يرى فرعون أن النبوة والدين عدو شديد العداوة للسلطة التى درج عليها وأدمن ممارستها، حيث إن النبوة تستهدف تحرير الناس، فإذا تحرر الناس فلن يجد فرعون عبيدا يسوقهم لنزواته. وتستهدف النبوة تعليم الناس ما لهم وما عليهم، وإذا تم ذلك فإن فرعون وملئه لن يجدوا من يسخرونه بلا أجر، ومن يفرضون عليه الضرائب والاتاوات فيصبح ويمسى مذعنا لا يفكر، كذلك فالنبوة تربى القيادات وتنشىء الزعامات وتخرج الناس من الظلمات إلى النور فماذا يفعل فرعون إذا استنار الناس؟! لابد من مواجهة النبوة وتحديها والاجتهاد فى صرف الناس عنها.. لابد من تجفيف المنابع، وإبعاد الوحى عن سمع الناس وبصرهم وذلك بألوان الهرطقة، وأنواع اللهو، والدعوة للمعاصرة إلخ. ها هو فرعون يستقبل موسى كليم الله فيعرض عليه موسى آيات الله البينات (وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّى رَسُولٌ مِن رَبِّ العَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلَى أَن لَّا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلاَّ الحَقَّ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِى إِسْرَائِيلَ) (105) (الأعراف) ويعقب فرعون على دعوة موسى والدواء الذى يصفه لفرعون وشعبه فيقول فرعون (قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (106) (الأعراف) وهنا يظهر موسى أنه مبعوث من الله ويعرض بعض دلائل قوة مصدره (فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِى ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِى بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ) (108) (الأعراف) ويسارع فرعون بحشد فريق ممن تعود أن يلوذ بهم نظير أجر أو مكافأة فها هم يقولون : «قَالَ المَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِى المَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ) (112) (الأعراف)، وها هو فرعون يقلب الحقائق ويخاطب موسى قائلا (...إِنِّى لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورا ) 101 الإسراء. أرأيت هذه الوقاحة.. وقاحة المريض يدعى أنه طبيب ويتهم الطبيب بأنه مريض.. وقاحة مضحكة، وشر البلية ما يضحك... هؤلاء ملأ فرعون يضحكون بملء الأفواه تأييدا لفرعون وهجوما على موسى.. فيقول موسى مخاطبا فرعون (قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّى لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورا) 10 الإسراء. نعم أنت يا فرعون مثبور (مجنون) فى طريقك للهلاك، إذ كل من يتعامى عن الحق سيصيبه الهلاك العاجل، ويؤكد موسى مصدر بعثه وإرساله، وها هو فرعون يدعى الألوهية، ويتجاهل الخالق الرازق معتمدا على مساندة شيعته وملئه فيقول فرعون (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ العَالَمِينَ) 23 الشعراء، فيجيب موسى (قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ ) 24 الشعراء. ويستنجد فرعون بشيعته ويستفزهم لمناصرته فيقول (قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ ) 25 الشعراء، و يؤكد موسى حقيقة الربوبية فيقول (قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ ) 26 الشعراء. ثم يحمس فرعون جنوده (قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ) 27 الشعراء فيرد موسى بثبات (قَالَ رَبُّ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ) 28 الشعراء. وهنا لا يجد فرعون مفرا من تجاوز مستوى النبوة ويدعى الألوهية فاسمع فرعون (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَها غَيْرِى لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ المَسْجُونِينَ ) 29 الشعراء. لأجعلنك من المسجونين: هى السلطة التى يحوزها فرعون يسجن من يشاء، فإذا تمرد فيقتله، فإذا تضامن مع قريب أو صديق فنفس المصير.