على شاطئ جزيرة الوراق، يرفع محمود صابر أجولة الطوب الأحمر على ظهر الجمل. الجمل لصابر هو رأسماله الوحيد، «بيجيبلى فى النقلة من عشرة لحد 100 جنيه، وكل يوم برزقه». تنقسم الجزيرة، التى تبلغ مساحتها 4420 فدانا، إلى نصفين: المنطقة الحضرية المواجهة للمنيل، والمنطقة الريفية المواجهة لحى الوراق. الشاطئ الحضرى هو الأكثر استقبالا للمعديات التى تحمل الركاب، أما الشاطئ الريفى، مركز تجمع صابر وأصحابه من سائقى الجمال، فهو الأكثر استقبالا للمعديات الحاملة للمؤن ومواد البناء وغيرها من احتياجات الجزيرة. «على مدى الزمن غيّرْت جمال كتير أوى، مش فاكر عددهم كام»، وخلال 15 عاما فى تربية الجمال تعلم صابر أن يحاول ادخار ما استطاع من أموال للأيام العصيبة حين يمرض الجمل، أو تنكسر قدمه، أو تنتهى حياته. الجمل هو مصدر الدخل الوحيد لمحمود، وأهميته لدى صاحبه لا تقل عن أهميته عند باقى سكان الجزيرة، فهو وسيلة المواصلات الأساسية فى جزيرة بلا طرق ممهدة. يقود صابر جمله إلى داخل الجزيرة، ومعه عدد من أصحاب الجمال، يحملون أجولة الطوب والأسمنت وغيرها من مواد البناء، مرورا بالحقول المتبقية من الجزيرة، بعد أن تناقصت المساحة الخضراء على مر السنين. يمر موكب الجمال أمام حقل برسيم صغير. شمس أغسطس تلفح وجه عبدالجواد عبدالنبى وهو يزيل الحشائش الضارة عن أرضه الصغيرة. «كان نفسى أزرعها فاكهة أو خضار، كانت جابتلى قرشين حلوين». المزارع الستينىّ يضطر للاكتفاء بزراعة الذرة أو البرسيم ولا يطمح لأكثر من ذلك. والسبب، كما يشرحه عبدالجواد، هو أنه إن أراد نقل الفواكه والخضراوات على ظهور الجمال ثم على المعدية إلى المدينة، فإن نسبة الهالك ستكون كبيرة. «الجمل بيتهزّ كتير، والحاجة فيه بتتفعص». لذلك يضطر عبدالجواد وغيره من فلاحى الجزيرة أن يرضوا بزراعة المحاصيل التى تتحمل اهتزازات الجمال وويلات العبارات وتظل صالحة بعد الرحلة الطويلة. سيارات التوك توك الصغيرة هى المنافس الوحيد للجمل فى نقل البضائع داخل الجزيرة، وإن كانت المنافسة باردة، فكل فريق جمهوره المختلف. لا يصلح التوك توك لنقل الأغذية ومواد البناء، لكن بالتأكيد يصلح لنقل البضائع خفيفة الوزن مثل علب العصير والحلوى، التى يبيعها علاء البقال فى محل بقالته الصغير. «أحيانا بادفع فى الشهر 200 جنيه ويمكن أكتر علشان أنقل البضاعة من الشط للمحل على عربيات التوك توك»، فحمولة البضاعة على المعدية تصل إلى جنيه على كل «قفص بضاعة»، ومن 5 إلى 10 جنيهات للتوك توك من العبارة للبقالة. يضطر علاء إلى رفع سعر بعض المنتجات نصف جنيه عن سعرها الحقيقى لتعويض ثمن النقل. قد يكون غياب الطريق الممهد عن جزيرة الوراق هو أقل مشكلة تؤرق سكانها. الجزيرة ليس بها صرف صحى على الإطلاق، مما يجبر سكانها البالغ عددهم 70 ألفا على إلقاء مخلفاتهم فى النيل دون أى معالجة. والجزيرة رسميا محمية طبيعية طبقا لقرار مجلس الوزراء رقم 1969 لسنة 1998، مما يحظر بناء مبان سكنية على أرضها أو إقامة أنشطة تجارية إلا بشروط معقدة، غير أن الواقع المعياش ليس به أدنى أثر لهذا القرار، إلا فى الصعوبة التى تواجه الأهالى فى استخراج تصاريح الكهرباء والمياه لمبانيهم المخالفة أصلا. «إنشاء طريق ممهد يربط شرق الجزيرة بغربها، هو أكتر مشكلة خدنا عليها وعود من المسئولين بحلها»، والحديث ليحيى المغربى، رئيس المجلس المحلى لجزيرة الوراق. يحمل يحيى كومة من الأوراق والمخاطبات الرسمية التى يرتبها فى نظام شديد، طبقا لتسلسل التواريخ. التأشيرة الأولى، كانت عام 2004 من محافظ الجيزة السابق فتحى سعد، وبها توجيه من المحافظ لسكرتير عام المحافظة «بسرعة عمل دراسة مالية شاملة بتكلفة نزع ملكية الأراضى» اللازمة لإنشاء الطريق. وتأشيرة أخرى للسيد مدير عام الطرق لرفع الحدود المساحية للجزيرة، وشكاوى للمحافظ ووزير الإسكان ممهورة بتوقيعات وتوصيات أعضاء مجلسى البرلمان «برجاء للاهتمام بالشكوى»، وتأشيرة أخرى ومخاطبات متعددة بين المجلس المحلى وهيئة التعمير، ثم تأشيرات أخرى من المحافظ الحالى وغيرها من الأوراق التى تحكى قصة بيروقراطية معقدة تمتد على مدى 6 أعوام، خلاصتها أن الجزيرة مازالت بلا طريق مرصوف، «وماسبتش مسئول واحد إلا لما بعتّ له جوابات وشكاوى أو رحت له بنفسى»، يؤكد المغربى. مايو الماضى، قرار من رئيس مجلس الوزراء، أحمد نظيف، بتشكيل لجنة وزارية ثلاثية لدراسة أوضاع الجزر النيلية وجزيرة الوراق بشكل خاص، ويشترك فى اللجنة وزارات الإسكان والرى والبيئة، ولم يصدر عن اللجنة أى قرارات بخصوص الجزيرة حتى الآن. لكن المغربى الذى صار خبيرا فى التعامل مع الروتين الحكومى بوزارتها وهيئاتها المتعددة المتشابكة قد سأم الانتظار، إذ يستنجد الآن بمن يتوسم أنه أقدر على إنهاء معاناتهم بكلمة واحدة: «نفسى الرئيس مبارك يزور الوراق، علشان يشوف حالنا بنفسه».