيجابى.
ففى مجال التعليم الخاص، لا يمكن دخل سنوى يدور حول 6000 دولار الطبقة الوسطى من تحمل كلفته لا بالجامعات الأجنبية ولا بالجامعات المصرية الخاصة. فالكلفة السنوية هذه (وفقا لبيانات 2008) باتت تتراوح تقريبيا بين 900 و8000 دولار وما زالت تواصل ارتفاعها المستمر. فعلى سبيل المثال، تجاوزت الكلفة السنوية للجامعة الأمريكية فى القاهرة للعام الدراسى (2000/2001) 10000 دولار بينما بلغت للعام الدراسى (2008/ 2009) 15000 دولار، أى بزيادة قدرها 43 %! واقعيا إذن لم يعد بمقدور معظم المنتمين للطبقة الوسطى الحصول على التعليم الجامعى الخاص، وأضحت الجامعات الحكومية هى ملاذهم الأساسى، إلا أن مستوى الخدمة التعليمية المقدمة بالأخيرة تردى بشدة، خاصة مع تراجع معدلات الإنفاق الحكومى على التعليم الجامعى منذ التسعينيات، وبات عامل تمييز ضد المتخرجين فيها فى سوق العمل مقارنة بحملة الشهادات الجامعية الخاصة ورتب من ثم الحراك الهابط الذى سبقت الإشارة إليه. وتكرر القطاعات الأخرى، الرعاية الصحية والضمانات الاجتماعية والتملك العقارى ونسبة الإنفاق الاستهلاكى وأنماطه العامة (وليس فقط المؤشر المفضل للحكومة وكتابها، عدد المصريين المشتركين فى شبكات الهاتف الخلوى) ذات الصورة المجتمعية لطبقة وسطى تقترب شرائحها أكثر فأكثر من الفقراء ولم يعد بالإمكان مقارنة المتاح لها من خدمات بما يحصل عليه الأغنياء.
وفى التحليل الأخير، يضع تدهور أحوال الطبقة الوسطى ومعاناة المنتمين لها مصر أمام تحديات خطيرة تطول توازن واستقرار المجتمع والسياسة وتحد كثيرا من فرص تطورهما الإيجابى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.