بعد أن أتم المسلمون بقيادة موسى بن نصير فتح المغرب الأقصى واستولوا على ثغر طنجة أشرفوا على شواطئ الأندلس من الضفة الأخرى من البحر، ولم يبق أمامهم لاستكمال فتح إفريقية سوى ثغر سبتة الذى يقع مقابل طنجة فى الطرف الآخر من اللسان المغربى. وكانت سبتة قد أحبطت محاولات فتحها بسبب مناعتها الجغرافية، وحرص حاكمها يوليان على الدفاع المستميت عنها. وكان موسى بن نصير يتطلع إلى فتحها على الرغم من منعتها وقوة حاكمها وجيشه، لتخلص أفريقية للحكم الإسلامى، وبينما هو يرقب الفرصة المواتية لتحقيق ذلك إذ جاءته رسالة من حاكم سبتة يعرض فيها تسليم معقلها الحصين ويدعوه إلى فتح إسبانيا، وذلك نكاية فى حكام إسبانيا الذين كانوا على خلاف قديم وعداوة مستمرة مع يوليان حاكم سبتة. استجاب موسى لهذه الدعوة، واهتم أعظم اهتمام بمشروع الفتح، لاسيما وهو كان قد وقف على أحوال إسبانيا وخصبها وغناها، وأن حاكم سبتة وحلفاءه هونوا عليه الأمر بذكر ما تعانيه إسبانيا من الخلاف والشقاق بين حكامها، وما يسودها من التحلل والضعف. وعرض يوليان تقديم سفنه لنقل المسلمين فى البحر والمعاونة فى غزو إسبانيا بجنده وأدِلاءَ أكْفاء يعرفون دروب البلاد ويستطيعون إرشاد المسلمين فى الطرق المجهولة لهم. فكان أول نزال بين المسلمين والقوط، حكام الأندلس، فى رمضان سنة 91 ه إذ اجتازت حملة صغيرة البحرَ، فى أربع سفنٍ قدمها إليهم حاكم سبتة، فنزلت الجزيرة الخضراء من أرض الأندلس فأصابت كثيرا من الغنائم، وقوبلت على غير توقع بترحيب من أهلها وإكرام كان سببهما بغض هؤلاء لحاكمهم لذريق الذى كان ظالما قاسيا يتمتع ببغض مواطنيه الممزوج بخوفهم منه. ثم وَلَّى موسى بن نصير طارقَ بن زياد الليثى، الذى كان حاكما لطنجة، وهو من البربر من أسرة حديثة الإسلام حتى ذكروا أنه ليس فى نسبه اسمٌ مسلمٍ قبل اسم جده عبدالله، وينتهى نسبه إلى قبيلة زناتة البربرية. وكان طارق جنديا عظيما، أظهر شجاعة فائقة وبراعة هائلة فى غزوات المغرب تحت قيادة موسى بن نصير، ولذلك اختاره لحكم طنجة وما حولها، وهى يومئذ أخطر بقاع المغرب الأقصى وأشدها اضطرابا. فلما عيَّنه موسى بن نصير قائدا لفتح الأندلس عبر البحر من سبتة بجيشه، فى سفن حاكم سبتة القليلة، ونزل فى أرض صخرية مقابل سبتة سميت من يومها باسم: جبل طارق، ولقى مقاومة محدودة من جيش حاكم الجزيرة، لكنه هزم شراذم القوط، واستمر فى سيره الذى كان بعيدا عن عاصمة طليطلة مما دفع لذريق إلى الإسراع بالعودة إليها ليواجه هذا الخطر الجديد. وجهز بسرعة جيشا عليه قائد من قواده الكبار، ليسبق إلى لقاء طارق حتى يستكمل لذريق أهبته للحرب، لكن طارقا هزم هذا الجيش هزيمة منكرة واخترق وسط إسبانيا وغربها مستمرا فى مسيرته نحو طليطلة نفسها.