«الفجالة السنين اللى فاتت ما كانتش تعرف تمشى فيها، فى الوقت ده من السنة، لكن الحال اتغير السنة دى»، نفس الإجابة تقريبا جاءت على ألسنة عدد كبير من تجار المنطقة، التى تعد المركز الأول لتجارة الكتب والأدوات المدرسية، عند سؤالهم عن أحوالهم مع بداية موسم دخول المدارس. شارع الفجالة الذى يشتهر بأنه المقصد الأول لتجارة الأقلام والكراسات والأدوات المكتبية، بدا هادئا على غير عادته فى نفس هذا الوقت من السنة، والذى كان يشهد فيه زحاما شديدا بسبب قرب موعد الدراسة، والسبب «الأسعار اللى ولعت»، بحسب بعض التجار. ارتفاع أسعار الأدوات المكتبية والورقية بنسبة لا تقل عن 25%، ساعد فى إحجام المواطنين عن الشراء أو فى أحسن الأحوال، تخفيض حجم مشترياتهم. «شوية أقلام ب25 جنيها، ليه حرام عليكم»، هكذا صرخت السيدة الأربعينية فى وجه بائع الأدوات المكتبية فى شارع الفجالة، محمد سمكة، معترضة على سعر «شوية أقلام جاف ورصاص». سمكة، بدوره حاول تهدئتها قائلا: «الحاجة ولعت علينا، وزادت النص»، إلا أن السيدة الأربعينية لم يعجبها حديث سمكة، وتركته وهى تردد «حرام عليكم نعمل إيه». «ما فيش حد بيشترى، واللى كان بيشترى دستة أقلام بقى يشترى قلمين وثلاثة»، بحسب قول سمكة، مشيرا إلى أن «ارتفاع الأسعار تسبب فى قلة المكسب، لأن الزبون بيفاصل وباضطر ابيع البضاعة بسعر الجملة». سمكه، الذى اتخذ من ناصية أحد شوارع الفجالة مكانا له، لا يشكو فقط من ارتفاع الأسعار ولكن من قلة عدد رواده «بقالك عشر دقائق واقفة وما فيش ولا واحد جه واشترى». وبحسب أحمد أبوجبل، رئيس شعبة الأدوات المدرسية والخردوات بالغرفة التجارية، فى تصريحات سابقة ل«الشروق»، فإن الأدوات المدرسية سجلت ارتفاعا فى أسعار بعض أنواعها بنسبة تتراوح ما بين 5 و10%. وارتفاع الأسعار لم تسلم منه المنتجات الورقية كالكشاكيل والكراسات والدفاتر المدرسية، مما تسبب فى قلة الإقبال على الشراء. «قرب كشكول وكراسة بسعر الجملة»، رغم ارتفاع نداء سميحة على زبائنها فإنها فشلت فى جذب عدد كبير من المشترين. «ربنا يقوى الناس، الألف كشكول اللى كانت ب600 جنيه السنة اللى فاتت بقت ب740 جنيها وبخامة أسوأ كمان»، ارتفاع الأسعار تفسره سميحة، بأن الورق غلى.. التجار بيقولوا كده، والله أعلم». وسجلت أسعار الورق ارتفاعا فى شهر أبريل الماضى بنسبة 20% للطن الواحد، متأثرة بتراجع الكميات المنتجة من الدول الكبرى المنتجة للورق مثل شيلى وفنلندا. سميحة تلجأ للبيع قطاعى «لأن الجملة ما بتفيدش، وما فيش حد بيشترى واللى كان بيشترى كراسات وكشاكيل بالدستة، بقى يكتفى بكراسة أو اثنتين». «وقف الحال» الذى تعانيه سميحة، يعانيه كذلك أحمد، الشاب العشرينى، الذى يرى أن الإقبال قلّ كثيرا مقارنة بالعام الماضى. «أكيد الأسعار غليت لكن مش واخدة باللى قد إيه»، هكذا أجابت هبة، ربة المنزل التى اصطحبت ابنيها الاثنين فى جولتها داخل واحدة من أشهر المكتبات بحى المهندسين. المكتبة كانت تعج بالزبائن من أبناء الطبقة العليا، الذين لا يجدون أى مبرر لتوقف الشراء عن الأدوات المكتبية قبل العام الدراسى حتى ولو ارتفعت الأسعار. «الأسعار غليت لكن الزبائن ما زالوا موجودين»، بحسب مدير المكتبة، محمد حسين. هبة أمسكت بورقة مليئة بالمتطلبات سلمتها لها مدرسة أطفالها لإحضارها قبل بداية العام، «المدرسة هى اللى طلبت، وأنا باجى هنا علشان بلاقى كل حاجة مطلوبة، وكله على حسب المكان اللى بتروحيه». بالقرب من هبة، وقفت غادة، التى ترتدى ملابس أبناء الخليج، تقلب فى الأقلام الجاف، وتقول: «ما أعرفش الأسعار زادت ولا لأ، أنا أصلا ما كنتش موجودة فى مصر ومش هاتفرق كتير». عدم اهتمام هبة وغادة بالأسعار حقق لدى حسين هامش ربح جيدًا «لم تختلف نسبته عن العام الماضى، لأن الزبائن لا توجد لديهم مشكلة فى شراء كشكول فرنساوى لا يزيد على 60 ورقة بأكثر من 35 جنيها». وثمن الكشكول الواحد فى المهندسين كافٍ لشراء الاحتياجات المدرسية الكاملة لتلميذ من منطقة الفجالة، التى يبدأ ثمن الكشكول فيها من 90 قرشا، أما ثمن القلم فيبدأ من 50 قرشا. تحقيق حسين للربح، جاء بسبب بيعه بالقطاعى، «زبائننا لا تعرف الشراء بالجملة، وكل اللى بيشترى بيكون قطاعى، لأنه ليس لديهم مشكلة فى الشراء مرة أخرى إذا تطلب الأمر». فارق كبير بين المشهد فى شارع الفجالة ورواده، وبين المكتبة الشهيرة وروادها، «زمان كنا بنام على البضاعة من كترها علشان كنا بنخاف عليها من السرقة، دلوقتى الشوارع بقت فاضية والبضاعة على القد»، بهذه الجملة لخص أحد الباعة فى الفجالة، محمد الشربينى، حال الفجالة زمان والآن.