مسلسل «الجماعة» للكاتب وحيد حامد وبغض النظر عن رأينا فيه، أو تقييمنا له، هو اختبار كبير لجماعة الإخوان المسلمين وأنصارها. وأتمنى ألا يتحقق ظنى بأن الإخوان يتجهون للرسوب فى هذا الاختبار. إذا كنا نؤمن فعلا بالتعددية وحرية التعبير فإن علينا أن ندافع عن حق وحيد حامد فى كتابة ما يريد عن حسن البنا مؤسس الإخوان وتاريخ الجماعة، حتى لو صبت هذه الكتابة فى مصلحة الحكومة بقصد أو من دون قصد. فى المقابل فإن علينا أن ندافع عن حق الجماعة فى إنتاج مسلسل وفيلم ومسرحية وأى شكل فنى تراه عن حسن البنا وعن تاريخ الجماعة بالطريقة التى تعجبها. وعلى حد علمى فإن الجماعة تملك علاقات جيدة مع مصادر ومؤسسات مختلفة تتيح لها إنتاج عشرات المسلسلات وليس مسلسلا واحدا. القضية الخطيرة ليست فى المسلسل، أو الموضوع الذى يتحدث عنه.. القضية هى مستقبل الجماعة. شئنا أم أبينا فهناك تيار كبير فى المجتمع ينتمى لحركة الإخوان المسلمين. هى جماعة سياسية موجودة على أرض الواقع ولديها نحو خمس مقاعد البرلمان، وهى تقريبا القوة السياسية المنظمة الوحيدة فى الشارع السياسى المصرى. لذلك فإن سياسة بعض «الحالمين» فى أنها سوف تختفى من الوجود لمجرد أن البعض يطلق عليها لفظ محظورة، ويعتقد بذلك أنه قضى عليها.. لن تفيد. من مصلحة المجتمع السياسى المصرى أن يساعد هذه الجماعة فى أن تتحول إلى حزب سياسى حقيقى يؤمن أن الحقائق فى عالم السياسة نسبية، وتختلف اختلافا جوهريا عن الأفكار المجردة والمطلقة الموجودة فى الأديان. الذين تابعوا ردود بعض الإخوان وأنصارهم على الحلقات الماضية من مسلسل الجماعة أصيبوا بالقلق والسبب ببساطة أن جوهر الردود إما أنه يتعامل مع وحيد حامد باعتباره جاهلا أو مغرضا وعميلا للحكومة، لم أقرأ رأيا واحدا يتعامل مع المسلسل باعتباره عملا فنيا ووجهة نظر تخص صاحبها قد تكون جيدة أو سيئة. إذا كان من حق الإخوان الشكوى بأن الحكومة وأجهزتها تنتهك حقوقهم ولا تؤمن بالتعددية والديمقراطية، فإن من حق الآخرين أن يشعروا بالخطر الأشد، لأن الإخوان الذين ردوا على وحيد حامد يعانون من نفس المشكلة وربما أكثر. وجهة النظر الأحادية لم تكن مقصورة على شباب الإخوان الغاضب والمتمرد على مواقع الإنترنت، بل هى نفسها وجهة نظر كبار قادة الجماعة، وبعضهم لم يجد حرجا من استخدام ألفاظ لا يصح استخدامها فى سياق انتقاد مؤلف المسلسل. على عقلاء الإخوان الإدراك ان هذه الطريقة فى الرد على وجهة نظر فى مسلسل تجعل الناس يصدقون فعلا انها جماعة منغلقة ولا تؤمن بالتعددية وحرية التعبير. ولو كان الإخوان جادون فعلا فى أن يكونوا جزءا مهما من المشهد السياسى فى المستقبل فإن أمامهم تحديات كبيرة لابد أن يتغلبوا عليها. هذه التحديات لا تتمثل فى عنت النظام.. هى تحديات داخلية فى المقام الأول، تتتعلق بالذهنية المسيطرة داخل الجماعة والتى طالت رموزا كبيرة داخل الجماعة مثل د. عبدالمنعم أبوالفتوح وأنصاره فى الشهور الماضية. سيظل الإخوان يدورون حول أنفسهم فى دوائر مفرغة إلا إذا بدأوا يربون ويعلمون أنصارهم أنهم جماعة سياسية لا تحتكر الحقيقة، وأن حسن البنا شخصية سياسية وليس نبيا أو إلها، وأن تاريخ الجماعة كانت به عثرات وأخطاء قاتلة مثلما كانت به لحظات مضيئة. عليهم أن يعلموا الشباب الصغير أن رأى الجماعة قد يكون صوابا وقد يكون خطئا وأنه ليس منزلا من السماء، بل هو اجتهاد بشرى خالص. هناك شعوب بكاملها تنكر وجود الله، وشعوب تعبد البقر حاشا لله فهل يستنكر أنصار الإخوان على وحيد حامد أن يختلف على شخصية حسن البنا. يا أيها الإخوان دافعوا عن حق غيركم فى الاختلاف حتى يدافع عنكم الآخرون عندما تتعرضون للظلم.